هذه اللحظة العصيبة من تاريخ السودان، يتجلى الصراع ليس فقط في ساحات المعارك ولكن أيضًا في استغلال قذر باسم الدين والقيم الأخلاقية التي يتمسك بها شعبنا. الحرب التي أشعلتها مجموعة من العصابات العسكرية لم تكن من أجل الوطن، بل كانت نتيجة لصراع تافه على السلطة، في حين أن الشعب السوداني هو من دفع الثمن الفادح من دمائه وأمواله وثرواته. الشعب السوداني هو من دفع ثمن السلاح الذي يتقاتلون به اليوم. هو من موّل المنشآت المدنية والعسكرية التي تحطمت تحت القذائف. الشعب نفسه الذي يعاني من الجوع والفقر يُطلب منه أن يمول الطلعات الجوية التي تقتل الأبرياء. ومع ذلك، يظل هو أيضًا من سيسدد الديون التي تُستخدم اليوم لشراء السلاح لإطالة أمد الحرب. لقد دُمرت مدننا، وتلوثت مياهنا وهواؤنا، وامتلأت بلادنا بالدمار والخراب. لكن الأسوأ من ذلك هو أن ثرواتنا، سواء في باطن الأرض أو ظاهرها، تُباع لأطراف أجنبية من أجل تغذية آلة الحرب. لقد خسرنا الكثير، لكن خسارتنا الأكبر ستكون إن لم نُدرك أن هذه الحرب لم تكن إلا استغلالًا سافرًا لضعفنا من قبل خونة استغلوا الدين والشعارات الوطنية لتبرير جرائمهم. اليوم، يحاول هؤلاء المجرمون الذين دمروا البلاد وتركوا الشعب يعاني أن يقدموا أنفسهم كأبطال بعد أن تتوقف الحرب. ولكن الحقيقة التي يجب أن نتمسك بها هي أن هؤلاء ليسوا أبطالاً. لقد كانت الفرصة لبناء السلام وتعزيز الوحدة الوطنية دائمًا في أيدينا، ولكنهم اختاروا الحرب من أجل مصالحهم الخاصة. لا يجب أن نسمح لمن أشعلوا الحرب ودمّروا الوطن أن يتوّجوا أبطالاً. العودة إلى البيوت المدمرة ليست انتصارًا. السلام الذي سيأتي، سواء بضغوط دولية أو بعد تعب المتقاتلين، لا يمكن أن يكون تبريرًا لتمجيد من تسببوا في سفك الدماء. السلام كان متاحًا قبل أن تُشعل الحرب، وكان بإمكاننا تجنب هذه الكارثة. على الشعب السوداني أن يستخلص من هذه التجربة القاسية وعيًا سياسيًا عميقًا. الوعي هو انتصارنا الحقيقي، الوعي بأن هذه الحرب لم تكن دفاعًا عن السودان، بل كانت سرقة لكرامة هذا الشعب. يجب أن نرفض كل محاولات التضليل، وأن نقف ضد الأصوات التي تحاول تزييف الحقيقة وتصوير المجرمين كأبطال. اليوم، نحن على أعتاب مرحلة جديدة من الوعي الوطني. عهدٌ ينطلق من فهم أن ما حدث كان نتيجة خيانة من عصابة استغلت الدين والأخلاق والشعارات الوطنية. نحتاج إلى توحيد صفوفنا والعمل معًا لبناء سودان جديد، حيث لا مكان للخونة ولا للطغاة. المكسب الوحيد الذي يجب أن نحرص عليه هو الوعي السياسي، ورفض كل محاولات التضليل التي تسعى لتجريد الشعب من هذا الوعي. علينا أن نقف بوجه كل من يطالبنا بمكافأة المجرمين وتتويجهم أبطالًا، فالانتصار الحقيقي يكمن في إرادتنا لإعادة بناء وطننا على أسس العدل والكرامة.
عهد الوعي قد بدأ. وهو عهد انتصار أهل السودان على الاستغلال والخيانة، وعهد التوجه نحو بناء مستقبل خالٍ من الحروب والصراعات. الوعي هو انتصارنا الأكبر، وهو الذي سيوجهنا نحو السودان الذي نحلم به جميعًا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة