Post: #1
Title: الإستقلال يعود بالإنهيار: مذكرة الجيش والخطيئة الأصلية !! كتبه محمد الصادق
Author: محمد الصادق
Date: 12-30-2023, 01:56 PM
12:56 PM December, 30 2023 سودانيز اون لاين محمد الصادق-السودان مكتبتى رابط مختصر
السودان من اكثر الدول التي ابتليت بالانقلابات العسكرية !!! فيكفي ان معظم شهور السنة عندنا هي اشهر انقلابات: مايو .. يونيو .. يوليو .. اكتوبر .. نوفمبر ديسمبر !!
وطالما اننا في ديسمبر دعونا نستذكر انقلاب ديسمبر الذي كان بالتحديد في ١٢ ديسمبر ١٩٩٩ الموافق ٤ رمضان ١٤٢٠، تلك المفاصلة الشهيرة: (القصر - المنشية). في ذلك اليوم انقلب المكون العسكري للحركة الاسلامية علي المكون المدني حيث عطل المشير عمر البشير الدستور واعلن حالة الطوارئ وحل المجلس الوطني وادخل الترابي الي السجن. وقد برروا ذلك بأن احوال البلاد لا تسمح بالتعديلات الدستورية التي كان البرلمان يعتزم اجراءها.
قبل انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ بحوالي سنة تقريبا ادلي عضو المجلس العسكري ورئيس اللجنة الاجتماعية الفريق صلاح عبد الخالق بتصريح قال فيه ان الإنقلابات العسكرية لا تأتي من قبل العسكريين وانما الاحزاب السياسية، حيث يأتي احدها و (يأكل راس العساكر) فيتم الانقلاب !! وهذا -كما اعتقد - هو تبسيط ساذج لمسألة الانقلابات العسكرية. وهو يشبه ايضا تبسيط الترابي لانقلاب ٨٩ بعبارته المشهورة (اذهب انت رئيسا وانا سأذهب حبيسا). لكن القاسم المشترك دائما للانقلابات هو استعجال العسكر بسبب استسهالهم لعملية الإنقلاب، فخدعة الترابي لا تنفي ان يكون الأمر قد بدأ بمغازلة جرت بين العسكر والاسلاميين، فكلام الفريق عبد الخالق يمكن ان يكون (مقلوبا)، بمعني ان التفكير في الانقلاب يكون من قبل العسكر، ثم بعد ذلك يبحثوا عن حاضنة من الاحزاب السياسية، وما اسهل ايجادها بالطبع.
ان مذكرة الجيش في فبراير ٨٩ كانت بمثابة التمهيد لإنقلاب حتمي، فقد كانت هناك شكوي متكررة من ضباط الجيش بالإهمال الشديد للجوانب العسكرية، ونلاحظ ان الجيش بدأ يأخذ عافيته بمجرد استلام السلطة، ثم بدأ تمكّن العسكر من السلطة والمال بصورة ملحوظة. لقد كانت خطة الاسلاميين هو التحول نحو الديمقراطية بإجراء انتخابات عامة بعد مرور ثلاث سنوات، لكن اقناع المكون العسكري بمجرد حلّ مجلس قيادة الثورة العسكري تأخر حتي اواخر عام ١٩٩٣ اي بعد اكثر من اربعة سنوات، ثم لم تمض خمس سنوات حتي حدثت المفاصلة، لذلك يكرر بعض كتاب الاسلاميين عبارة: (الاسلاميون لم يحكموا بعد)! لقد رفع الاسلاميون شعارات ديمقراطية لو قدر لها ان تطبق لكنا الآن مثل تركيا، فقد كانوا ينادون بقضية الحريات والتداول السلمي للسلطة والثروة، ووجوب تمكين الحكم الفدرالي بصلاحيات اقتصادية وسياسية حقيقية للولايات، ومن ذلك حق انتخاب الشعب للولاة، هذا الي جانب قضية محاربة الفساد.
بعد مضي ربع قرن علي انقلاب المفاصلة يتضح جليا الآن ان العسكر لم يكونوا مستعدين لتسليم السلطة للمدنيين ولما يمض سوي عشر سنوات من انقلابهم علي الحكومة التي لم تعر مذكرتهم اي اهتمام كما اتضح من افادات شهود محكمة مدبري انقلاب ٨٩. بعد المفاصلة وجد العسكر حاضنة جديدة هم المنشقون من الحركة الإسلامية، وحتي هؤلاء نفذ عليهم العسكر شبه انقلاب عندما حاول المدنيون بعد انتخابات ٢٠١٥ ان يرشحوا رئيسا مدنيا ليتجنبوا العقوبات الدولية بسبب الجنائية.
بعد ثورة ديسمبر كان تمسك العسكر بالسلطة واضحا في صعوبة الاتفاق مع المدنيين عقب الثورة، ثم الانقلاب بمجرد انتهاء مدة رئاسة العسكر لمجلس السيادة، ثم قيام الحرب بعد ان اوشك الاتفاف الإطاري ان يتبلور الي اتفاق نهائي. اذن فقد كان لدي الجيش خوف مرضي من ان حكم المدنيين يضعف الجيش ويؤدي الي انهيار الدولة. وقد لاحظت من خلال حواراتنا مع العسكر سواء كانوا رتب كبيرة او حتي جنود عاديين، وسواء من هم في الخدمة او المعاش كلهم متفقون حول فكرة ان هذه البلد لا يصلح لها الا الحكم العسكري! فاتفاق العساكر علي ذلك كان أمرا مريبا و عجيبا. لقد بلغ الخوف بالعسكر من عودة المدنيين للحكم ما جعلهم يكونون جيوشا متعددة بدل الجيش الواحد لكي يمنعوا ظهور (سوار دهب) يعيد الحكم للمدنيين.
بعد ثلاثة عقود من حكم العسكر اصبحت الجيوش امبراطوريات قائمة بذاتها، أو اصبحت دولا داخل الدولة، وكانت اكثر العقبات التي واجهت حكومة حمدوك هي كيفية ايلولة المال العام لوزارة المالية، وقد ظل رئيس الوزراء يكرر هذا باستمرار.
فبالعودة الي ٨٩: هل كان الخطأ الاصلي هو عدم اصغاء السياسيين لمطالب العسكر ؟؟ ام ان (كنكشة) العسكر في السلطة لحوالي اربعة وثلاثين عاما هو ما أدي الي تداعي وانهيار الدولة؟؟
|
|