Post: #1
Title: السودان وإيران.. تصحيح مسار كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 07-28-2024, 11:33 PM
11:33 PM July, 28 2024 سودانيز اون لاين د. ياسر محجوب الحسين-UK مكتبتى رابط مختصر
أمواج ناعمة
أثارت عودة العلاقات السودانية – الإيرانية إلى طبيعتها وتبادل السفراء كثيراً من الجدل، وربما كثيراً من المخاوف في هذه المنطقة المثخنة بالاضطراب، وبسوء الكيل، ولا يبدو أن ذلك قائم على أسباب موضوعية منطقية. ولعل الظرف الاستثنائي الذي يمر به السودان، والذي شكل أخطر تهديد على كيان الدولة منذ الاستقلال منذ نحو 7 عقود، قد اقتضى تصحيح مسار علاقاته الخارجية، وتنشيط اتصالاته الدبلوماسية بنهج متوازن يحقق الحد الأقصى لمصالحه لاسيما تلك التي تتعلق بصيانة أمنه القومي الذي تحيط به تهديدات كإحاطة السوار بالمعصم. لقد قطعت الحكومة السودانية علاقاتها مع طهران قبل نحو 8 سنوات قطعاً كاملاً دون مسوغ مقبول، وبدا الأمر حينها غريباً في سياق الأعراف الدبلوماسية، فلم يكن الإجراء كرهاً أو بسبب تهديد مباشر من طهران للخرطوم. وقد كان متاحاً للخرطوم التعبير عن موقفها تجاه إيران بدرجة أقل من ذلك الإجراء العنيف؛ كأن تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لمستوى القائم بالأعمال أو غير ذلك من أشكال التعبير الدبلوماسي الذي ضمن سياق دبلوماسية (شعرة معاوية) . وعندما قطعت العلاقات بين البلدين كان هناك تعاون اقتصادي، وتبادل تجاري بين البلدين قابل لأن يبلغ مستويات أكبر لصالح اقتصاد البلدين. وكان هناك تعاون دفاعي عسكري مكّن السودان من تأسيس قاعدة صناعات عسكرية متقدمة ساهمت في انتاج أكثر من 150 نوعاً من الصناعات العسكرية الأمر الذي جعل البلاد تكتفي ذاتياً من معظم حاجتها للسلاح بل وتتمكن من تصدير الفائض في وقت كانت العقوبات العسكرية، والاقتصادية الغربية تشدّ الخناق على السودان. وربما يرجع صمود الجيش السوداني في وجه الحرب المتعددة الجنسيات التي انطلقت شرارتها في ابريل 2023 إثر تمرد مليشيا الدعم السريع عليه بايعاز وترتيب خارجي لم يعد خافياً على كل ذي بصيرة، ظل مستنداً إلى تلك القاعدة من الصناعات العسكرية الوطنية. ويجب التذكير هنا بأنه ليست هناك معاهدات أو اتفاقات دولية تمنع دولة ذات سيادة من استيراد حاجتها من السلاح من أي مكان يمكن أن تسد حاجتها. يقول مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية ألان بوسويل: إن توفير إيران طائرات مسيرة للجيش السوداني أمر مقبول في المجتمع الدبلوماسي. يشار أن إيران ظلت تمد دولة عظمى مثل روسيا بالطائرات المسيرة، وبعض أنواع الأسلحة الأخرى. والحقيقة غير الخافية أن إيران بالمنظور الإستراتيجي الإقليمي دولة عظمى من الناحيتين العسكرية، والاقتصادية، ويصعب تجاوزها، أو اغفال أهمية اقامة علاقات دبلوماسية معها على الأقل في حدودها الدنيا. ولعل جوهر العلاقات بين البلدين اليوم أنها علاقات تبادل مصالح، ولا تقوم على أي فكرة أيدولوجية. ولا يبدو للمتابع أن السودان مندفع أو غير متريث في توسيع شبكة علاقاته الدبلوماسية عبر الشرق والغرب؛ إذ إن الاتفاق على عودة العلاقات بين السودان وطهران كان في نوفمبر الماضي أي قبل نحو 8 أشهر بينما تم تبادل السفراء فعلياً الأسبوع الماضي. وقد أعلنت طهران دعمها لسيادة البلاد الوطنية ودعم أمنه، واستقراره في مواجهة الهجمة التي يتعرض له كيانه الجيوسياسي. إن الدول التي تمانع عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها على أساس تبادل المصالح وليس على أساس أنها حلف عسكري موجه ضد طرف ثالث، ليست على استعداد لمد جسور التعاون مع السودان، فبدا حالها كحال من حبست هرة فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. المدهش، والغريب أن الدول التي أبدت قلقها هي نفسها تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية، وهذا ما قد يفهم في السودان ليس على قاعدة (أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس)، ولكن يمكن أن يمثل ذلك شكلاً من أشكال الوصاية، ورهن الإرادة الوطنية. وذات الدول التي أبدت غضبها من تطبيع السودان علاقاته مع إيران صمتت ولم تبد أي غضب لتطبيع دول عربية أخرى علاقاتها مع إسرائيل. ويتفهم السودان تعقيدات علاقة الجوار العربي - الايراني، ويعلم بأن سياسة إيران المعلنة بأنها قائمة علی حسن الجوار وضمان الأمن في المنطقة. تحتاج لتأكيدات عملية أقوى فمجرد الإعلان ليس كافياً؛ فما زالت هناك أسئلة، واستفسارات كثيرة وجيهة حول دور إيران في كل من العراق، وسوريا، واليمن. مع التأكيد بأن جوار ضفتي الخليج العربي ليس لديهما خيار اختيار جوار بعضهما البعض، ولذا يتحتم التواضع على صيغة تعايش بل تعاون، وتطوير علاقتهما، فللجانبين هُوية مشتركة يمكن البناء عليها؛ فهما يتشاركان في الهُوية الإسلامية برغم اختلاف تفسيراتهم لها، كما يشتركان في تاريخ طويل، وممتد في التجارة عبر الخليج باعتباره ممراً استراتيجياً.
|
|