Post: #1
Title: الليبرالية ضد الليبرالية (ج١) كتبه أمل فايز
Author: أمل الكردفاني
Date: 12-17-2024, 09:02 PM
08:02 PM December, 17 2024 سودانيز اون لاين أمل الكردفاني-القاهرة-مصر مكتبتى رابط مختصر
هناك صراع دائر اليوم بين الليبراليين، ولكنه صراع لا علاقة له بالليبرالية، هو مزيج من التوجهات القانونية والنقدية في منقطة موحلة جداً ورمادية جداً حيث تصل الليبرالية لذروة صدامها مع ذاتها بسبب نسبية الأخلاق، إذ خرجت الليبرالية من منطقة المال (دعه يعمل، دعه يمر) أو مبدأ عدم التدخل Laissez-faire باعتبار السوق انعكاساً للنظام الطبيعي للحرية، إلى منطقة (الحرية الفردية) كحرية الجسد والتعبير. وهنا حصل الارتباك وعدم التوازن، موقف المحافظين (روسيا، ترامب آيلون ماسك، الصين) الأقرب إلى الفيزوقراطية القديمة لم يقل ارتباكاً عن موقف الليبرالية التي تضع الاعتبار الأول للحرية غير الاقتصادية. هنا يبدو الصراع مخيفاً، إذ أن كليهما يدور حول نفسه في نقطة ارتكاز ثابتة، كنوع من تحجيم تمدد الآيدولوجيا إلى مناطق بعيدة كل البعد عن العلة الأولى للتنظير لها باعتبارها أداة صراع البرجوازية ضد الأرستقراطية البائدة. يقول ترامب منتقداً خصومه لماذا نحاول تحرير المرأة من ارتداء الحجاب إذا كانت ترغب في ذلك، لماذا نتحدث عن تحرير شعوب إذا لم يكونوا يرغبون في تحريرهم؟ وهكذا فإن ترامب يصادر النزعة الإمبريالية للآيدولوجيا التي بدأت في فرنسا من قبل البرجوازية المنتصرة والتي جعلت من ثقافتها معياراً للتحضر والأخلاق (الأخلاق الغربية). ترامب ينظر إلى الليبرالية من زاوية اقتصادية كجوهر، وغرماؤه يتجاهلون ذلك متمسكين بالنزعة الفرنسية الاستعلائية القديمة. لا يريد (تغريب) العالم، أي لا يريد أن يفرض الثقافة الغربية، بل الليبرالية كحرية اقتصادية تخدم الطبقة البرجوازية كأقلية مسيطرة على ثروات الأمم فقط وتحافظ على هذه السيطرة وتنميها. في المقابل؛ تظل فرنسا -وهي تجر معها ألمانيا وسائر أوروبا- إلى فكرة فرض الثقافة الغربية المعاصرة، وأقول معاصرة لأنها مرت بتبدلات عديدة منذ جون استيوارت ميل فأضحت غريبة عن ماضيها وأصلها وهي تهتم بالمثلية والنسوية والتنوع..الخ. هناك إذاً صراع ليبرالي ليبرالي، ليبرالية إمبريالية تدخلية وليبرالية كلاسيكية أداتية ولا تدخلية. لذلك فالمتوقع بالنسبة لي أن أوروبا المُسيطر عليها من قبل الليبرالية الإمبريالية في طريقها للتعرض لهزيمة كبرى، وربما تبلغ حد التفكك، وإعادة التشكيل، وليس بعيداً أن تظهر الفاشية والأنظمة العسكرية فيها من جديد وخاصة في ألمانيا التي فقدت مجدها القديم. وكذلك في إيطاليا التي انتصر فيها اليمين المتطرف فتقلدت جورجا ملوني رئاسة وزراء إيطاليا، مع النزعات الأخرى في المناطق المتحدثة بالإسبانية والبرتغالية في أمريكا اللاتينية. إنه صراع غريب جداً، ولذلك فالشعوب -بشكل عام- لا تفهمه ولا يمكنها توقع نتائجه. وربما قد لا يصدق البعض أن أولى ضحاياه هي إسرائيل. المسألة أخطر مما يتوقع البعض، فالصراع الليبرالي الليبرالي أقل وضوحاً من الصراعات القديمة كالصراع البرجوازي الأرستقراطي، أو الصراع الرأسمالي الشيوعي، إذ أن هناك إجماعاً على نقطة واحدة وهي (أهمية المال). ولكن الاختلاف حول دور الأخلاق. وحيث أن الأخلاق نسبية ولا يمكن حسمها، وحيث أنها تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى زمان، ومن مجتمعات إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل حتى داخل المجتمع الواحد لذلك يجب استبعادها كسلاح في الصراع، إذ أن الإبقاء عليها أدى إلى تحجيم تطور القوى الرأسمالية، بل أدى بدوره إلى سلوكيات لا أخلاقية ومعادية للعولمة الاقتصادية. لا حاجة إلى تحرير شعوب لا ترى نفسها مستعبدة ولا إلى إجبار فتاة على خلع الحجاب إذا كان هذا اختيارها، وهنا أتوقع بأن تشذيباً واسعاً للقانون سيحدث في الحقبة القادمة، بدءً من إلغاء تجريم (عدم ربط حزام مقعد السيارة، ومحاولة الانتحار) وانتهاءً بإلغاء تجريم غسيل الأموال وعرقلة عمليات البنوك وإلغاء أوامر الثروة غير المبررة Unexplained Wealth Order (UWO) ومعايير الطاقة الخضراء وخرافة قوانين تحجيم الاحتباس الحراري..الخ. فالعالم لا يرغب في إيقاف تدفقه الاقتصادي لأسباب هامشية هي في حد ذاتها عدوان من الليبرالية على الحرية.
أمل فايز
|
|