النهضة لا تقوم خبط عشواء ، بل بجهود رجال و نساء الأمة المخلصين ، و يمثل وضوح الرؤية لحال الأمة بعد النهضة هو الحافز الذي يحدو الكل تجاه العمل و النشاط ، و الرؤية لا تتضح أيضاً إلا بوضوح الأهداف أو الغايات .. مع أن تجربة الإسلاميين في السودان إدبان نظام الإنقاذ شابها الكثير من الظلم و القهر حتى شانتها ، إلاّ أنها كانت تحمل فيما تحمل أهداف و غايات واضحة لمن تابع مسيرة حكوماتها المتعاقبة ، فقد وضعت الإنقاذ مسألة إستخراج النفط كهدف ، و إستطاعت إنجازه ، و الإعتماد على التصنيع العسكري في الداخل كهدف و قطعت فيه شوطا كبيرا ، و نشر الدين الاسلامي في الداخل والخارج كهدف ، و قطعت فيه شوطا كبيرا ، فهذه الأهداف و الغايات الواضحة كانت تصب في الرؤية المستقبلية للأمة السودانية لو لم ترد نظام الإنقاذ عن الظلم و المحاباة التي تورطت فيها ، فأثارت حفيظة الشعب السوداني فأزالته بثورة شعبية.. و الرؤية للحكم ضرورة ملحة في السلم و الحرب ، لأنها الركن الذي يرتكز عليها سياسات الحكومة ، فحكومة بدون رؤية ، كطبيب بدون ذخيرة علمية ، يعالج كيفما إتفق ، فما هي الأهداف المناسبة للحكومة السودانية الحالية لبناء سياساتها في فترة الحرب الحالية ؟ في إعتقادي يجب أن يكون الهدف الأول هو القضاء على نظام المليشيات و خاصة في دارفور و شمال كردفان ؛ و الهدف الثاني: إرجاع السكان الأصليين الذين تم تهجيرهم قسراً بواسطة المليشيات خلال العقود الثلاثة الماضية إلي أماكنهم و حواكيرهم الأصلية إذ لا فائدة للحرب إذا لم تسترد الحكومة مناطق سكان دارفور المسلوبة ، فهذه أقوى عربون صداقة تقدمها حكومة الحرب لسكان دارفور الأصليين ، و الهدف الثالث من هذه الحرب معالجة السياسات السالبة ؛ و هي كثيرة ، تشمل : إحتضان المليشيات و إنشائها و رعايتها ، و تشمل ، إنشاء معسكرات الجيش بالقرب من المدن المكتظة بالسكان ، فلا بد من إخراج المعسكرات لمساحات جديدة و إستراتيجية بعيدة عن سكنى المواطن و السودان بلد واسع ، و الهدف الرابع: إنسحاب الجيش من المعترك السياسي نهائياً ، لأن من أهم أسباب الحرب الحالية ، إحتراف الجيش مهنة السياسة على حساب مهنته الأساسية ، فصارت المؤسسة العسكرية مشغولة بالعمل العام أكثر من عمله الاصلي ، بل وكل جزء من عمله الاصلي لمليشيا الدعم السريع ألا وهي مهمة سلاح المشاة ، فكانت مليشيا الدعم السريع هي سلاح المشاة للمؤسسة العسكرية طوال العقدين الماضيين ، مما ساهم في ضعف المؤسسة العسكرية في هذا الجانب ، و ظهر الضعف جليا في سير المعارك في بداية الحرب ، فكانت المليشيا تحرز في الانتصارات في معظم المحاور ، إلى أن دخل المستنفرين و من بعدهم القوات المشتركة في المعركة ، و بعدها إستعادت المؤسسة العسكرية زمام المبادرة ، فيجب أن يستجيب قادة الجيش لمطلب الشعب في نهاية الحرب بأن يعودوا لدورهم الأصيل و الشرعي دستوريا و دولياً في حماية الدستور و الحدود ، و يتركوا الأحزاب يتمرسوا في الحقل السياسي ، و في النهاية ، ستظهر أحزاب مؤهلة لملء الفراغ السياسي في البلاد .. من فوائد وضوح الرؤية أن تدخل الأطراف الإقليمية يكون مفيدا في حالة وضوح الرؤية السياسية ، فإستمرار أمد الحرب لزمن طويل لا يخدم مصلحة دول الجوار ، و بالتحديد : مصر و جنوب السودان و تشاد ، فهذه الدول تستضيف الجزء الأكبر من المواطنين السودانيين ، فهم ضررهم مباشر من إستمرار الصراع لأمد بعيد ، و لكن الإتحاد الإفريقي ممثل في مجلس الامن و السلم الإفريقي ، لا يقدر المسألة التقدير المطلوب ، فلو كان مدركاً لهذه المخاطر ، لكان قد أكمل تنسيقه مع الأسرة الدولية ، على أن تمول هذه الأطراف عملية عسكرية محدودة ، يكون مسرحها دارفور من أجل تنظيفها من المليشيات و إرجاع السكان الأصليين إلى أماكنهم ، و نسبة لكون الجيش المصري الافضل من ناحية التسليح ، فيمكن أن يكون هو المرشح الأوفر حظا لمساعدة الجيش السوداني و القوات المشتركة السودانية و المستنفرين لتنظيف دارفور من المليشيات في زمن قياسي و إرجاع السكان الأصليين إلى أماكنهم في أقرب وقت و كسر شوكة المليشيات فيها بصورة كبيرة ، من أجل إرجاع دارفور لحظيرة الإنتاج و ماكنة مهمة من ماكنات الإقتصاد الوطني ، و من أجل قفل باب الصراع ، ينبغي أن تواصل حكومة الحرب الحالية في السودان إلى أن تضع الحرب أوزارها بتحقيق هذه الأهداف الأربعة التي يمكنها أن تؤسس بصورة جلية لسودان ما بعد الحرب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة