كم هو مؤسف أن يصل الإنحطاط ببعض المثقفين السودانيين إلى الدرجة التي تجعلهم يغضون الطرف عن الجرائم التي إرتكبها مجرم الحرب ومغتصب الأطفال البرهان أمام أعينهم وفي وضح النهار. وصل العهر بهؤلاء إلى مرحلة من السفور والفجور والسقوط جعلت بعضهم يتحدث بلغة الحنانات والمشاطات في وقت السودان غارق في وحل حرب قذرة أشعل فتيلها البرهان وفلول النظام السابق والإنتهازيين من حركات الإرتزاق التي كانت بمثابة خنجر في خاصرة الثورة، حين تحالفت مع قوى الردة والظلام. هل هناك سقوط في مزبلة التاريخ أكثر من مدح الحرب اللعينة؟ إلى متى يستفيق هؤلاء من غفوتهم؟ هل الحرب أفضل من الحرية؟ هل السلام أسوأ من الانتحار؟ هل هؤلاء بلا ذاكرة، أو ضمير أو أفق؟ من الذي دمر السودان منذ الإستقلال؟ أليس هي الإنقلابات العسكرية والحروب العبثية؟ هل لهؤلاء ذاكرة تسترجع الكوارث التي جلبها حكم العسكر لهذا البلد الذي كان منتظر منه ان يكون سلة غذاء العالم؟ هل يتذكرون إنقلاب الفريق إبراهيم عبود على النظام الديمقراطي عام ١٩٥٨م؟ هل يتذكرون دمار حلفا الجديدة وتشريد أهلها وطمس الحضارة السودانية هناك؟ هل يتذكرون انقلاب جعفر نميري في عام 1969م؟ هل كانت قوات الدعم السريع مشاركة في هذا الانقلاب العسكري أو في الانقلاب الذي سبقه؟ هل قوات الدعم السريع، التي يكيل لها بعض الساقطين والساقطات السباب والتفاهات، هي التي نفذت انقلاب الجبهة القومية الإسلامية على النظام الديمقراطي الذي كان قائماً قبل صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989؟ هل قوات الدعم السريع هي التي فصلت الجنوب؟ هل هي التي سرقت أموال البترول المقدرة بمئات المليارات؟ يا عالم، هل لكم ذاكرة تؤرخ للأحداث الخطيرة التي أوردتنا كل هذا الانحطاط؟ ذاكرة للأيام العصيبة والليالي المظلمة والفصول القاسية والأحوال البائسة؟ ذاكرة تؤرخ للجرائم التي إرتكبت في حق الهامش العريض من قبل المركز الطفيلي الذي ظل ينهب في ثروات البلد بلا حسيب أو رقيب أو صحوة ضمير؟ أنتم فعلاً أثبتم أنكم مثقفون مثل الحنانات والمشاطات في القاهرة وهن يروجن للتفاهات والبذاءات والسخافات، لأن المثقف العضوي لا ينسى تاريخ بلاده وشعبه، بل يجعل منه تاريخاً حياً، فيه ذاكرته وموقفه وقلمه. المثقف الحقيقي هو الذي لا يدفن رأسه في رمال الخداع والوهم، ولا يسوق الكوارث والمآسي لشعبه بأنها مكاسب وإنجازات! المثقف الحقيقي هو الذي يمتلك ذاكرة حية وعقلاً يقظاً وقلماً جريئاً قادراً على ربط الأحداث ببعضها وتحليلها وتقديم خلاصتها لشعبه حتى لا يتنكب الطريق. لا أحد قادر على الشعور بحجم المأساة التي يتعرض لها وطنه وشعبه أكثر من المثقف العضوي الذي لا ينحاز للسلطة الفاسدة حتى لو منحته كل مال الدنيا، على حساب الأغلبية من الفقراء والكادحين المهمشين من الرعاة والمزارعين. المثقف الحقيقي هو الذي يحاسب نفسه قبل محاسبة الآخرين، لذلك لا ينافق أو يدلس، أو يساوم أحد تحت أي ظرف أو مبرر كان حتى لو منحوه كل مال الدنيا. أشعر بالشفقة والرثاء على بعض المثقفين الذين يتحدثون بلغة الحنانات والمشاطات وبائعات الهوى في طرقات المدينة الفاسدة!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب الزين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست