لا شك أن ما أفرزته هذه الحرب من واقع ، يجعل التعامل معه مسألة في غاية الإختلاف عن ما كان قبله ، وحتي من بعد الثورة نفسها.... للذين لايرون هذا الواقع أو يتجاهلونه ، فليسألوا من لايزالون في أرض السُودان التي دخلتها أو أمتدت لها الحرب ، أو فليسألوا من خرجوا من البلاد وتشتتوا في الأرض ، أو من نزحوا داخلها ، وأطرافها وضربوا في الأرض ، يكفي أن السُودان به أكبر حالة نزوج وهجرة في العالم حالياً ، أكثر من ١١ مليون نزحوا ولايزال الرقم قابل للإزدياد ، مجاعة حقيقية تواجه البلاد ، قتل ، إغتصابات ، نهب وسلب ، جوع ، أمراض ، أوبئة ، سوء تغذية للأطفال في معسكرات النازحين ، هذا غير الحالة النفسية وحالات الإكتئياب والإنتحار ، وغيرها من إفرازات الحرب التي طالت كُل السُودانيين ، غياب تام للأمن والأمان ، فقر وضائقة معيشية غير مسبوقة وإنهيار كلي لإقتصاد الدولة ، ومُعظم إن لم يكن كل بنيتها التحتية ، الخربة أساساً ، والأهمّ والأخطر هو وصول البلاد لحالة جعلت من المُجرمين المُتحكمين بها حالياً في طرفيها أداة لبيع البلد وأراضيها ومشاريعها وثرواتها ، وقوداً لإستمرار الحرب نفسها ولمزيداً من القبضة عليها ، تحكم الكيزان من الإسلاميين وجنجويد الدعم السريع وعودة البطش والإعتقالات والتضييق ومُصادرة كل الحقوق كأنه لم تكن هنالك ثورة ، حالة إنتقامية يقوم بها طرفي الحرب من الشعب السُوداني وبجُرأة وفظاعة... كُل هذا الواقع المُجرد والغاتم ، يحتاج دون أدني ذرة شك تعامل جديد وتفكير مُختلف ، وتركيز علي أولويات تجمع كُل المُختلِفين سياسِياً فيه ، دعوتنا وعملنا للوحدة لمكونات الشعب السُوداني ولقواه السياسِية والمدنية والشعبية والثورية ما قبل الحرب تختلف في القضايا المطروحة ومن يدخلون في تحالفها عما هو عليه بعد الحرب بكل وضوح ، تحالفات الحد الأدني والأعلي المعروفة والتي جعلت ماقبل الثورة ومابعدها مجموعات سياسِية تتحالف وفق أيدولوجيا أو برنامج ثوري مُحدّد للتغيير الشامل أو الجذري ، وقوي أخري تتحالف من أجل برنامج مرحلي وأخري لأجل السُلطة والطرق التي تؤدي إليها ، أصبحت كُل هذه التحالفات ما بعد الحرب لا أساس لها أو فاعلية من حيث الواقع الماثل الآن ، فالتحالف الذي ندعوا له الآن ولوحدة كُل القوي السياسِية والمدنية والشعبية والثورية هو ما أُسميه ( بالتحالف التاريخي ) لإنجاز وقف الحرب أولاً والتصدي لتهديد وخطر وجود البلاد نفسها بالإنقسام والتصدي لخطر بيعها الذي بدأت مُقدماته من قبل ذات العصابات ( الكيزانية الجنجويدية) العميلة للخارج ولقوي إقليمية وأجهزة مُخابرات تُريد إستغلال هذه الحرب لصالح أجندتها في بلادنا وهي من كانت ولاتزال داعمة لها ولإستمرارها ، إذاً التحالف التاريخي لوحدة القوي السياسِية والمدنية والشعبية والثورية ، هو تجميع لها وخلق قوي فاعلة تستطيع القيام بهذه المهَام التي تهم كل السُودانيين في الحاضر وحتي أجيال المًستقبل ، لن نستطيع تحقيق تحالفات لاتوقف الحرب ، أو تقوم بإقصاء مُختلفين معنا حول برامج وطريق للتغيير والدخول في صراعات ستُمكن أعداء البلاد من الإستفادة من كُل هذه الإنقسامات لتمرير أجندتهم ، ولن نستطيع خلق واقع ثوري سلمي تحت نيران المدفعية وقصف الطائرات والدانات والذين يفترض بهم المُشاركة وقيادة هذا التغيير الثوري يتلمّسون حفظ حياتهم والنجاة من الموت المحقق ، أو حتي يُكابدون من أجل الإبقاء علي حياتهم بجرعات ماء وخبز بائيس غير متوفر ، أو جرعة دواء غير مُتاحة... نحن الآن في واقع يمكن أن يتلاقي فيه جميع الوطنيون يسار ويمين ، شيوعيين ، بعثيين ، حزب أمة ، إتحاديون ، مؤتمر سُوداني ، جمهوريون ، ديمُقراطيون ، حركات كفاح مُسلح الحلو وعبدالواحد و كل الحركات التي لاتريد الحرب وترفضها وضد بيع البلاد وتجاهر بذلك وتعمل للسّلام والمُحافظة علي البلاد وشعبها من الضياع ، أما بعض الإسلاميين الذين رفضوا الحرب ويرفضون تقسيمها وبيعها فهؤلاء يُنظر في أمرهم وفق صدقيتهم والجهر بمواقفهم ، وإن كانت لديّا ارائي المُعلنة والواضحة في "كُل الأسلاميين" جراء تجربتنا الطويلة معهم ، ولكن أعود وأقول أن الواقع الحالي ينذر بخطر حقيقي ، يصبح الإقصاء فيه مسألة غير مُنصفة وغير حكيمة إذا كان الهدف الذي يجمعنا جميعاً هو الوطن وبقائه ووحدته والمُحافظة علي ثرواته وأراضيه ، علي أن يكون الهدف الآخر الذي يوحدنا كعصب لهذا التحالف التاريخي هو عدم إعطاء أي شرعية للمُجرمين والمليشيات أو إفلات من العقاب أو تغافل عن تحقيق العدالة لمن أجرموا وثبت جرمهم ، و إبعاد كُل من تسبب في هذه الحرب وإرتكب الفظائع في الشعب السُوداني فهذه قضايا غاية في الأهميّة ، فعدم القبول بالحرب ورفضها لايمكن أن يتساوي مع القبول بمن أشعلها وفعل فيها كل مافعل ولايزال يُعرض بلادنا لخطر التلاشئ ويقوم بمحاولات بيعها للأعداء وأصحاب الأجندات داخل بلادنا ، نحن ندعوا ونعمل لوحدة لاتقصي إلا الأشرار البيّن شرهم ، أما كُل الوطنيون فمُرحب بهم فيها ، أجندة هذا التحالف والتلاقي هي وطنية صرفة التنازل فيها لأجل الوطن وليس خصماً عليه ، التنازعات و الصراعات المبنية علي واقع غير موجود حالياً وبعيدة عنه لن تخدم قضية الوطن ولا أي تغيير للأفضل فيه ، أي أجندة تختص فقط بالسُلطة لا مكان لها ، ولهذا فالأساس الذي يُمكن ان ينقل هذه البلاد لوضع الأمان من خطر الإنزلاق هو وحدة وطنية مدنية تاريخية لكل القوي الثورية والديمُقراطية والشعبية من كُل السُودانيين وبمُختلف تركيبتهم وتعددهم فيه ، تقودها قيادات غير مُحتكِرة وفاعلة تؤمن بهذا الوطن وتُخلص له ولتقدمه والتغيير فيه والمحافظة عليه ويبنيه الجميع لحاضر ومُستقبل أفضل...... 8 مارس 2024
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة