من خلال الجزء الأول أوضحنا أن المسيح لم يكن لديه كتاب مقدس كالقرآن، وأن دعوته التي لم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات كانت مقتصرة على اليهود فقط، ثم انه ونتيجة لجهود بطرس وكرنيليوس انفتحت على العالم، وتوسعت بفضل جهود وتحركات بولس وبرنابا، لكن التاريخ المنعكس من الروايات بالأسفار الأربعة وسفر أعمال الرسل أكد بأن المسيحية لم تكن سوى طائفة يهودية، وهي -فوق ذلك- طائفة صغيرة جداً، وأن المسيح لم ينل شهرة كبيرة في وقته. وتؤكد ذلك بعض الأدلة الاركيولوجية السلبية حيث لم ترد في الوثائق الرومانية ولا مضابط ومحاضر المحاكمات اي إشارة لواقعة ظهور المسيح أو الحكم بصلبه، بل أن الأسفار الأربعة تؤكد بأن تلميذ المسيح يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح هو الذي أشار للجنود الرومان بأنه سيقبل المسيح ليتعرفوا عليه، وهذا ما يؤكد أنه لم يكن معروفاً لدى الجنود الرومان، رغم أن حكايات الأسفار تشي بشهرة السيد المسيح وأن أقواماً كثيرين اتبعوه وتبعوه، لكن هذا في الواقع لم يحدث، فلو حدث لدلت عليه وثائق الامبراطورية الرسمية، ولو حدث لما كان تعرف جنود الرومان عليه صعباً. كانت المسيحية مجرد طائفة روحانية من طوائف اليهود وهذا ما يبرر لنا عدم وجود هدف عالمي من الرسالة المسيحية، إذ كان الهدف الوحيد أو القيمة المضافة الوحيدة هي محاولة لفهم اليهودية فهماً روحانياً فقط وليس الغرض تخليص اليهودية من الشكليات، بل تذكير اليهود بالجوانب الروحية التي يجب أن تراعى عبر مفهوم "الروح القدس" ولذلك كان التعميد الحقيقي ليس بالماء بل بالروح القدس. وقد تكاثر هذا النوع في أواخر السرديات المسيحية كالأسفار الأربعة وزاد بشكل ملحوظ في سفر أعمال الرسل. كما نجد أن السيد المسيح في أحيان قليلة جداً دخل إلى الكنيس اليهودي وبدأ في طرد التجار وقلب طاولات الصيارفة لتخليص بيت الله من الأغراض الدنيوية، في تصرف متشدد وفريد من نوعه داخل السياق السردي الروحاني العام. وهذه الطائفة الصغيرة انتهت بتفرق الإثنى عشر تلميذاً بعد صلب المسيح وفق الرواية المسيحية، ثم عادوا للتجمع بشكل أكثر حرية بعد أن قام من موته والتقى بهم مرة أخرى. لكن التجمع ظل صغيراً واستمر كذلك لحين من الدهر حتى تم تبنيه سياسياً من قبل قسطنطين بعدثلاثمائة عام. وهكذا يمكن القول بأن الطائفة المسيحية أخذت تنفصل عن أصلها رويداً رويداً إلى أن أصبحت ديناً قائما بذاته، ولكنه دين يناقض تعاليم المسيح الأولى حيث أصبحت لديه طقوس وإجراءات وشكليات كثيرة جداً تجاوزت حتى اليهودية الأم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست