انتهيت من مسلسل اسباني مشوق، عن لص يطلق على نفسه اسم البروفيسور، والذي يسطو على البنك الإسباني وعلى مصانع سك العملة. وأيضاً فيلماً للممثل القدير أدريان برودي بعنوان بيانيست أو عازف البيانو.. ولاحظت التطور الرهيب في عالم الفن السينمائي، أذ أن السينما لم تعد مجرد فن، بل علماً حقيقياً، مكوناً من مجموعة علوم تتكامل لتحقق عدة انفعالات عند المشاهد، فالفيلم ليس مجرد قصة وتصوير وإخراج، بل أتوقع أن يكون هناك أخصائيون نفسيون، إلى جانب المهندسين والمصممين ويضاف إليهم خبراء في التاريخ عموماً، وفي تاريخ الملابس، وتاريخ حلاقة الشعر، وكبار الرسامين، والموسيقيين، إلى جانب الفلاسفة.. وذلك كله وغيره لتمرير رسائل خطيرة جداً. ففي الوقت الذي كان يمرر فيه المسلسل الإسباني توجهات ضد الوحشية الرأسمالية والمنظومة العالمية الجديدة، واللا سلطوية، وصلادة المنظومة العولمية، كان فيلم عازف البيانو يمرر لنا مأساة اليهود، وتأكيد المحرقة، وبشاعة النظام النازي.. كان كل شيء مرتباً بعناية ليقود المشاهد إلى النتيجة المطلوبة، وهو الرفض والتعاطف والمقاومة. لم تصبح الأفلام والمسلسلات ولا كل وسائل الترفيه محايدة، ولا غرضها الترفيه أو كما يقول وودي آلان: تشتيت الانتباه، بل هي تجرنا إلى اتخاذ موقف. ولكي يحدث ذلك فيجب أن يحدث الآتي: ١- أن تخضع وسائل الترفيه لمعايير المنظومة. ٢- أن يكون العمل جماعياً. ٣- أن تكون المجموعة من كبار الخبراء في تخصصاتهم المختلفة. ٤- أن يتم تقليل الحوارات إلى قدر ممكن. ٥- أن يتم ضبط الحوار ضبطاً محكماً حتى لا ينحرف عن أهدافه. ٦- أن يجمع العمل كافة عناصر الإثارة والتشويق. ٧- أن تكون كل لقطة وكل مشهد وكل قطع معززاً للاستجابات النفسية. ٨- ألا يكون العمل عميقاً جداً. ٩- تغطية الجوانب السطحية (والتي تمثل في الغالب الرسائل الممررة) تغطيتها بالإغداق التشويقي وقوة المشهد وجمالياته. لقد أصبح الفن خاضعاً للقوى التي توجه العالم، وتستفيد من ضعف الوعي الجماهيري، ولكن ليس كما كان في السابق عبر خطابات مباشرة، بل عبر تسريب الرسائل داخل الفن. أصبح الفن اليوم أخطر من الخطاب السياسي، وإزاء سيطرة المنظومة عليه، فإنه لم يعد من اهتمام بالإبداع الفردي خارج تلك المنظومة، إذ أن النجوم يتم صناعتهم، بمناهج علمية مدروسة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست