الخيمة السوداء- قصة قصيرة كتبه د.أمل الكردفاني

الخيمة السوداء- قصة قصيرة كتبه د.أمل الكردفاني


12-26-2024, 06:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1735233258&rn=0


Post: #1
Title: الخيمة السوداء- قصة قصيرة كتبه د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 12-26-2024, 06:14 PM

05:14 PM December, 26 2024

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر








(الأرض) كما يحلو لها أن تُسمى؛ كان كل شيء لا يسير على ما يرام. كان الموت أقرب للصقع. أقرب من تلألؤ الزركون الأحمر كنبيذ قديم في كأس زجاجي نبيل.
الناس كانوا يهرعون إلى الخيمة السوداء.. يعبرون بوابة الشيطان المبخرة بالرماد وأصوات الصناج كدستور الزار الحبشي، والممر الواسع الذي يطوق الخيمة السوداء يبدو كمسلخ يهودي، حيث تسقط النسوة العوانس والعواقر على الأرض يتضرعن للخروج من الحرمان المجنح وخصيان المعابد والسلاطين المنكفؤون على بطونهم لتجهيز الاحتفالات المسائية وكلاب كافكا السبع.
نعم..
إن الوطاويط غادرت محيط الخيمة السوداء متشائمة منها. وأصيب البشر بجنون تصورات القداسة فباتوا يتعاركون عراكاً يتوسط الجد والهزل لكي يمتلكوا -عبثاً- نهايات غير مفتوحة.
ليس كل العاهرات يصبحن ثريات.. بل أغلبهن لا يستمتعن بعهر شبه مجاني. أو الذي يصفونه أيضاً بلقمة السمكة. كل شيء هو بزنس، هو بيع وشراء، هو قيمة تداولية، ليس أقل من العهر أن تتملق مخدومك أو تضطر إلى احتمال الأعداء والحمقى كأصدقاء.
"عليك.. في حالات الانغماس في اليأس أن تحدق في نبيذ الزركون المتلألئ.. أن تغوص في الحجر الكريم.. في قلب الحجر الكريم.. في كل زاوية من زوايا تضليعاته اللعوب... وستنسى كل شيء".
واليوم أعلنت إلحادها بعد فرارها من الخيمة السوداء. حيث حشر أحد الزومبي قضيبه وسط مؤخرتها. وكانت الخيمة تطلق دخان رمادها حابسة الجمر تحتها.. هناك فسطاطان في هذا العالم.. "كل هذا وهم بل هناك مليارات الفسطاطات، ولا سبيل إلى نسيان شيء".
كان الزومبي يهمهمون ويجرون لعابهم بأيديهم ليحيطوا به الخيمة السوداء.
كم يحتاج الثوب الأبيض ليتلوث بقطرة سواد؟
...

فقدت الخيمة مساحيق قداستها، وكان مجمع سري ينعقد تحت الرماد والسخام لتجديد روح العصر وقواعد التسالي التهريجية.
مع ذلك، كان الزومبي حول الخيمة ينقضون على بعضهم البعض. يعضون بعضهم البعض، يغتصبون بعضهم البعض. وقال أكثرهم حكمة: "هذه لوثة القداسة.. حيث تنفجر الأحاسيس من أوعيتها الضيقة، فيرجع الكبار أطفالاً".
لكن لا شيء داخل الخيمة السوداء.. حقاً لا شيء، ربما ظِلُّ حكايات مضطربة، ربما سراب أساطير غابرة وأشياء من هذا القبيل. ولكنك تشم رائحة بخور الأصنام وشواء القرابين على النصب.. وتحدي العدم بوجودٍ عارضٍ يقتصه من مجرى التاريخ.
أسقط.. أسقط.. أسقط..
فلا تخرج من تحت أجنحة الشيطان المعروقة سوى الحشرات المخلوقة برأس بشري وأنف خنزير.
...

لا أحد يدري شيئاًعن مضمون الحب، الحب ككلمة داخل سائل الرحم المجازي، كرة من الم تتقافز، تعلو وتهبط، تتأرجح، تغوص في أعماق الظلام، الحزن والمأساة والفرح، كسائر العجز اللغوي الذي يحاولون جبره بالموسيقى والرسم أو بالاختباء داخل الخيمة السوداء وخوض مباريات الملاكمة التعسة ضد الذات. لذلك خلا كل ما تحت الخيمة السوداء من الزهور والفراشات والعبير والفن.. كانت حياة لا تصلح إلا للزومبي المجانين.
كان عليهم أن يتكوموا تحت ظلامها وهم يقهقهون ثم ينحرون رقابهم ليجعلوا وجوههم تجاه ظهورهم، وكان ذلك يغبطهم.
ولا أعرف إن كان يجب عليَّ الإشفاق عليهم أم بغضهم. فالخيمة السوداء لم تكن وحدها، كانت موزعة في كل صقيع الأرض وجدبها وقفرها وصحاريها، وكانت الأرض بدورها تعاني من سقوطها في مجهول الكون، والقرود المقدسة تراقبها من فوق المجرات بأعين صفراء مقززة. وأحيانا تنسل منها قطرات دموع من قذى.. قطرات دموع من العفن المتخثر في تشوهات الكون المقيت... وكنت أعبر نحوها ككل من عبروا قبلي دون جدوى.. دون أدنى جدوى..

(تمت)