الواقعية الثورية لا تعني الطهرانية السياسية:ردٌ على مقال الأستاذ قصي همرور
 كتبه خالد كودي

الواقعية الثورية لا تعني الطهرانية السياسية:ردٌ على مقال الأستاذ قصي همرور
 كتبه خالد كودي


04-01-2025, 02:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1743471715&rn=0


Post: #1
Title: الواقعية الثورية لا تعني الطهرانية السياسية:ردٌ على مقال الأستاذ قصي همرور
 كتبه خالد كودي
Author: خالد كودي
Date: 04-01-2025, 02:41 AM

02:41 AM March, 31 2025

سودانيز اون لاين
خالد كودي-USA
مكتبتى
رابط مختصر









31 مارس 2025

في زمن الانهيار، لا يكون الخيار بين النقاء والفساد، بل بين الشجاعة في اجتراح الممكن، والجبن المتقن في المراقبة من بعيد.


في مقاله الأخير، قدّم الأستاذ قصي همرور نقداً متماسكاً من الناحية البلاغية، ولكنه هش في منطلقاته التحليلية، لخطوة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في توقيع ميثاق "تأسيس" مع عدد من القوى، بينها قوات الدعم السريع. ورغم احترامنا الدائم للاجتهادات الجادة، فإن ما ورد في مقاله يعكس أزمة أعمق من مجرد اختلاف في التقدير السياسي: إنها أزمة رؤية محكومة بمنطق الطهارة، لا منطق التاريخ.

حين تصبح الطهارة قيداً على الفعل:
أن تكون ثورياً لا يعني أن تطهّر الفضاء السياسي من كل تناقض، ثم تتحرك فيه كما لو أنك على ورق أبيض.
الثوري، في تعبير إيمي سيزير، هو من "يُشعل النار في هشيم الواقع، لا من يظل يعيد قراءة خرائط الحريق".
وفي السودان، هذا البلد المعقّد بتاريخه، المشوّه بامتيازاته، المكسور بأدوات سلطته، لا طريق للخلاص إلا عبر الاختراق العنيف للمألوف السياسي.

ما فعله الأستاذ قصي هو تثبيت معايير أخلاقية مجردة على واقع لا يمكن أن يتحرك من داخلها، ثم إدانة كل من يحاول كسر هذا السقف الزجاجي الذي خنق كل المبادرات. إن اختزال تحالف "تأسيس" إلى "صفقة سياسية–اقتصادية"، هو تجاهل فادح لمضمون الميثاق ذاته، ولشجاعة طرح قضايا لم يسبق أن وُضعت على الطاولة بهذا الوضوح:

- علمانية الدولة،
- تقرير المصير،
- العدالة التاريخية،
- اللامركزية،
- إعادة تعريف الهوية الوطنية،
- كسر احتكار المركز للسلطة والمعنى... الخ...

لقد وقّع الدعم السريع على هذه البنود لأول مرة في تاريخ السودان.
فهل يكون الرد هو التشكيك في نوايا الموقعين؟ أم اختبار التزامهم عبر الصراع والمحاسبة والرقابة الجماهيرية؟
الثورات يا أستاذ قصي لا تُبنى بالنوايا، بل بتوازنات القوة، وبقدرة الفعل الثوري على إخضاع حتى أدوات النظام لمنطقه، أو فضحها نهائياً على مسرح الالتزامات!

فشل النخبة: الفرصة التي قُبرت:
حين سقط البشير، انفتحت للمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث نافذة لإعادة تعريف الدولة.
ولكن النخب المدنية، بكل أطيافها، لم تطرح مشروعاً ثورياً متكاملاً، فقد كانت ولاتزال ضعيفة ولاحول لها. تحالفت مع العسكر ومع نفس الدعم السريع وقد كان حينها معبرا عن المركز، وراوغت في موضوع العدالة، وتهربت من مواجهة الإسلاميين، بل وأعادت "الشريعة" إلى الوثيقة الدستورية.
كان يمكن لتلك اللحظة أن تكون لحظة تأسيس. لكنها، كما يقول فانون، "أُهينت بنصف الثوريين الذين يعرفون كيف يرفضون، ولكن لا يعرفون ماذا يبنون"

هذا الفشل الأخلاقي والسياسي هو ما يدفع اليوم القوى الحقيقية إلى التحرك في مساحات جديدة، ولو محفوفة بالخطر، ولكنها تملك وضوح الغاية، وأدوات المراجعة.

الجيش والدعم السريع: خطأ القياس وخديعة التشبيه:
يرتكب الأستاذ قصي في تحليله خطأً مفاهيمياً جسيماً حين يوازي بين "النظام" و"الجيش"، وبين "الدعم السريع" و"الاستثناء الذي لا يستحق الاعتراف"!

إن بنية الدولة السودانية منذ الاستقلال، لا منذ البشير فقط، قائمة على تواطؤ عميق بين:
١/ الجيش كمؤسسة حماية للنخبة المركزية،
٢/ الإسلام السياسي كمصدر للشرعية،
٣/ والامتيازات الجهوية كأداة للسيطرة.

أما الدعم السريع، فهو ابن هذه المنظومة، لكنه ليس عقلها المدبر.
وإذا كان قد تمرد اليوم على مركزه، ووقّع على وثيقة تُحمّله التزامات لم يكن يقبل بها من قبل، فإن هذا التحول هو اللحظة الوحيدة التي يمكن أن يُحاسَب فيها من الداخل، لا عبر الإقصاء الشعاراتي.

حين يُقال لنا: "إذا كان مانديلا صالح نظام الأبارتيد، فلتصالحوا الجيش"، فإن هذا القول يغفل أن مانديلا لم يصالح جيش النظام، بل أعاد تشكيله بالكامل في إطار سياسي جديد، ولا شنو؟

والفرق الجوهري هنا، أن الجيش السوداني اليوم متمسك بالنظام القديم، بمركزيته، وإسلامويته، وبشراكته في سلطة بورتسودان، بينما اختار الدعم السريع الانفصال عن هذا المركز.
وهنا يكون من المنطقي والثوري أن نُخضع هذا الانفصال لاختبار السياسة، لا لعقوبة العزل.

عن الجيش والدعم السريع: التباس القياس، وخديعة التشبيه:
في نقده لتحالف "تأسيس"، يقدّم الأستاذ قصي همرور أطروحة تقوم على مقارنة سياسية–أخلاقية تُطالب الحركة الشعبية بمصالحة الجيش السوداني بدل قوات الدعم السريع، على اعتبار أن الأول هو "العدو الأساسي"، تماماً كما كان نظام الأبارتيد العدو الرئيسي للمؤتمر الوطني الإفريقي. غير أن هذه الأطروحة تنهار أمام أول اختبار بنيوي جاد: فهي تخلط بين النظام وبُناه، وبين المؤسسات وأدوارها، وتعيد إنتاج فهم سطحي لبنية السلطة في السودان.

إن بنية الدولة السودانية لم تكن يوماً بريئة من العنف البنيوي.

فمنذ الاستقلال، تشكّلت الدولة حول مثلث سلطوي متين:

١/ الجيش كأداة حماية لمصالح المركز.
٢/ الإسلام السياسي كمصدر رمزي للشرعية.
٣/ الامتيازات الجهوية كآلية لإقصاء الهامش وإعادة إنتاج الهيمنة.

ضمن هذا التكوين، لم يكن الجيش مؤسسة وطنية محايدة، بل الذراع الحامي للعقيدة الإسلاموعروبية، والنخبة المركزية، وقيم الدولة الريعية التي قامت على استغلال الموارد وتهميش الإنسان.
أما الدعم السريع، فهو بلا شك أحد إفرازات هذه المنظومة، لكنه لم يكن يوماً مركز القرار أو مُنتجاً لعقيدتها السياسية – بل كان أداة وامتداداً – صُنعت، وسُلّحت، ووُجِّهت.
وعليه، فإن الموقف الأخلاقي والسياسي لا يُبنى على التوازي بين الجيش والدعم السريع، بل على فهم العلاقة البنيوية التي جمعت بينهما ضمن نظام القمع والتهميش.
الدعم السريع لم يكن بدعة خارج النسق، بل نتاجه الطبيعي.

"ما من مستعمَر يُولد، بل يُصنع. يُصاغ في مختبرات السلطة، ويُعاد إنتاجه في خطابها وسلاحها."
— فرانز فانون!

وإذا كان أحد مكونات هذه المنظومة قد بدأ بالانفكاك عنها، ولو جزئياً، ووقّع طوعاً على ميثاق سياسي يعترف بمبادئ لم تجرؤ القوى المركزية على الاقتراب منها – من علمانية الدولة، إلى تقرير المصير، إلى العدالة البنيوية – فإن هذه اللحظة يجب أن تُفهم لا باعتبارها "غفراناً"، بل باعتبارها فرصة اختبار سياسي حاسم:

هل يمكن لمُنتَج النظام أن ينقلب على بنائه؟

جيش الأبارتيد وجيش المركز: المقارنة التي لا تصمد:
حين يُطرح تشبيه تحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع بما فعله مانديلا مع نظام الأبارتيد، ويُقال: "إذا كان مانديلا صالح النظام، فلماذا لا تصالحون الجيش؟"، فإن هذا القول يُبنى على توازي خاطئ.

جيش الأبارتيد لم يكن منفصلاً عن النظام، بل جزءاً من آلة قمع شاملة: الجيش، والشرطة، والقضاء، والمدرسة، والكنيسة البيضاء – جميعها تشكّل "النظام العنصري".
ومتى وافق المؤتمر الوطني الإفريقي على إنهاء الأبارتيد، لم يُبقِ على الجيش كما هو، بل أعاد تشكيله، وفكك بنيته العقائدية، وأعاد دمجه ضمن مشروع وطني جديد، هو مشروع ما بعد الفصل العنصري.

في المقابل، الجيش السوداني لم يُظهر أي نية للانفكاك عن عقيدته القديمة.

بل هو اليوم:
١/ يُمسك بسلطة بورتسودان،
٢/ يرفض الاعتراف بتنوع السودان،
٣/ يُكرّس الشريعة الإسلامية في الوثيقة الدستورية،
٤/ ويعيد إنتاج السودان القديم بذهنية جديدة

أما الدعم السريع، فرغم ما عليه من جرائم لايمكن انكارها، أخذ خطوة غير مسبوقة في تاريخ قوى المركز:
التوقيع على ميثاق السودان الجديد.
فهل يكون المنطقي هو تجاهل هذه الخطوة؟ أم يكون المنطقي – كما يفعل الثوار الحقيقيون – هو أن نضعه أمام التزاماته، ونخضعه لاختبار الزمن والوعي والمحاسبة؟

"الثورة لا تُقاس بطهارة شعاراتها، بل بقدرتها على تقويض البنية التي أنتجت القهر."
— فرانز فانون
"لا شيء أخطر على الثورة من أن تنغلق على ذاتها، وتعيد تصنيف العالم إلى أنقياء ودنسين، وتنسى أن السلطة (الثورة) تُفكك، لا تُقصى فقط."
— جولياس نيريري

فرصة لاختبار لا تغتفر ولا تُقدّس:
ما نعيشه اليوم هو لحظة مفتوحة على الاحتمالات.
إذا التزم الدعم السريع، أو أي طرف آخر، بمشروع السودان الجديد، فذلك مكسب وطني تاريخي.
وإذا تنصل، فإننا نملك اليوم وثيقةً واضحة، نُحاسبه بها، لا بإحالة إلى التاريخ فقط، بل عبر محكمة الشعب والمستقبل.

إن مصالحة الجيش اليوم، في ظل ثباته العقائدي واستمرار تبعيته للمركز، تعني تكريس النظام الذي خرجت ضده الثورة.
بينما إخضاع الدعم السريع لمشروع جديد يعني الرهان على التناقضات داخل النظام، واستثمارها لصالح عملية تحوّل بنيوي.
هذه ليست مهادنة، بل سياسة.
وليست تبرئة، بل مساءلة مشروطة.
"الثائر لا يبحث عن حلفاء نقيين، بل عن خصوم يمكن أن يتغيّروا."
— نيلسون مانديلا


Post: #2
Title: Re: الواقعية الثورية لا تعني الطهرانية السيا�
Author: Ahmed Eltigani Sidahmed
Date: 04-01-2025, 05:26 PM
Parent: #1

صدقت، فليس هناك موقع للتردد، ولا مجال لخطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف تحت تأثير إعلام كيزاني فاسد، باهظ التكاليف، يُموّل من مال هذا الشعب المغلوب على أمره!ولا وقت الآن للمهادنة، ولا للمصالحة مع الشر، أو مع دعاة الإبقاء على حكومة المركز العنصرية البغيضة.أعجبني ما كتبت:“حين يُقال لنا: إذا كان مانديلا قد صالح نظام الأبارتيد، فلتصالحوا الجيش، فإن هذا القول يغفل أن مانديلا لم يُصالح جيش النظام، بل أعاد تشكيله بالكامل في إطار سياسي جديد.”ونعم، لقد أعاد مانديلا تشكيل جيش النظام العنصري من الجذور، فأنشأ جيشاً غايته حماية الشعب والأرض، لا خدمة فئة أو نظام. جيشاً ينتمي إليه أبناء الوطن الواحد، بلا طبقية، ولا امتيازات.
وهكذا نراه نحن في “تأسيس” – جيش التأسيس كما جاء في الميثاق والدستور الذي وقّعت عليه القوى المدنية وحملة السلاح، بما فيهم قوات الدعم السريع.لقدّام!