خلال اجازاتي لإنجلترا قبل سنوات كنت احرص لاكون حضورا لمهرجان " نوتينغ هيل " الشهير بغرب مدينة لندن كأكبر مهرجان شوارع في اوربا يحضره ما لا يقل عن مليون شخص ويعتبر يوما عائليا بامتياز تتخلله زخات المطر المنعشة وتحرص صديقتي مدام توني زوجة ابن شقيقتي عامر علي قراءة الخارطة الجوية ليحمل صغاري المظلات الملونة بفرح طفولي وما زلت احتفظ بلوحة للباص ١٢ الذي نصل به لتلك إلاجواء الاحتفائية .
المهرجان يقام وسط حراسة شرطية بما لا يقل عددا عن الحضور وبما يجسم " البرود الإنجليزي " في أدق تفاصيله .. رغم ان بعض المشاركين بالكرنفال يخالفون المعتاد وربما تقفز امراة لاحتضان شرطي في كامل هيبته فلا يخرج عن طوره ولا يزجرها و لا يمسح حتى ما علق علي خديه وبدلته العسكرية من أحمر الشفاه .
الأسبوع الماضي مدينة الضباب كانت مختلفة حيث حط وفد سعادة حمدوك رئيس الوزراء السوداني الأسبق والتقي بشخصيات بارزة كرئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطاني إيميلي ثورنبيري. و نائب رئيس مجلس اللوردات ووزير أفريقيا في الحكومة البريطانية اللورد راي كولينز ، فاذا الفيديوهات تتدفق بالميديا والفضائيات وبهتافات صاخبة وتدافع بالمناكب ولافتات ترفرف بايادي جموع " الزولات " في ظاهرة كادت تخلخل " البرود الإنجليزي " هل هؤلاء هجين خرطوم اللات الثلاثة أم مواليد مدينة الضباب .. ام هم الذين هاجروا لتلقي العلم وفرص العمل ام نزحوا عبر البحار والمحيطات الباردة لاجل الغد الأخضر .. ام هم عاقدين العزم لاستعمار بريطانيا التي احتلت بلاد السودان ردحا من الازمنة ..
هل الزولات بهتافاتهم التي أفرغوها علي كوكبة حمدوك حتى حار العسكر الإنجليز هل يخرجونه بالابواب الخلفية أم تفريغ هذه الجموع المتزمجرة بالغازات المسيلة للدموع و التي أفرغت الهواء الساخن حد الانفجار بهتافات تشابه " تسقط تسقط بس " .. لا … لا …
ليس هذا هو المهم ولكن السؤال الجوهري هو كيف وصلت كل تلك الاعداد لعاصمة الضباب ولماذا أصلا هجرت الاخضر واليابس .. لتعيش في بلاد تموت من البرد حيتانها .. الي متى يا ترى تظل بلادنا طاردة لأبنائها ام هي هجرة عكسية كخطة لاستعمار بلاد جسمت علي صدر بلادنا ردحا من الزمان رغم ان علم السودان يرفرف منذ انجلت عنه اعوامًا عديدة تقارب الستون عاما او يزيد من الاستعمار الإنجليزي هل لان غالبية الشباب ما زال يردح تحت الفقر والجهل لان الحكومات المتعاقبة لم تستطع ان تحقق النماء والاستقرار والتداول السلمي للسلطة .. ام يا تري بفعل حميدتي ورفاقه اللذين جاؤوا من الشتات لتوطين الديمقراطية الكذوب والتي فرخت صراخا وضجيجا تمدد وطغى بل كاد يشعل البرود الإنجليزي ..
تقول منظمة الصحة العالمية عن مقتل اكثر من ٢٠ الف شخص وتتحدث منظمة الهجرة الدولية عن نزوح اكثر من ربع السكان محليا او لدول الجوار .. وبرغم هذا وذاك فلن يكون حل هذه الأزمة إلا سودانيا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة