العقد- قصة طويلة- ج٢ كتبه د.أمل الكردفاني

العقد- قصة طويلة- ج٢ كتبه د.أمل الكردفاني


12-21-2024, 07:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1734804144&rn=0


Post: #1
Title: العقد- قصة طويلة- ج٢ كتبه د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 12-21-2024, 07:02 PM

06:02 PM December, 21 2024

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر








-لقد كبرت في السن يا صديقي...

كان الأستاذ كالوتشا يستمع إلى زميل الجامعة السيد فاري الذي أصبح اليوم أكبر وكيل للإطارات الألمانية في البلد. في حين بقى المحامي كالوتشا يعاني من الضائقة المالية باستمرار. كان كالوتشا في أواخر الخمسين من العمر، أسود وطويل القامة بعظام قوية وجسد متين ولكن ببشرة لامعة أيضاً.
-نعم لقد كبرنا جميعاً يا صديقي فاري.. ومن الطبيعي أنك مندهش من اختلاف شكلي منذ آخر عهد لنا..
-بعد الجامعة..
-بعد آخر يوم لنا في المعتقل..
ثم لمعت عيناه وقال:
-الخائن بوبا.. هل تتذكره..
-بالتأكيد..
-لقد استقطبنا لحزبه اليساري وملأ أدمغتنا الفارغة بتلك الخرافات..
اختلج جسد فاري وهو يضحك:
-ثم تبين أنه جاسوس للحزب الحاكم..
-على أي حال هو لم يستفد شيئاً فبعد الإنقلاب لم يجد بداً من الهرب إلى أمريكا.. ولقد سمعت أنه عمل هناك في توصيل البيتزا لفترة طويلة..
واستمر جسد صديقه يهتز من الضحك وهو يقول:
-لقد صدقنا تلك الترهات في ذلك الزمان.. هل تتذكر المظاهرة التي خرجنا فيها ونحن نهتف بحياة العمال..أما أنت فقد رفعت راية كبيرة كتبتَ عليها (العقد شريعة الشياطين)..
-نعم.. لكن دعني أصدقك القول فبالرغم من اعتقالنا لكننا تمكنا من إحداث تغيير يذكر.. إلى حد ما طبعاً.. ونحن نستلهم ثورة العمال في بولندا في تظاهراتنا.. كانت عقود العمل غير عادلة.. هل تتذكر ذلك.. كان أصحاب مصانع الحلوى يمنحون العمال أجوراً من صناديق الحلوى.. وأصحاب مصانع البسكويت يمنحون العمال صناديق بسكويت كأجر.. وكذلك يتعاقدون مع العمال للعمل لما يقارب الست عشرة ساعة في اليوم.. وحين يرفع العمال دعاوى أمام القضاء كان هذا الأخير يقول لهم: العقد شريعة المتعاقدين.. ولكن ونتيجة لنضالاتنا -توقف ورفع رأسه بشموخ- خفف القانون من تلك النزعة الفردية لسلطان الإرادة في التعاقد لصالح العدالة.. لم يعد بالإمكان التعاقد على كل شيء تتفق عليه إرادة الإطراف بل أصبح القانون يرسم حدوداً لتلك الإرادة بحيث لا يستغل الطرف القوي ضعف الطرف الآخر..
-لا أريد العودة إلى القانون يا صديقي.. فبمجرد أن حصلت على الشهادة انخرطت في التجارة.. ولذلك زرتك اليوم في مكتبتك لأن لدي مشاكل قانونية.. تعرف أنني منذ تخرجي علقت الشهادة في الحائط ولم أنظر نحوها بعد ذلك..
بدا الأسى في عين كالوتشا:
-لقد كنتَ متعجلاً لكسب الرزق من أجل عيني نتاليا.. الفتاة التي أحبها الجميع بمن فيهم أنا..
شاركه فاري الأسى وقال:
-حقاً.. وفي النهاية تزوجت من شخص يكبرها في السن عشرين عاماً على الأقل..
-كان وزيراً.
-والعقد الذي كان بيننا؟
سأله كالوتشا بتعجب:
-عقد زواج؟
-عقد الحب..
رجع كالوتشا مريحا ظهره على كرسيه وقال:
-هذا مجرد التزام أخلاقي وليس قانوني..
-مجرد مجازٍ فقط..
-أدرك ذلك.. يذكرني مجازك هذا بفتي حضر إلى مكتبي قبل أسابيع.. كان فتى غريب الأطوار.. والأغرب من ذلك كان يرغب في إبرام عقد مع الشيطان..
وعاد جسد فاري للاختلاج حين ضحك:
-وهل صغته له؟
-بالتأكيد لم أفعل.. لكنه عاد قبل يومين وقال بأنه ورث ثروة من أمه وأنه سيدفع لي أتعابي إن قبلت كتابة العقد..
-حسنٌ.. أنت لا تحتاج للمال كي تخدعه..
-حتى لو كنت أحتاجه فلن أخدعه.. إن المسألة تتعلق بالضمير.. لقد دافعنا عن الضعفاء ضد جبروت الرأسمالية.. وأنت تتذكر ذلك.. صحيح أن الفكر اليساري أثبت فشله لكنه لم يخلُ من كل فائدة.. رغم أن العديد من الرفاق تطرفوا في معاداته بعد أن انقلبوا عليه..
-مثل مليك أليس كذلك؟
-مليك وغيره.. هل تتذكر ذلك الشاب الذي بتروا له سبابته..
ولم ينتظر جواب صديقه بل استمر في الحديث:
-لقد أصبح شيطاناً من شياطين الرأسمالية.. لم يعد حتى يرد السلام على أحد إن لم يتوقع منه مصلحة ما..
-أتذكره جيداً.. فلا أحد ينسى مشهد بتر سبابته.. لقد قذفت بنا الأقدار في اتجاهات مختلفة يا صديقي.. بعضنا ارتفع وبعضنا سقط.. بعضنا أصيب بالجنون مثل الرفيق آدم.. ولكن ها نحن اليوم بل الآن وفي هذه اللحظة يبدو فيها الماضي كله كحلم قديم.. إن الحديث مشوق ولكن دعني لا أضيع زمنك ولأدخل معك فوراً فيما جئت من أجله.
....

...(يتبع)