Post: #1
Title: قرارات الجيش الأخيرة- هل هي هيمنة متزايدة أم تمكين محدود للمناصرين؟
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 02-08-2025, 02:35 PM
01:35 PM February, 08 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في ظل الأوضاع الراهنة التي يشهدها السودان، يبقى الحديث عن دور الجيش في السياسة محورًا أساسيًا في الجدل الوطني. الجيش، الذي يُنظر إليه تاريخيًا كصمام أمان وحارس للسيادة الوطنية، يجد نفسه اليوم أمام واقع سياسي معقد، حيث تتداخل المصالح الداخلية والخارجية، وتفرض التطورات الميدانية إعادة النظر في علاقة المؤسسة العسكرية بالعملية السياسية.
قرارات البرهان الأخيرة: بين المصالحة والاستبعاد السياسي
في أحدث تصريحاته، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن فك الحظر عن جوازات المعارضين، مما يمثل خطوة نحو تهدئة الأوضاع وإعطاء مساحة للمعارضة المدنية للحركة بحرية. ولكن في المقابل، شدد البرهان على أن كل من حمل السلاح تحت راية سياسية أو لأهداف سياسية لا مكان له في الحكومة المدنية، في إشارة واضحة إلى رفض أي دور سياسي مستقبلي لقادة الحركات المسلحة التي انخرطت في النزاع.
كما أكد أن حزب المؤتمر الوطني المحلول لن يعود إلى الحياة السياسية، مما يضع حدًا لأي تكهنات بشأن إمكانية إعادة تأهيل الحزب الذي هيمن على الحكم لعقود. هذا القرار يحمل دلالات مهمة، حيث يحدد مسارًا واضحًا لاستبعاد القوى التي ارتبطت بالنظام السابق، مع التأكيد على عدم السماح بتكرار التجربة التي قادت السودان إلى أزماته الحالية.
نحو تعيين رئيس وزراء جديد بمرجعية سياسية واضحة
يبدو أن السودان يتجه إلى مرحلة جديدة في إدارة المرحلة الانتقالية، حيث أشار البرهان إلى أن تعيين رئيس وزراء سيتم وفق توافق سياسي بين القوى المدنية المساندة للجيش. هذا التوجه يعني أن السلطة القادمة ستكون محكومة بتوازنات القوى المؤيدة للمؤسسة العسكرية، مما قد يفتح الباب أمام مشهد سياسي أكثر استقرارًا، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول مدى شمولية هذا التوجه وقدرته على استيعاب كافة المكونات المدنية.
موقف تنسيقية القوى المدنية: شرط التنصل من الدعم السريع
في خطوة أخرى لفرز المواقف وإعادة ترتيب التحالفات، أكد البرهان أن تنسيقية القوى المدنية يمكن أن تعود إلى المشهد السياسي إذا تبرأت من أي اتفاق مع الدعم السريع. هذا التصريح يضع التنسيقية أمام خيار حاسم، إما القطيعة مع الدعم السريع أو البقاء خارج التوافق الجديد. وهو ما يعكس توجهًا واضحًا نحو إعادة رسم الخارطة السياسية بما يضمن تحجيم النفوذ السياسي لقوى مسلحة.
الكتلة الديمقراطية: حسابات السلطة والمصالح
الكتلة الديمقراطية، التي ساندت الجيش في مواجهة الدعم السريع، تجد نفسها الآن أمام معضلة سياسية معقدة. فبعد أن لعبت دورًا رئيسيًا في دعم الجيش خلال النزاع، تسعى اليوم للحصول على حصة مؤثرة في السلطة، مع محاولة إضعاف منافسها التقليدي، قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي. ولكن في ظل توجهات البرهان الأخيرة، يبدو أن هذه الكتلة قد تصبح مجرد أداة لتحقيق أهداف المؤسسة العسكرية، حيث يُتوقع أن تكون المناصب التي ستُمنح لها ذات طبيعة رمزية، بينما يحتفظ الجيش بالسيطرة الفعلية على مفاصل الدولة.
التحديات أمام المرحلة الانتقالية
في ظل هذه القرارات، يبقى السؤال الأهم وهو كيف يمكن تحقيق توازن بين الدور العسكري في تأمين المرحلة الانتقالية، وضمان انتقال سياسي سلس نحو حكم مدني شامل؟ الإطار الدستوري: تحتاج السودان إلى إطار دستوري واضح يحدد دور الجيش في المرحلة المقبلة، بحيث لا يتحول إلى لاعب سياسي دائم. إدارة العلاقات المدنية-العسكرية: يجب وضع آلية تضمن التنسيق بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية دون تنازع على الصلاحيات. التوافق الوطني: أي عملية انتقال سياسي ناجحة تحتاج إلى توافق واسع يشمل مختلف الأطراف دون إقصاء أو هيمنة طرف على آخر. التحديات الإقليمية والدولية: السودان ليس بمعزل عن التغيرات الإقليمية والدولية، وبالتالي، فإن أي تحول داخلي يجب أن يأخذ في الاعتبار تفاعلات القوى الخارجية ومصالحها في البلاد.
إن قرارات البرهان الأخيرة تحمل في طياتها إشارات واضحة إلى معالم المرحلة المقبلة، حيث يسعى الجيش إلى ترتيب المشهد السياسي وفق رؤية تضمن استبعاد القوى المسلحة من الحكم، واحتواء المعارضة المدنية ضمن إطار داعم للمؤسسة العسكرية. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المسار مرهونًا بقدرته على تحقيق توازن بين متطلبات الاستقرار ومقتضيات التحول الديمقراطي، دون إعادة إنتاج الأزمات السياسية التي عانى منها السودان في العقود الماضية.
|
|