في خطبة الكتاب كتبه عمر مصطفى شركيان

في خطبة الكتاب كتبه عمر مصطفى شركيان


12-28-2024, 03:44 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1735397072&rn=0


Post: #1
Title: في خطبة الكتاب كتبه عمر مصطفى شركيان
Author: عمر مصطفى شركيان
Date: 12-28-2024, 03:44 PM

02:44 PM December, 28 2024

سودانيز اون لاين
عمر مصطفى شركيان-UK
مكتبتى
رابط مختصر







هذه صحائف كتبناها ونشرناها من قبل في الصحف الإلكترونيَّة والورقيَّة، وقرأها كثرٌ من النَّاس في داخل السُّودان وخارجه. فهناك من مدحها، وربما كان هناك من قدحها أيضاً. بيد أنَّ الأهم في الأمر هو ما أفادنا به بعض الصحاب والصواحب الذين قرأوا هذه الصحائف من قبل، وعبَّروا عن إعجابهم بما وجدوا فيها من معلومات سياسيَّة تارة، وأدبيَّة تارة أخرى، وحكايات كانت غائبة عنهم تارة ثالثة، وكذلك وجدوا عبارات الثناء والعرفان التي تعبِّر عن الوفاء والتقدير منا لمن تمدرسنا على أيديهم، وكانوا قدوة حسنة حيث التمسنا منهم تجارب أمست تضيء دروبنا في الحياة التي نعتاشها اليوم. ثمَّ هناك ممن اقترحوا علينا تجميع هذه المقالات والمحاضرات، والعمل على نشرها في كتاب لتزدان بها دور المكتبات، وينتفع بها طلاب الدراسات، وها نحن نقبل على ذلك عملاً بوصيَّتهم.

مساهمة الرَّقيق في الاقتصاد الغربي أمر لا يقبل الجدال إلا من تجبَّر وطغى. كغيرها من المستعمرات التي كانت تعج بالرَّقيق، كان اقتصاد سانت دومينيك قد أسِّس على العنف والمعاناة الذي تعرَّض له ما يقارب نصف مليون من الأرقاء الأفارقة، وذلك بالقياس إلى تعداد السكان البيض في الجزيرة، الذين بلغ تعدادهم 40.000 نسمة. كان يتم استقدام أكثر من 300 رقيق إفريقي مقيَّد بالسلاسل أسبوعيَّاً، وذلك ليتم استيعابهم في حظائر الرَّقيق في الجزيرة. مع تخوُّف البيض من انتفاضة الرَّقيق كان استخدام العنف المفرط هو السبيل الوحيدة التي استخدمتها طبقة ملَّاك المزارع لحفظ النظام. ما زالت الذكريات حيَّة في الأذهان عن مصير العبد الآبق (الهارب) فرانسوا مكندال، وهو الذي تمَّ القبض عليه بعد حين من هروبه، وأُخِذ إلى ساحة مدينة كاب-فرانسا المزدحمة، وتمَّ حرقه على العامود العام 1758م، وذلك بعد إدانته في، أو تلفيقه، جريمة إثارة التمرُّد. في العام 1791م تحقَّقت مخاوف البيض بعد تصاعد عمليات الشد والجذب المتفاقمة بين الطبقة الحاكمة وإعلان الجمهوريَّة الفرنسيَّة عن حقوق الإنسان ومعارضتها للاسترقاق. إذَّاك اشتعلت ثورة عارمة بواسطة الأرقاء في الجزيرة، حيث قادها فرنسوا دومينيك توسان لوورتور كقائد للثورة الهايتيَّة.(1) إنَّه لمن المهم ألا نجهل التاريخ المعاصر، لأنَّ التاريخ يقدِّم تحذيرات، حتى لا نتجاهلها ونصبح من النادمين.
لقد صحت ضمائر أحفاد ملَّاك العبيد في بعض الدول الغربيَّة ورجال الدين المسيحي بعد أن اكتشف أولئك وهؤلاء أنَّ أسرهم قد أمست أثرياء من خلال عمليات الاسترقاق. ففي كانون الثاني (يناير) 2023م قال كبير أساقفة كانتربري جستين ويلبي إنَّه لمتأسِّف جداً، ثمَّ إنَّ ليشعر بعميق الأسف، لأنَّ كنيسة إنجلترا كانت لها ارتباطات بالرّق عبر المحيط الأطلسي، ومن ثمَّ أعلن عن تبرُّع بمبلغ 10 مليون جنيه إسترليني. فها هي مراسلة هيئة الإذاعة البريطانيَّة لورا تريفيليان تكتشف بأنَّ أجدادها كانوا يملكون أكثر من ألف عبد في جزيرة غرينادا، وقامت بمنح 100 ألف جنيه إسترليني لصندوق التنمية في الجزيرة، بما فيه صندوق مركز البحوث في جامعة جزر الهند الغربيَّة. إذ شرعت أسرتها في الاعتذار الرَّسمي لأحفاد الرَّقيق عما لحق بأجدادهم من تدمير لحيواتهم بواسطة جشع ملَّاك العبدان. كذلك أوضحت السيِّدة تريفيليان جليَّاً بأنَّ هذا التعويض الرمزي ينبغي توجيهه لمعالجة آثار الاسترقاق، وتعويض أجيال الأرقاء السابقين عما افتقدوه من تعليم وصحة بواسطة السياسات الاستعماريَّة التي عملت على انتشار الجهل، ومرض السكري من جراء الطعام الذي كان المستعمرون يجبرونهم على تناوله.
الجدير بالذكر أنَّه بعد إلغاء الرِّق في المستعمرات البريطانيَّة العام 1833م تقدَّم ملِّاك العبيد بحوالي 46,000 طلباً للتعويض عمَّا خسروه من سياسة إلغاء تجارة الرِّق، ووصلت قيمة التعويضات إلى حوالي 20 مليون جنيه إسترليني، أي ما كان يعادل 40% من الإنفاق الحكومي العام 1834م. إنَّ أسرة تريقيليان نفسها قدَّمت طلباً للتعويض عن 1,004 عبداً، واستلمت ما يقارب 27,000 جنيهاً (أي ما يعادل اليوم 2,6 مليون جنيه، أو 2,500 جنيه لمل رأس من الرَّقيق).(2)
في كانون الأول (ديسمبر) 2022م اعتذرت الحكومة الهولنديَّة رسميَّاً عن دورها في تجارة الرِّق، وأعلنت عن صندوق مالي بمبلغ 200 مليون يورو لمعالجة الآثار اليوميَّة لتداعيات الاسترقاق. ففي تموز (يوليو) 2023م قدَّم ملك هولندا وليام-أليكسندر هو الآخر اعتذاراً عن دور هولندا التاريخي في الاسترقاق، وطلب عفواً ممن تضرَّر أحفادهم بسبب الاسترقاق، حيث وصفه بأنَّه يمثل أبشع جريمة ضد الإنسانيَّة. إذ جاء اعتذاره حين كان يتحدَّث في مناسبة عامة بمرور الذكرى ال160 لإلغاء الرِّق. لقد موَّلت هولندا ما أسمته بالعهد الذهبي في القرنين السادس عشر والسابع عشر بنقل حوالي 600.000 إفريقي قسراً كعبيد في الغالب الأعم إلى أمريكا الجنوبيَّة ومستعمراتها الكاريبيَّة، حيث أثبتت الدراسات أنَّ العائلة المالكة في هولندا تكسَّبت 468 مليون جنيه إسترليني بمقاييس اليوم في الفترة ما بين (1675-1770م) في المستعمرات التي ساد فيها الاسترقاق.(3)
الكتاب الذي بين يدي القارئ يحمل في ثناياه مواضيع متباينة؛ إذ يعد كشكولاً يخاطب قضايا سياسيَّة وتاريخيَّة وحقوق الإنسان والأدب والفن والوفاء والمرثيات. لقد عرَّف غراوتشو مارك السياسة بأنَّها فن البحث عن مشكل، وفي حال العثور عليه أينما وُجِد، وتشخيصه خطأً يتم تطبيق الدواء الخطأ أيضاً. لا شك في أنَّ هذا التعريف قد صادف هوى لدي قادة السُّودان الأوائل والمعاصرين. كان أكثر ما لم يستطع قادة السُّودان الإجماع عليه هو عمليَّة صناعة الدستور برغم من أنَّ الدساتير وحدها لا شريك لها لا تضمن استقرار الدول، ولا تعين على رفاهيَّة الشعوب. ففي كتابها "البندقيَّة والسفينة والقلم" اتَّخذت ليندا كولي مقاربة حديثة في صناعة-الأمَّة، وأقرَّت بأنَّ موضة كتابة الدساتير منذ الخمسينيَّات من القرن الثامن عشر الميلادي إلى الآن لم تمنع الأمم من خوض الحروب ضد بعضها بعضاً، ثمَّ لم تعينها على تحقيق كثراً من الأهداف السامية التي وضعها صائغو الدساتير.

نسبة لتشعب القضايا الواردة في هذا السفر لم نستقر على منهج بحثي واحد، بل استخدمنا عدة مناهج بحثيَّة مختلفة. فقد اقتضت طبيعة أي موضوع الاستعانة بمنهج يلائمه.

هوامش وإحالات
(1) The Daily Telegraph, 7 January 2023.
(2) The Guardian, 11 February 2023; and The Daily Telegraph, 11 February 2023.
(3) Metro, 3 July 2023.