Post: #1
Title: سفاهة أهل المنافي ومأساة الوطن - قراءة في جدل الوطنية والاتهام بالخيانة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 01-30-2025, 02:02 PM
01:02 PM January, 30 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في خضم الحرب السودانية المستعرة، ومع كل ما أفرزته من تمزقات في النسيج الاجتماعي والسياسي، يطفو على السطح جدل عقيم بين أبناء الوطن حول معايير الوطنية والخيانة. في هذا المشهد الفوضوي، يغرق بعض أهل المنافي والمهاجرين في سجالات عقيمة، يتراشقون فيها بالتهم جزافًا، يوزعون الوطنية كما لو كانت ميراثًا خاصًا، ويطعنون في انتماء الآخرين دونما سند عقلاني أو رؤية موضوعية. الوطنية بين الشعور الأخلاقي والابتزاز السياسي ليست الوطنية شعارًا أجوف يُرفع متى ما شاء البعض ويُخفض حين لا يوافق أهواءهم. الوطنية إحساس وجداني عميق بالانتماء للوطن والعمل على خدمته بصدق، بعيدًا عن المزايدات والشعارات الفضفاضة. لكن المؤسف أن بعضًا ممن يعيشون في المنافي، أو حتى في الداخل، يعتقدون أن الوطنية امتياز يُمنح وفقًا لموقف سياسي معين أو دعم لفصيل ما في الصراع القائم. وهؤلاء، بوعي أو بدونه، يمارسون نوعًا من الابتزاز السياسي الذي يضيّق مساحات النقاش الحر ويشوه معنى الوطنية ذاته. الوطن ليس حكرًا على أحد لا يحق لأي شخص أو جهة أن تدّعي احتكار الوطنية، ولا أن تتهم الآخرين بالخيانة لمجرد اختلاف الرؤى والتحليلات. فالمجتمع السوداني متنوع، يضم آراء متباينة ومواقف متعارضة، وهذه طبيعة السياسة في أي بلد. لكن ما يبعث على الأسف هو غلبة الصوت المرتفع على صوت الحكمة، حيث يتم تخوين كل من يحاول قراءة المشهد بعيدًا عن التحيزات العاطفية أو الانفعالات الآنية. الحرب دماء على الأرض وطموحات على الطاولة إن من يدفع ثمن هذه الحرب هم الأبرياء، بينما يسعى الساسة والمقاتلون للجلوس على طاولات التفاوض يومًا ما، لتقسيم السلطة والثروة، كما حدث في نزاعات سابقة. هؤلاء الذين يقتلون بعضهم اليوم سيتقاسمون المناصب غدًا، فيما يظل الشعب مشردًا ومقهورًا. لكن اللافت أن هناك من ما زال يتوهم أن الصراع يدور حول مبادئ مطلقة أو معركة بين الخير والشر، غير مدرك أن السياسة لا تعترف بالمثاليات، وأن المآسي التي تصنعها الحرب لا يمكن معالجتها بخطابات التخوين والمزايدة. الوعي قبل العاطفة لا أحد يحتكر تفسير معنى الوطنية، ولا أحد يملك حق توزيع صكوك الخيانة. وإن كان في التاريخ عبرة، فإن من ينخرطون في خطابات الكراهية والإقصاء هم أول من يسقطون عندما تتغير الموازين. المطلوب اليوم ليس مزيدًا من الانقسامات، بل خطاب أكثر نضجًا، يتجاوز العواطف الجياشة إلى رؤية عقلانية تعترف بتعقيد المشهد السياسي والاجتماعي. التاريخ لا يرحم لن يظل السودان في هذه الحالة إلى الأبد، وسيأتي يوم تعود فيه السكينة إلى البلاد. وعندها، ستتكشف الحقائق، وسيندم كثيرون على مواقفهم المتشنجة. الوطن للجميع، والتاريخ سيحكم على أفعال الجميع. فمن شاء أن يكون جزءًا من الحل، فليبدأ بإعمال العقل بدلًا من السقوط في هاوية الكراهية والاتهام بالخيانة.
*أبغض الأشياء في ظل هذه الظروف والأوضاع التي تعيشها بلدنا أن يسقط متعلم أو صاحب تجربة إنسانية عميقة في لغو الحديث وسخيف القول دون فهم لمواقف الاخرين ، ويكون الرد من باب الكراهية ومحاولة التقليل من شأن المختلف معه. هذه سفاهة بائنة وادعاء سطحي للوطنية المقدسة.
|
|