Post: #1
Title: الشاعر الثوري محمدعثمان محمد صالح( كجراي) كتبه
صلاح التوم إبراهيم
Author: صلاح التوم إبراهيم
Date: 12-29-2023, 02:44 AM
01:44 AM December, 28 2023 سودانيز اون لاين صلاح التوم إبراهيم-السودان مكتبتى رابط مختصر
 #رحل شاعر الأمة محمد عثمان صالح كجراي صبيحة الثامن من أغسطس عام 2003م وترك مجموعة دواوين شعرية وأعمال أدبية مفعمة بكل معاني الوطنية والحرية وتتغني بعشق الوطن ، فمن دواوينه الشعرية: الصمت والرماد الليل عبرغابة النيون في مرايا الحقول أنفاس البنفسج وله أيضا أعمالا أدبية أخرى منها: منظومات من "رباعيات الخيام" ، "إرم ذات العماد"، خماسيات أبو شول (قصص للأطفال) وتصنّف ضمن أدب الأطفال.
#لامست أشعاره قضايا وٱمال الأمة ، وظل حتى ٱخر أيامه معينا عذبا وسلسبيلا دفاقا يتقطر شعرا كله قيم وعدل وحق ....
ها هم الآن يقيمون صلاة الشكر في ظل الحراسة ثم يضفون على الجالس في العرش أساطير القداسة وتردَّى وطن الأغنية الخضراء في قاع التعاسة وجه من هذا الذي أنهكه الجوع وإفلاس السياسة؟!
#كجراي شاعر رصين ارتبط شعره بقضية التحرر الوطني، وبالعروبة، والمبادئ والقيم النبيلة:
ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ ﺳﻜﺮﻯ ﺑﺨﻤﺮ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺗﺨﺮﺱ ﺻﻮﺕ ﺁﻫﺎﺗﻲ ﻭﺗﺨﻨﻖ ﻟﻲ ﻋﺒﺎﺭﺍﺗﻲ ﻳﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺗﻠﻮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻻ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﺗﺼﺪﻕ ﻻ ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻟﻬﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻲ
#جابه وناضل عبر كلماته المدوية كل أشكال العنف والظلم ، وكان يوقع اسمه تحت قصائده : م.ع.كجراي ، ولاسمه المستعار«كجراي» تميز وبساطة وفرادة ورنين، وبالكاد ليس في السودان مَن يحمل هذا الاسم. ولما (كان الإنجليز يحرّمون على الموظف أن يكتب في الصحف تستر وراء هذا الاسم المستعار - كجراي - وهي لفظة بجاوية معناها جندي او محارب او مقاتل ).
وبعد فترة أطلق «كجراي» العنان لخياله الشعري، كيما يعبر عن قضايا الناس خاصة المهمّشين منهم والمعذبين، بمعايشته ومخالطته إياهم خلال تنقله في حقل التعليم:
وعجائز المتسولين وبعض أبناء السبيل الراقدين على الرصيف الجوع يدفعهم إلى الأبواب يلتمسون رائحة الرغيف
#وظل طوال عمره ثوريا مناضلا بالكلمة ولم يسلم من المعتقلات فقد عاش في أزمنة يصعب فيها التعبير والجهر بالطغيان والظلم ، ما قاده إلى السجن ومصادرة ديوانه الشعري الأول «الصمت والرماد» ، وغدا كمن يتنفس تحت الماء: هأنا رغم ﻛﻞ المسافات ﻳﻤﺘﺪ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ الليل ﺻﻮﺗﻲ ﻗﺪ تعودت ﻓﻲ زمن الزيف أن ﻳﺼﺒﺢ السجن ﺑﻴﺘﻲ، ﻟﻦ ﻳﺰﻟﺰﻟﻨﻲ الذل ﻓﻲ زمن الانكسار!
#بدأ اهتمامه بالأدب منذ سن مبكرة وأول ما نُشر له من أعماله بهذا الاسم كان في العام 1948 م بجريدة «السودان الجديد». وأول قصيدة نشرت له على مستوى الوطن العربي كانت بمجلة «الرائد» الكويتية بعنوان: السأم والأحلام الميتة، في عام 1957 م. وتوالت بعد ذلك أعماله الأدبية، فكان ديوان "الليل في غابة النيون" من ضمن أوائل دواوينه الشعرية:
لا تجرحي الصمتَ فإن الليلَ فوق سقفكمُ عيونْ تنفذ كالشعاع حين يرتمون على المدى البعيد عبرَ غابة النيونْ أجهدت روحي حينما حاولت أن أكتب ما أقولْ لكنني أعرف أن الصمت لا يجدي
#وفي قصيدته "العودة من الجحيم" التي أهداها إلى صديقه الشاعر د. تاج السر الحسن بعودته 1964، نلمس تلك الروح الثورية العارمة : فلنغني صحوة العمر ونجتاز الزمان ودعوا الموتي يهزون جذور اللا مكان ليس للثورة إلا وجُهها القاني الذي نعرفَهُ من أراد الصمت تيار الذري يجِرَفه فليمدون حبال الصمت في شط العدم نخر الدهُر علي صخر الجدار لو توكأنا عليه لنهدم
و فعلا أنهدم الجدار في أكتوبر من نفس العام، وعمت الثورة أرجاء المكان .
#وعندما أشرقت الحرية على السودان في 1956م، التي شهد السودان أزمة الانعتاق من الاحتلال، نشر قصيدة "العنكبوت"في مارس1957م،أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للخرطوم: جاء هذا الصفيق اللعين/يحوك الشباك /ويلغي الشراك/وقد مزَّق الحقد أمعاءه/وقد أكل الجوع أحشاءه/ومن طول ما خيَّم العنكبوت على أرضنا/ ومن طول ما جثم العنكبوت على صدرنا/عرفنا خطاه".
ثم كتب قصيدة مهر الدم عندما كان ناظرا لمدرسة البنين بمدينة جبيت: مهرك غالي يا حرية نرفع رايتك عالية ونتحدى الرجعية
#كان كجراي _رحمه الله_ فصيحا بليغا تقودك أشعاره إلى منتهى الرصانة، فلغته الشعرية مسكونة بالتعبيرات الجزلة ، كيف لا وهو من أبناء البجا، إحدى القبائل العربية الراطنة صاحبه الذكاء الحاد والذاكرة المتقدة، فقد اتقن العربية وتفوّق فيها، ووضع بصمته في خارطة الشعر العربي الفصيح في السودان والوطن العربي، فهو شاعر مجيد متفرد، من أعمدة الشعر الحديث، وأحد رموز مدرسة التجديد الشعري: وطن النسيان لا يثمر غير الحنظل الأصفر حقداً ومرارة يعرف الربح عقوداً ونقوداً ويرى في مقطع الشعر الخسارة
#ينتمي الشاعر محمد عثمان كجراي إلى شعراء الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الذين اهتموا بالتجديد في البنية الإيقاعية للقصيدة العربية، وفي شكلها وموضوعها الشعري: يا نجمتي مات الشروق وكنت ألهث بين أودية العدمْ لم أدرِ كم قد مرَّ عام قد كنت في الكهف القديم مع السرّاب مع الظلامْ «قطْميرُ» كان بجانبي لم أدر كم قد مرَّ عامْ وحشٌ خرافيٌّ يصب الموت بين مفاصلي يعوي إذا غنيت لحن شواطئي وقوافلي
#وكلما تقرأ أشعاره ورغم مرور عهود وحقب، تجدها وكأنها كُتِبت بلسان اليوم؛ نابضة بما تمر به البلاد من أحوال سياسية متخلفة: لن نهتز من صوت العصابات المخيفة نصّبوا الطاغي إماماً بايعوا تحت ظلال القصر جيفة آه.. ما أبعد هذا اليوم من يوم “السقيفة”..! ها أنا أصرخ في سمع الخليفة إن كل الخطب الجوفاء في منبره المحفوف بالجند سخيفة كل تهريج الأناشيد هراء وعيون الغضب الصامت سخط وازدراء
#كتب كجراي أيضاً بالعامية السودانية بأسلوب واضح المعنى والبيّان ومن ابرز ما كتب في هذا المضمار قصيدة «بسمة الأنوار»، ويقول مطلعها: قالوا الزمن دوّار يا بسمة النوّار ياريت تعود أيامنا ونكمّل المشوار ياقلبي يا سواح قول لي متين نرتاح دمع الحنين خلاّنا ما نعرف الأفراح
#وكل السودانيين وغيرهم من الشعوب العربية والأفريقية استمتعوا بكلماته المغناة، فقد كتب مجموعة من أجمل وأعذب الأغنيات بالعامية المتفصحة للمطربين: العملاق وردي (مافي داعي وتاجوج وبسمة الزنبق) وإبراهيم حسين (قالوا الزمن دوار يا بسمة النوار) و(فريع ياسمين) و(يخاصم يوم ويرجع يوم ويعذبنا بيريدو).
#قال عنه عبد الله حامد الأمين في ندوة أدبية ضمت الشاعر اليمني عبد الله حمران، والوليد إبراهيم، ومهدي محمد سعيد وعدد آخر من الشعراء والأدباء والنّقاد العرب: «هذا شعر كجراي.. اتحدى من يجد فيه بيتاً غير موزون.. أو كلمة غير عربية» #وقال عنه الشاعر صلاح احمد إبراهيم: «من احتذى حذو كجراي، جاء شعره مبرأ من كل عيوب وسقطات الشعرالحديث». #وقالت عنه دار النسق التي تولت طباعة ديوانه: الليل عبر غابة النيون: «إننا نستمد حماسنا من النصوص المدهشة التي أمامنا، ومن أصدقائنا الكتّاب الذين يشدون من أزرنا ويتوقعون منا الإنجاز، والشاعر محمد عثمان كجراي في هذه الباقة (الشعرية) نموذج رفيع لحوافزنا الروحية». .
#وفوق هذا وذاك فهو معلم فذ وقامة تربوية شامخة ومربي جليل، عمل معلما في مختلف مدارس البلاد المختلفة وجاب ربوع الوطن ينشر العلم ، كما عمل خارج البلاد في التعليم ووضع ونقح العديد من مناهج اللغة العربية . وكانت بداياته في التعليم بمسقط رأسه مدينة القضارف. ولد كجراي بمدينة القضارف في عام 1928 م، ونشأ نشأة دينية سردها في مقدمة ديوانه حيث قال: "نشأت في بيئة دينية صرف. وكان والدي رحمه الله يأمرنا ونحن أخوة أربعة بأن نصحو في الرابعة لصلاة الصبح جماعة، ثم نوقد المصابيح ونخرج ألواحنا ونقرأ أجزاء من القرآن الكريم ، ثم نعرض القراءة غيباً على والدنا...."
ألا رحم الله أستاذنا الشاعر العظيم كجراي بقدر ما قدم لأهله وبلاده.
|
|