Post: #1
Title: نبكيك دماً قبل الدموع ! كتبه زهير السراج
Author: زهير السراج
Date: 10-17-2024, 02:35 AM
02:35 AM October, 16 2024 سودانيز اون لاين زهير السراج -Canada مكتبتى رابط مختصر
9مناظير الخميس 17 اكتوبر، 2024
[email protected]
* فقدتُ امس احد اعز واجمل الاصدقاء واوفاهم واكثرهم نبلاً وشهامةً واخلاصاً وادباً وتهذيباً واستعداداً دائماً للمساعدة حتى لو كان مريضا او مرهقا او مشغولا بدون ان يجعلك تشعر انه مريض او مرهق او مشغول.
* لا يمكن ان تنظر اليه بدون ان تلفت نظرك ابتسامته المشرقة ومحياه الجميل، ولا يمكن ان تستمع اليه بدون ان تسحرك نبرات صوته الهادئة وعباراته الموزونة وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح كتبه اذكى الادباء عقلاً وابرعهم عبارةً واصدقهم حديثاً وأجزلهم اسلوباً، وأرقهم احاسيساً ومشاعر.
*عاشرتُه منذ سنوات الدراسة الجامعية فلم اسمع ولم ار منه في يوم من الايام الا الخير لكل الناس وعن كل الناس، ولم اسمع شخصا يتحدث عنه إلا بكل خير .
* كان ارق من النسيم واقوى من الصخر، واعف من الملاك. عاش نبيلا يحبه ويأتمنه ويثق فيه الجميع. رحل عنا والارض والسماء والشمس والقمر والنجوم والمطر والرعد والبرق والصخور والمخلوقات وكل الدنيا تبكي عليه، وقلوبهم وألسنتهم تدعو له، والملائكة تبتسم وترحب به وتفتح له اوسع الابواب في اعلى جنات الرضوان. يا لبؤس الدنيا بفراقك ويا لسعادة الآخرة بقدومك يا (قَدُورَّة).
* رحل العفيف النظيف الشفيف الطاهر الدكتور (عبد القادر محمد آدم مصري)، الذي أبكى رحيله كل مَن عرفه او سمع به، وفقده الجميع.
* فقدته مدينة (المجلد) بولاية غرب كردفان، مسقط رأسه ومهد طفولته ومرتع صباه ومنبع كرمه واصل كرامته واساس شهامته ونبله وسمو صفاته، ولقد بادلها الفقيد الكبير نبلاً بنبل وكرماً بكرم وشهامةً بشهامة وفروسيةً بفروسية، وظل طيلة عمله وإقامته في دولة قطر وإلى أن رحل، مصدر الخير الذي لا ينضب لاهلها وتلاميذها ومرضاها بإعمار مدارسها ومستشفياتها، وتوفير كل ما تحتاج إليه مع نفر كريم من أبنائها وبناتها في قطر.
* فقدته مدينة (كادوقلي) ومدينة (كلوقي) وقرى وبوادي ولاية جنوب كردفان التي عمل فيها طبيبا بيطريا لا تفتر له همة ولا يصيبه كلل في تقديم العون لاهلها وكل ما يحتاجون إليه لرعاية ثروتهم الحيوانية رغم ظروف الحرب الاهلية الصعبة والخطر الدائم الذي يواجهه الذين يعيشون فيها، وعندما تركها للدراسة بعد سنوات لنيل درجة الماجستير في الطب البيطري بجامعة الخرطوم، ودعه أهلها بدموع تنهمر كالسيول.
* فقده الوطن الغالي الجريح المثخن بالجراح والأحزان الذي رفع رأسه عاليا في كل مكان عمل وعاش فيه وعاشر أهله.
* فقدته دولة (قطر) الشقيقة وشعبها الجميل وميادين الفروسية والهجن التي قدم لها عصارة علمه وعبقريته وإنسانيته، وكان له القدح الأعلى في إقتراح وتصميم وتنفيذ إستخدام (الربوت) ــ الإنسان الآلي ــ بديلا لاطفال الهجن في ميادين السبق، وهى الفكرة التي انتقلت من الدوحة لكل انحاء الخليج والعالم وإسمه الجميل وإسم وطنه مقترنا بها.
* أذكر أنني زرتُ (الدوحة الجميلة) قبل سنوات طويلة وكنتُ معه في سيارته لاداء بعض المهام في رفقة أصدقاء العمر (أستاذنا الدكتور يسن أحمد النعيم والدكتور مجدي المرضي، والعالم الفلكي الدكتور أنور أحمد عثمان)، وفوجئنا بكل من يراه من السكان يبتسم في وجهه ويصيح (يا دكتور)، وكأنه عمدة المدينة التي تحولت برحيله امس الى سرادق عزاء كبير، وبكته بالدم قبل الدموع، وخرج الآلاف لوداعه الاخير.
* وداعا أيها الصديق العزيز والانسان الجميل والملاك الطاهر .. كنتُ تواقا ومشتاقا للقائك بعد سنوات طويلة من الفراق، ولكن شاءت إرادة المولى غير ذلك، ونلتقي إن شاء الله في رحاب رب كريم.
* ارقد بسلام يا صديق العمر الجميل، وربنا يلهمنا وأسرتك واولادك واهلك وأصدقاءك ومحبيك والمجلد وكادوقلي والسودان والدوحة وقطر والبيطرة والهجن والخيل، الصبر على فراقك الأليم. إنا لله وإنا إليه راجعون.
|
|