الديمقراطية التوافقية نموذج لإدارة التنوع والاختلاف كتبه عبدالغفار جمعة ادم

الديمقراطية التوافقية نموذج لإدارة التنوع والاختلاف كتبه عبدالغفار جمعة ادم


08-30-2024, 06:51 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1725040281&rn=0


Post: #1
Title: الديمقراطية التوافقية نموذج لإدارة التنوع والاختلاف كتبه عبدالغفار جمعة ادم
Author: عبدالغفار جمعة ادم
Date: 08-30-2024, 06:51 PM

06:51 PM August, 30 2024

سودانيز اون لاين
عبدالغفار جمعة ادم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





في دول المعقدة التي تتميز بتعدد الثقافات تعتبر الديمقراطية التوافقية نموذجًا مهمًا لإدارة التنوع والاختلافات داخل المجتمعات . يهدف هذا النموذج إلى تحقيق استقرار سياسي واجتماعي من خلال تمكين المجموعات المختلفة داخل الدولة من المشاركة الفاعلة في صنع القرار مع احترام خصوصيات كل مجموعة . تنبع أهمية الديمقراطية التوافقية من قدرتها على توفير آلية لحل النزاعات السياسية والاجتماعية بشكل سلمي ومنظم ، خاصةً في الدول التي تعاني من انقسامات عرقية أو دينية أو لغوية . قال عالم السياسة الأمريكي هاري اكشتاين " ترتبط الانقسامات السياسية ارتباطاً وثيقاً بخطوط التباينات الاجتماعية القائمة موضوعياً ، ولا سيما تلك البارزة في مجتمع معين " والانقسامات القطاعية يمكن ان تكون ذات طبيعة دينية ، ايديولوجية ، لغوية ، إقليمية ، عرقية او إثنية .
الفرق بين الديمقراطية والديمقراطية التوافقية انه فكرة الديمقراطية تقوم سواء في سياق تحققها التاريخي او في الخلاصات الفكرية لها علي حكم الأكثرية او الأغلبية ( الفائز باكبر عدد من الأصوات ) هذه هي الفكرة الأساسية رغم تعدد التعريفات والنظريات حولها .
فقد ولدت الديمقراطية الأكثرية وترسخت في بلدان متجانسة قوميا ، وهو تجانس لا يقسم المجتمع الي اقليات او أكثريات دينية ، إثنية او ثقافية ، لكن التجانس القومي لم يكن القاعدة الشاملة في كل دول العالم لذلك حاول القادة السياسيون الي ايجاد حل لهذه المعضلة في اتجاهين :
الأول هو استخدام الفيدرالية لضمان حقوق الأقليات مثل الفيدرالية الأمريكية والألمانية .
الثاني فهو التجربة التوافقية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية اعترافاً بقصور النظام الديمقراطي الأكثري المألوف في الدول التي تتسم بالتعدد العرقي ، اللغوي والديني …
فالتجانس الاجتماعي والسياسي يعتبران عاملان مهمان في استقرار الديمقراطية وبالعكس فان الانقسامات الاجتماعية العميقة والاختلافات السياسية داخل المجتمعات التعددية تودي الي عدم الاستقرار وانهيار الديمقراطية.
تعريف الديمقراطية التوافقية
الديمقراطية التوافقية هي شكل من أشكال الحكم يتميز بتقاسم السلطة بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية داخل الدولة وعلى عكس الديمقراطية التنافسية التي تعتمد على حكم الأغلبية ، تركز الديمقراطية التوافقية على تحقيق التوافق بين مختلف الأطراف لضمان تمثيل عادل للجميع . تتمثل الفكرة الأساسية في إشراك جميع المكونات المجتمعية في عملية صنع القرار ، بغض النظر عن حجمها أو قوتها السياسية.
خصائص الديمقراطية التوافقية
ان اهم ما يميز الديمقراطية التوافقية أنها جاءت بعد التجربة وليس قبلها ، حيث بدأت بسياسيات عملية أملتها الضرورة ودساتير متناسبة مع الحاجة والتجربة التاريخية والثقافية للدول التي تتداخل فيها القوميات .
وفقا لأرنت ليبهارت فان الديمقراطية التوافقية لها أربعة خصائص أساسية تضفي عليها سمات تمييزها عن غيرها من صور الديمقراطيات الاخري وهي :
1 - الحكومة الائتلافية
تتسم الديمقراطية التوافقية بوجود حكومات ائتلافية تجمع بين مختلف الأحزاب السياسية والمجموعات الاجتماعية . تهدف هذه الحكومات إلى ضمان مشاركة الجميع في السلطة وعدم احتكارها من قبل مجموعة واحدة.
2 - التمثيل النسبي
يعتمد هذا النموذج على نظام التمثيل النسبي لضمان تمثيل عادل لكل المجموعات داخل البرلمان. يتيح التمثيل النسبي للأقليات الحصول على مقاعد تتناسب مع حجمها السكاني ، مما يساهم في تحقيق توازن سياسي واجتماعي
3 - اللامركزية
تميل الديمقراطية التوافقية إلى تبني نظام لامركزي في الحكم ، حيث تُمنح الأقاليم أو المجتمعات المحلية قدراً كبيراً من الاستقلالية في إدارة شؤونها. يساهم هذا النهج في تعزيز الشعور بالمشاركة والمسؤولية بين مختلف المكونات.

4 - حق الفيتو المتبادل
يتضمن هذا النموذج أحيانًا آليات تسمح للمجموعات المختلفة باستخدام حق الفيتو لمنع القرارات التي قد تضر بمصالحها. يهدف هذا الحق إلى ضمان حماية حقوق الأقليات وعدم تعرضها للاضطهاد من قبل الأغلبية .
أمثلة على الديمقراطية التوافقية
هناك عدة دول وصلت الي الاستقرار السياسي عن طريق تطبيق الديمقراطية التوافقية مثل بلجيكا ، سويسرا ، هولندا ونمسا .ان الديمقراطية التوافقية وان لم تكن إلا مرحلة عابرة في تطور هذه البلدان الاوربية الأربعة ، فهي ليست مجرد ظاهرة تستحق الانتباه لاهميتها التاريخية فحسب . وتشكل هذه البلدان من خلال نجاحها في تكوين أنظمة حكم مستقرة في مجتمعات شديدة الانقسام .
فان كثير من البلدان غير الغربية مبتلاة بالمشكلة المزدوجة المتمثلة في الانقسامات الحادة المتنوعة الأشكال وعدم الاستقرار السياسي مثل السودان .
أهمية تطبيق الديمقراطية التوافقية قي السودان :
تواجه السودان منذ استقلالها تحديات سياسية كبيرة مرتبطة بإدارة التنوع العرقي والديني والثقافي داخل البلاد . هذه التحديات أثرت بشكل كبير على استقرار البلاد السياسي والاقتصادي ، وأدت إلى صراعات متعددة سواء كانت مسلحة أو سياسية ، وذلك نتيجة لعجز الأنظمة السياسية المتعاقبة عن تقديم نموذج حكم يستوعب جميع مكونات المجتمع السوداني بشكل عادل . في هذا السياق ، تبرز أهمية الديمقراطية التوافقية كنظام سياسي يمكن أن يساعد في معالجة هذه القضايا.

1 - إدارة التنوع
السودان بلد متعدد الثقافات والأعراق ، حيث يوجد تباين كبير في الهويات القومية والدينية والثقافية . النظام التوافقي يعترف بهذا التنوع ويحاول إدارته من خلال إعطاء كل مجموعة حقها في المشاركة السياسية مما يساهم في تقليل التوترات والنزاعات .

2 - تعزيز الاستقرار السياسي
التاريخ السياسي للسودان مليء بالانقلابات العسكرية والصراعات الداخلية . يمكن للديمقراطية التوافقية أن تساهم في تعزيز الاستقرار من خلال تقليل احتمالات التهميش السياسي أو الاقتصادي لأي مجموعة ، وبالتالي تقليل دوافع التمرد أو الانفصال .

3 - تقاسم السلطة
النظام التوافقي يتيح بتقاسم السلطة بين مختلف المجموعات السياسية والاجتماعية ، مما يعزز من شعور كل مجموعة بأنها جزء من النظام السياسي وأنها ليست مغيبة عن صنع القرار . هذا يسهم في بناء الثقة بين الحكومة والمكونات المختلفة للمجتمع .

4 – منع الاحتكار السياسي
يعاني السودان من ظاهرة احتكار السلطة من قبل مجموعات أو أحزاب معينة لفترات طويلة مما يؤدي إلى تهميش الآخرين فالديمقراطية التوافقية تمنع هذا الاحتكار من خلال توزيع السلطة بشكل يضمن عدم تغليب طرف على آخر .

5 - الحفاظ على الوحدة الوطنية
السودان شهد العديد من النزاعات الانفصالية والتي كانت أبرزها انفصال جنوب السودان في 2011 لكن تطبيق نظام ديمقراطي توافقي يمكن أن يساعد في الحفاظ على ما تبقى من الوحدة الوطنية من خلال تقديم نموذج حكم يحترم ويعترف بالتنوع .
لذلك تعتبر الديمقراطية التوافقية خيارًا مهمًا للسودان نظراً لتاريخه الحافل بالصراعات والتنوع العرقي والديني . هذا النموذج السياسي يمكن أن يسهم في بناء دولة مستقرة ومتقدمة ، حيث يتمتع الجميع بحقوق متساوية في صنع القرار والمشاركة في الحياة السياسية .
و نواصل …