Post: #1
Title: أتقى من القديسين".. حين يصبح النفاق سياسةً!
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 04-02-2025, 03:44 PM
03:44 PM April, 02 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في أروقة السلطة السودانية، حيث تتراقص الظلال بين نور المنابر وسواد الكواليس، تبرز الحركة الإسلامية كمسرحية درامية عبثية، ترفع شعارات القداسة وتبيع الدين بمهارة لا تضاهى. في العلن، يُصلّون ويعظون بألفاظ رقيقة تنسج من حرير الإيمان، وفي الخفاء تُدار صفقة المال الحرام وكأنها من أقدس المعاملات. يُتغنى بعبارات العدل الإسلامي والمقاومة، فيما تتحرك أياديهم بخفة في جمع الأموال وتنظيم الولاءات، بين قطر وإيران وأمريكا، في رقصة ساحرة تحول كل موقف إلى "إسلام حسب الطلب". وفي هذه اللعبة، يبرز البرهان، الذي كان يوماً رمزاً للمقاومة، ليتقافز الآن بين علاقات متباينة تُظهر ازدواجية لا يمكن إنكارها، كما لو أن النفاق صار قانوناً يفوق به العقلاء. ولن ننسى تلك اللعبة الباهرة التي يسمونها "المظلومية المزيفة"، حين يُعلنون بأن كل نقد هو مؤامرة، وكل نجاح هو هدية من السماء. فإذا سُئلوا عن فسادهم، يردون بابتسامة عريضة: "الدعوة تحتاج تمويلاً"، وكأن الله يحتاج إلى مافيا مالية لتسيير شؤون دينه المقدس. وفي قلب هذه المسرحية تبرز قياداتهم التي تزينون كلماتها بمفردات القداسة والرقي، لكن حين تنظر إلى أفعالهم تجد أن كل لمسة من أيديهم هي خطوة نحو تحقيق مصالحهم الشخصية، وليس نحو رفعة الأمة. من علي كرتي الذي يظهر بمظهر المجاهد المتأوه، إلى عبد الحي يوسف الذي يصرخ ضد أعداء الأمس، ولكنهم في الوقت ذاته يشاركون في تلك الصفقة السرية التي تُعرف باسم "التقية السياسية".
فهم من قال- "إذا رأيتهم في العلن أعجبتك وجوههم، وإذا سمعتهم أعجبتك أقوالهم، لكن إذا راقبتهم اكتشفت أنهم أتقى من القديسين... في النفاق!" إن هذا الوهم الذي يحيون به أنفسهم هو مزيج من الأحلام البالية والحقائق المريرة، حيث تتحول بضاعة الدين إلى سلعة تُباع وتُشترى في أسواق السلطة، ولا يبقى إلا السؤال المحير: هل المشروع الإسلامي في السودان ما زال قائمًا على مبادئه، أم أنه تحول إلى واجهة دينية تخدم مصالح ضيقة ولا تسعى إلا للبقاء بأي ثمن؟ إنهم، بمنهجهم الذي يمزج بين شعارات القداسة وممارسات اللصوصية، يتركون لنا درسًا في فنون النفاق السياسي؛ فنٌ يحول كل كلمة إلى سلاح، وكل شعار إلى وسيلة لبسط النفوذ. وفي زمن تصبح فيه الولاءات المزدوجة والصفقات السرية قوانين سائدة، يبقى الأمل في مشروع إسلامي حقيقي ضائعًا بين أوراق وهمٍ تمزقها رياح السياسة العاصفة. وهكذا، وبينما تبقى الوجوه مشرقة على المنابر، تنتشر الأحاديث في الكواليس عن مشروع كان يوماً ما حلمًا قوميًا، وتحولت مع مرور الزمن إلى مسرحية ساخرة تُظهر أن "النفاق" أصبح منهج حياة، وأن "التقية السياسية" هي أفضل حلّ للأمور في عالم لا تعرف للصدق طريقاً إلى السلطة.
وفي الختام، كيف تسلم الجلة من النجاسة؟ فكما لا يستطيع الرجل الذي مارس جماع كامل الأركان إنقاذ خصيتيه من نجاسة شهواته، لا يُمكن للنظام الملوث بمصالحه الفاسدة أن يخلص نفسه من عفن السلطة التي يأكلها من الداخل.
|
|