أتعاب أو استدعاء الاستنارة||||||!! كتبه الأمين مصطفى

أتعاب أو استدعاء الاستنارة||||||!! كتبه الأمين مصطفى


01-10-2025, 07:52 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1736535165&rn=0


Post: #1
Title: أتعاب أو استدعاء الاستنارة||||||!! كتبه الأمين مصطفى
Author: الأمين مصطفى
Date: 01-10-2025, 07:52 PM

06:52 PM January, 10 2025

سودانيز اون لاين
الأمين مصطفى-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




في أزمنةٍ عصيبة، حيثُ تهوي قيمةُ العملةِ كطائرٍ جريح، أدركَ محامٍ ذكيٌّ أنَّ الركضَ وراءَ قضايا المحاكمِ المحليَّةِ وأتعابِها الزهيدةِ لم يعدْ مُجديًا. فقرَّرَ الارتقاءَ إلى مستوىً جديدٍ من "الاحتراف": عالمِ الأتعابِ الدولاريةِ البراقة.
بدأَ هذا المحامي رحلتَه بتحويلِ نفسِه إلى مُدافعٍ شرسٍ عن "حقوقِ الإنسان". لم يكنْ هذا التحوُّلُ نابعًا من قناعةٍ راسخةٍ، بل كانَ وسيلةً لتحقيقِ غايةٍ أسمى: جنيُ الدولارات. اختارَ الدفاعَ عن "المعارضين" وقضايا "النظامِ العام" المُثيرةِ للجدل، من قضايا "الزيِّ الفاضحِ" إلى "الخلوةِ دونَ محرم". وجدَ في هذه القضايا نافذةً سحريَّةً تُطلُّ على عالمِ السفاراتِ الغربيَّةِ التي تدَّعي الدفاعَ عن حقوقِ الإنسان، ويا لسخريةِ القدر، هيَ نفسُ السفاراتِ التي تدعمُ أنظمةً قمعيَّةً لا تُقيمُ وزنًا لحقوقِ الإنسانِ، بل ترتكبُ جرائمَ بشعةً بحقِّ الشعوبِ، دونَ أن يرفَّ لها جفنٌ أو تُحرِّكَ ساكنًا.
سرعانَ ما تحوَّلَ محامينا إلى نجمِ شباكٍ في هذا العالمِ المُزدوجِ المعايير. أصبحتْ أتعابُه تُدفعُ بالدولارِ، وبتمويلٍ "ثنائيِّ المصدر"، على غرارِ ذلك التمويلِ الأوروبيِّ المشبوهِ الذي كانَ يُقدَّمُ لقادةِ الميليشياتِ تحتَ ستارِ "مكافحةِ الهجرةِ غيرِ الشرعيَّة". أتعابٌ سخيَّةٌ من هنا، ونثرياتٌ دسمةٌ لقاءَ المشاركةِ في اجتماعاتِ "مجلسِ حقوقِ الإنسان" المُموَّلِ من الجهاتِ نفسِها التي تنتهكُ حقوقَ الإنسانِ، ويكتفي هذا المجلسُ بإصدارِ بياناتِ إدانةٍ خجولةٍ لا تتجاوزُ عتبةَ "الفيتو" الذي لا يعرفُ للحقِّ أو الإنسانيةِ معنى.
لكنَّ طموحَ محامينا لم يتوقَّفْ عندَ هذا الحدِّ. بعدَ أنْ ذاعَ صيتُه في أوساطِ "المُدافعينَ الزائفينَ عن حقوقِ الإنسان"، وأصبحَ شخصيَّةً مُقرَّبةً من قادةِ الأمرِ الواقعِ والمعارضةِ على حدٍّ سواء، جمعَ الدولاراتِ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وانتقلَ إلى خانةِ السياسةِ. أصبحَ يُجيدُ اللعبَ على كلِّ الحبالِ، ويجمعُ بينَ "الديمقراطيةِ" و"الشموليةِ" في آنٍ واحدٍ. فتحَ صالونًا سياسيًّا فاخرًا، أصبحَ مزارًا للجميع، فهو صديقُ الكلِّ وحبيبُ الكلِّ، يتلوَّنُ حسبَ التيَّارِ واليومِ التالي.
المشهدُ الأول: محامينا يُلقي خطابًا حماسيًّا عن "حقوقِ الإنسانِ" في مؤتمرٍ دوليٍّ باذخٍ، بينما يتلقَّى اتصالًا هاتفيًّا سرًّا من أحدِ قادةِ الميليشياتِ يشكرُه على "الخدماتِ الجليلةِ".
المشهدُ الثاني: يلتقي سرًّا مع مسؤولٍ رفيعِ المستوى في الحكومةِ، ليُقدِّمَ له "استشاراتٍ قانونيَّةً" حولَ كيفيَّةِ التعاملِ مع "المعارضينَ المُشاغبينَ"، بينما يرتدي وشاحًا كُتبَ عليهِ "الحريةُ للجميع".
المشهدُ الثالث: يظهرُ في برنامجٍ تلفزيونيٍّ حواريٍّ شهيرٍ، يتحدَّثُ ببلاغةٍ عن "الشفافيةِ والمُساءلةِ"، بينما يُحاولُ جاهدًا إخفاءَ شيكٍ ضخمٍ تلقَّاهُ للتوِّ تحتَ الطاولةِ.
المشهدُ الرابع: يُشاركُ في مظاهرةٍ صاخبةٍ تُطالبُ بـ"إطلاقِ سراحِ المُعتقلينَ السياسيينَ"، بينما يُغمزُ بعينِه لأحدِ رجالِ الأمنِ الواقفينَ على الجانبِ الآخرِ من الشارعِ.
المشهدُ الخامس: يُقيمُ حفلَ استقبالٍ فخمًا في منزلِه، يحضُرُه مسؤولونَ حكوميُّونَ كبارٌ وقادةُ معارضةٍ ورؤساءُ منظماتٍ حقوقيَّةٍ دوليَّةٍ، يتناولونَ أشهى المأكولاتِ ويتجاذبونَ أطرافَ الحديثِ، بينما يُلقي هو نُكاتًا مُبتذلةً تُضحكُ الجميعَ، باستثناءِ ضميرِه الذي يُعذِّبُه بصمتٍ.
وهكذا، يستمرُّ محامينا في لعبِ دورِه المُزدوجِ، جامعًا المالَ والنفوذَ، ضاحكًا على الجميعِ، بينما تُنتهكُ حقوقُ الإنسانِ على مرأى ومسمعٍ منه، بل وبمساهمةٍ منه بشكلٍ أو بآخر. قصةٌ مُضحكةٌ مُبكيةٌ، تُجسِّدُ واقعًا مُرًّا نعيشُه، حيثُ تُستغلُّ القضايا الإنسانيةُ لتحقيقِ مكاسبَ شخصيَّةٍ، في عالمٍ تحكمُه المصالحُ والمالُ.