حميدتي: نحن ذاتو عندنا شارع (2-2) كتبه عبد الله علي إبراهيم

حميدتي: نحن ذاتو عندنا شارع (2-2) كتبه عبد الله علي إبراهيم


10-07-2024, 03:51 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1728269495&rn=0


Post: #1
Title: حميدتي: نحن ذاتو عندنا شارع (2-2) كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 10-07-2024, 03:51 AM

03:51 AM October, 06 2024

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر









عرضنا في الحلقة الأولى من هذه الكلمة لمقال نشره سلمان محمد سلمان خبير المياه السابق بالبنك الدولي رئيس مجلس جامعة الخرطوم السابق على الوسائط أخيراً ملخصاً وافياً لكتابه "الدعم السريع: النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل 2023"، وأراد من المقال بيان لماذا كانت لقوات "الدعم السريع" هذه المتانة العسكرية التي تجلت في الحرب القائمة. ومد أصبع الاتهام للفريق أول البرهان كونه المسؤول الأول والأساس عن توسع هذه القوات وتمددها. وبينما أحسن المقال في تبيان دور البرهان المركزي في تمكين "الدعم السريع"، إلا أنه انشغل بتذنيبه انشغالاً حال دونه واستثمار سرديته حسنة التوثيق لفهم أفضل للحرب.
تركيز على جانب واحد

ولو لم ينشغل سلمان بإدانة البرهان لتفريطه السياسي والمهني حتى أخرج هذا الوحش الذي يصارعه ليومنا لكان نصه الأوفر حظاً في إلقاء الضوء على دور "الدعم السريع" في الحرب من فوق وقائع ثابتة لا لغواً بالتراشق.

فلم يكن بذل البرهان "الدعم السريع" اعتباطياً. فكان اجتمع مع حميدتي في حلف بعد انقلابهما على الرئيس المخلوع عمر حسن البشير خلال الـ11 من أبريل 2019 في ما يعرف بـ"انقلاب الفيتو"، وهو ما تضطر له دوائر في النظام القديم بعد أن تغلب حيلة في لجم الثورة والقضاء عليها. فيخرج العسكريون مكرهين على النظام القديم باسم الانحياز للثورة يتربصون بها لتجميدها عند حد معلوم، أو القضاء عليها. وكانت تلك الأدوار في العمل ضد الثورة ما بوسع "الدعم السريع" القيام بها جزافاً من دون الجيش. وما يوم "الدعم السريع" في فض اعتصام الثوار عند القيادة العامة للجيش بالخرطوم أثناء ليلة وقفة عيد الفطر خلال الثالث من يونيو (حزيران) 2019 بسر. فاستباح "الدعم السريع" المعتصمين بعد ساعات من سحب المجلس العسكري الانتقالي قوات الجيش من حراسة بوابات القيادة العامة. وقال من شهد انتهاكات "الدعم السريع" في دارفور خلال العقد الأول من القرن في تحقيق عن فض الاعتصام صدر عن رابطة المحامين والقانونيين السودانيين، إن بصمتهم في الترويع داخل دارفور هي نفس ما شهده في ساحة الاعتصام، يهاجمون القرى بإطلاق النار، فالقتل والاغتصاب ونهب الممتلكات وحرق الدور.

هدم الثورة

أما أكبر مساهمة لـ"الدعم السريع" في هدم الثورة فكانت في الميدان السياسي. فكان حميدتي طليقاً غير مقيد كالعسكريين من هذه الجهة. فأدار أكبر الحملات في وجه الثورة وجيش فيها زعامات الإدارة الأهلية القبلية وشعبها. فجمعهم أول مرة في معرض الخرطوم الدولي، يوم غادر المجلس العسكري الانتقالي طاولة التفاوض مع "قوى الحرية والتغيير" (قحت) خلال مايو 2019 مستنكراً سقف مطالبها المرتفع. ولما رأى عزة "قحت" بغزارتها بالشارع تفرغ لحشد الناس حول المجلس العسكري الانتقالي ليريها "أنو ذاتنا عندنا شارع" كما قال. ولما دعت "قحت" للعصيان المدني لتعزيز موقفها في التفاوض مع المجلس العسكري هدد حميدتي من موقعه كنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي كل مضرب بالفصل من الخدمة. وكان حميدتي "دينمو" الاعتصام أمام القصر الجمهوري خلال منتصف أكتوبر 2021 الذي اشتهر باسم "اعتصام الموز" عند عداته. وهكذا نجح أخيراً في امتلاك الشارع الذي سهر على تأليفه منذ قيام الثورة، وبشرعية ذلك الشارع قام العسكريون في الجيش و"الدعم السريع" بانقلابهم على الحكومة الانتقالية خلال الـ25 من أكتوبر 2021، وكان الانقلاب المسمار الأخير في نعش الثورة.

لم يكن البرهان يمطر تلك الهبات على حميدتي سهواً أو اعتباطاً. كان يدفع بعطاياه لو شئت ثمن تلك الخدمات لمشروع القضاء على الثورة، ولم يكن حميدتي يتقبلها كإحسان، بل كدين مستحق له وكانت استقلالية قواته نصب عينه.

ولم يتصالح حميدتي مطلقاً مع فكرة دمج قواته في القوات المسلحة. ولم يسهر على تأمين استقلال قواته دستورياً فحسب، بل لم يكف عن عرضها كجيش ثان. فمن جهة القانون قال سلمان إنه عارض فكرة تبعية قواته للجيش حتى على عهد "حكومة الإنقاذ". فقال إنه ظل طوال شهر يراجع مع قادة النظام مادة التبعية للجيش بقوة. وبدا أن قانون "الدعم السريع" لعام 2017 اعتبر معارضة حميدتي تلك فجعل قيادة قواته بيد رئيس الجمهورية لا قائد القوات المسلحة، ورهن دمجه في الجيش بقرار من رئيس الجمهورية لا أية جهة أخرى في الدولة. واستكمل حميدتي استقلاله عن الجيش بتعديل قانونه خلال أغسطس (آب) 2019 كما تقدم.

ومن جهة أخرى، لا يعرف المرء عدد المرات التي قال فيها حميدتي صراحة إنه لن يخضع للدمج في القوات المسلحة، فعقيدته الراسخة هي أن "الدعم السريع" جاء ليبقى. فخلص في حديث له في تأبين أحد العسكريين عام 2021 إلى أن كلام دمج "الدعم" في الجيش بلا طائل لأن الدعم قام بقانون صادر عن برلمان منتخب، وعليه فهو ليس كتيبة أو سرية تدمجها في الجيش متى شئت. وكان الإعلامي الطاهر حسن التوم سأله عام 2018 أي بعد عام من إجازة قانون "الدعم السريع":

الطاهر: ما مصير "الدعم السريع" بعد انتهاء مهمتها هل تكون جزءاً من الجيش؟

حميدتي: يكون وضعها قوات دعم سريع تتدرب وتتأهل، وهي قوات الآن.

الطاهر: يعني تظل موجودة؟

حميدتي: يعني انتهت المهمة يشيلوها يجدعوها، واللا كيف؟

الطاهر: تنضم إلى الجيش.

حميدتي: هي جيش.

الطاهر: تدمج.

حميدتي: هي ليست ميليشيات كي تدمج، هي أصلها قوات.

وبعد أن وقفنا على عزائم حميدتي أن يظل جيشاً ثانياً صح أن نسأل إن لم يكن الاتفاق الإطاري (الخامس من ديسمبر 2023) الذي دعا إلى دمج "الدعم السريع" في الجيش خطة خرقاء اتفقت لـ"قحت" في حين أن هذا الدمج ما قاومه حميدتي بغير هوادة؟ تزهو "قحت" بعد الحرب بأنها كادت بالاتفاق الإطاري توفق في خلق جيش مهني وطني واحد لولا عداوة الإسلاميين حتى أشعلوا الحرب لكي يعودوا إلى الحكم وجروا الجيش معهم في هذا الطريق الدموي. ولو أدركت "قحت" مقاومة حميدتي الطويلة للحفاظ على استقلالية قواته مما جاء كثيراً في سردية سليمان لربما توقفوا عن دفعه في طريق الدمج جزافاً، فكثيراً ما قال حميدتي عن الثوريين أنفسهم إنهم "يسنون سكينهم" لذبحهم وأنه لن يسكت على ذلك. لقد قبل بالتوقيع على الاتفاق الإطاري مكاء وتصدية وما في القلب في القلب. وحين سئل عن المدة التي سيستغرقها ذلك الدمج قال "20 سنة". وهذا كلام زول قنعان كما نقول. "ما بتبايع"

وهل كسب حميدتي استقلال قواته من الحرب؟

نعم، فإذا طالعت الوثيقة التي وقعها مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في أديس أبابا (يناير 2024) ستجدها خلت من دمج قواته في الجيش. وخلافاً لذلك، دعا عهد أديس أبابا لقيام جيش مهني وطني تنحل فيه القوات المسلحة و"الدعم السريع" والحركات المسلحة. وعليَّ وعلى أعدائي.

جاء سلمان بسردية حسنة التوثيق عن منشأ "الدعم السريع" مما كنا انتفعنا منها في تحليل محيط للحرب ودوره فيها، ولكنه اختار لها أن تكون عريضة اتهام بوجه البرهان. وهكذا تسرب من بين أيدينا مورد معرفي كنا امتلكنا به ناصية مهمة من الحرب.