الناظر الى حياة العمانين في الأرياف والمدن يرى تمسكهم بتراثهم وثقافهم التي تنتهجها الدوله لربط الانسان بواقعة الحيوي اليومي مع الحفاظ للارث الذي ينتمي اليه. فبينما كنت اتعجب لماذا يتردد العماني (أبن الريف) والذي تبعد قريته مئات الكليومترات عن مدينة مسقط التي بها مقرعمله ليرجع االى قريته ومجتمعه الصغيرلقضاء يوم او يومين بالاكثر عند اجازة نهاية الاسبوع. تأتي الإجابة من حيث لا أتوقع بينما كنت في زيارة اجتماعية للمجامله والمعايدة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024 لأحد الأصدقاء واسرته (الكثيري). حينها فعلا بدأت أربط بينها و بين تزاحم السودانيون للبصات والقطارات قبل يوم او يومين من أجازة كل عيد لقضاء تلك الفترة بين الاهل والاحباب في الريف لكن ما شاهدته جدير بالمشاركة.
لربما كانت هي الصدفه أن يكون حضورا أنيقاً بيننا بعض من زملاء العمل العمانيين في مجلس بُني خصيصا لمثل هذه الاجتماعات. وكذلك تشرفت بلقاء (كبار السن) ممن رَوُوا لنا عن بعض العادات التي وٌجدِت ومازالت مستمرة الى يومنا. ولكنها الفرصة التي يجب ان استثمرها للبحث على اجابات لبعض التساؤلات التي ترتبط مباشرة بعاداتنا السودانية السمحة. بدات استنهض فضولي والاحظ ما يقوم به المضيفين وأتعجب من تسابقهم لخدمة الضيوف.. كنت اسمتع لبعض من المفرادات التي اثارت انتباهي والتي فوجئت بالمثيرمنها حين حكى لنا احدهم معانيها.
كنت كثيرا ما اسمع عبارة (حات علومك) من الزملاء أحيانا,و لكن كنت اتفهم من يلفظ بها فقط يريد ان يتعرف عن صحتي واحوالي دون الخوص في السؤال عن معرفة سبب اطلاقها في بداية الحديث.. الا انني عندما اتيحت لي الفرصه بتكرار الطلب (العلوم) من أحدهم في المعايده.. فقلت لا افهم معناها ولكنني بخير.. اكرمني العم (الكثيري) بتوضيح وشرح تفصيلي ليزيل الستار عن تساؤلي. أفادني بأنه لا يحق لاي شخص بالقيام (بالسؤال) ما لم يتم التشاور حوله وغالبا ترسو(المساءلة)عند الأكبر سنا في المجلس. ثم استرسل في الحديث وبحماس كبير وفخر واعتزاز بهذا الإرث قائلا:" ان العبارة قديما كانت تطلق عند مقابلة الضيف او عابر السبيل لأول مرة وذلك لطلب الأمان منه والتاكد بأنه بخير وليس به أي أذىً وكذلك لضمان سلامته و أخذ الحيطه والحذرمن جانبه قبل الخوض في الاسترسال في احاديث أخرى". بعد التأكد من الفحص الأمني, يطلب منه اناخة راحلته ثم تتم استضافته وتقديم كل ما لزم.
بحكم أنتمائي أجتماعيًا في السودان الى منطقه (البجا) والتي يٌسأل فيها الشخص عند قدومه لاي (فريق او حلال), بلفظه شائعة جدا في السودان وهي كلمة (دبايوا) (DABAYWA) والتي تعني (هل انت في امان؟). وبعد استجابته لهذا السؤال وتطمين اهل الداريتم استقباله كضيف ويقدم له الكرم اللازم. حيث لا يمكن أن يُتعًامل ابدا ممن لا يعطي (السكناب) أي العلوم.
كما اثار فضولي هو تقديم القهوة عن بعض الاكراميات الأخرى. لن اتحدث كثيرا عن طقوس تقديم القهوة وما يتبعها من تمر وحلوى عمانية ونحوها لان من زار أيً من الأسرة العمانية سواء أكان ذلك في مناسبة العيد أوغيرها , لاحظ تلك العادات الجميلة ولكن السؤال عن وقت تقديمها. كعادة اهل الشرق تماماً في السودان والذين يعيبك زائرهم ان لم تقدم له القهوة أولا وان اكرمته بذبح ناقه.. يمكن أن يكون تأخير تقديم القهوة للضيف سببا بذكرك بالبخل في حديث المجالس مما يعكس عدم الرضى. فكان سؤالي للعم (الكثيري) ولماذا تقديم القهوة أولاً؟ أجابني وبكل اريحية:"القهوة عندنا تعني الكرم وما دونها واجب".. تطابق حديثه مرةً أخرى مع ما كنت افكربه.. كانت الزيارة سريعة ولكنها غنية بالارث وحب الاخرين. استمتعت بلحظة اللقاء وتمنيت ان يعود علينا وعليكم العيد وعلى الامة الإسلامية والجميع في أمنِ وئامِ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د.حسن علي أدروب
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست