لمح توم بيرييلو، المبعوث الخاص للولايات المتحدة للسودان، في كلمة مسجلة إلى أن الفلول هم من وراء امتناع القوات المسلحة عن الوفود إلى جنيف. وهذا منزلق إلى سوء ظن بالجيش، من جهة، ونسبة أمور إلى الفلول تعطيهم قدراً فوق قدرهم من جهة أخرى.
ونسمي هذا التعظيم من ملكة الفلول في خطابنا السياسي "لوثة الكيزان". وهي لوثة تجرد كل كيان عداهم من فكر أو مصلحة يؤوي إليها وعزيمة لبلوغها. فشكا بيرييلو في كلمة قصيرة مسجلة الأربعاء الماضي ممن يقومون بأدوار سلبية ويعجلون بوضع إجابات سياسية حتى قبل وقف الحرب. وهم يفعلون هذا، في قوله، لأنهم يعرفون أنهم لا يحظون بتأييد شعبي بين السودانيين. وهذه انتهازية منهم يطلبون النفع لأنفسهم في حين يرزح السودانيون في أكثر حالاتهم تضعضعاً.
قيل إنك لا تعلم اليتيم البكاء. وقياساً فأنت لا تعلم السودانيين الصراع ضد الإسلاميين.
فالإسلاميون، الفلول، مهما قلنا عنهم، أصحاب مشروع وطني في بنية السياسة والمجتمع منذ الأربعينيات. فهم فينا ليسوا جماعة مسلمين "خلوية" من كل حدب وصوب مثل ما نرى في تنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش" تخرج بأمة المسلمين حرباً على المجتمع والدولة.
فهم، بعزتهم لكونهم جماعة ذات مشروع وطني تستعين عليه بالدعوة والسياسة، لم يقبلوا في الستينيات بأفكار سيد قطب الداعية إلى أن تنتبذ الجماعة الإسلامية مهجراً من مجتمعها تتقوى فيه بالتربية في عقائدها انتظاراً ليوم العودة إليه فاتحين. بل رفض إسلاميو السودان الخضوع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين حتى لا يسلموا زمام أنفسهم لإرادة خارج السودان. وكفر التنظيم الدولي حسن الترابي الأمين العام للإسلاميين جزاء وفاقاً. بل لا يتفق للإسلاميين حتى تسميتهم "الإخوان المسلمين".
واشتبك مشروع الإسلاميين مع مشاريع منافسة له في الوطن مثل الاشتراكية والقومية العربية على عهود الديمقراطية في ساحات النقابات واتحادات الطلاب والمزارعين والمثقفين. كما اشتبكت معه هذه القوى في عهود الاستبداد وتغلبت عليه. فلم يلبث الإسلاميون طويلاً حين ظاهروا الرئيس جعفر نميري في ثيوقراطية أعوامه الأخيرة. فسقطوا قبله وبيده هو ليزول حكمه هو نفسه بثورة 1985.
كذلك لم يوقر الإسلاميون الديمقراطية العائدة التي جعلتهم الحزب الثالث في البلاد، فانقلبوا عليها في 1989 ليحكموا لـ30 عاماً انتهت باقتلاعهم في أبريل (نيسان) 2019. واقتلعتهم ثورة شعبية سلمية ذات عزيمة. وكانوا صمدوا ليس فحسب أمام أميركا التي أغلقت مسام العالم أمامهم بالعقوبة بعد العقوبة، بل أيضاً أمام سلاح الهامش السوداني من كل جنس ونوع المصوب نحوهم في دارفور وغير دارفور. لقد صاروا فلولاً بإرادة سودانية.
ومن عرف سيرة الإسلاميين والسودانيين كف عن الوصاية عليهم بلفت النظر إلى دسائس لهم تنطلي عليهم، فهذه حال مما يقال فيها "أعطِ العيش لخبازه".
ليس اشتراط الشروط قبل التفاوض بدعة، وفي شروط الجيش للجلوس للتفاوض كما رأينا ما استحق الوقوف عنده لإحسان التفاوض نفسه قبل إرضاء الجيش.
08-19-2024, 04:07 PM
زهير ابو الزهراء زهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11797
الرد على شيخي الدكتور عبد الله علي إبراهيم بواقعية تحت الظروف الراهنة في السودان:
"أقدر تفاؤلك بقبول الجيش إرسال وفد تفاوضي باعتباره خطوة إيجابية نحو إنهاء الحرب وتخفيف معاناة السودانيين. لكن الواقع الحالي يشير إلى أن هذه الخطوة وحدها قد لا تكون كافية لتحقيق الاستقرار الذي نتطلع إليه جميعًا. الوضع في السودان معقد ومتداخل بتأثيرات داخلية وخارجية، مما يجعل من الضروري النظر إلى ما وراء الخطوات الأولية لتحقيق تسوية شاملة ومستدامة.
منصة جنيف بالفعل تلعب دورًا مهمًا في محاولة تأسيس آلية رقابة على اتفاق وقف الحرب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وهذا بلا شك يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن يجب ألا نغفل أن المفاوضات لا تزال تحتاج إلى إرادة حقيقية من جميع الأطراف لتحقيق نتائج ملموسة.
الضغوط الدولية، بما فيها عزلة الحكومة القائمة في بورتسودان، قد تدفع الأطراف للتفاوض، لكن هذا لا يضمن نجاح العملية. فالتفاوض وحده ليس ضمانًا لإنهاء الصراع، بل يجب أن يتبعه التزام فعلي من قبل الأطراف بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، بما في ذلك دمج قوات الدعم السريع في الجيش وفق آليات واضحة وملزمة.
من المهم أن ندرك أن التحديات ليست فقط في وقف العدائيات، ولكن أيضًا في كيفية إعادة بناء الثقة بين السودانيين بمختلف توجهاتهم. لا يمكن الحديث عن دور سياسي مستقبلي لأي طرف دون معالجة جذور الأزمة ومخاوف الأطراف المتصارعة بشكل جاد. لذا، يجب أن تكون كل خطوة نحو التفاوض مدروسة وتراعي هذا الواقع المعقد، حتى لا نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى."
بهذا الرد، نحاول أن نضع الأمور في سياقها الواقعي دون إغفال التحديات الكبيرة التي تواجه عملية السلام في السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة