الإرهاب الثقافي لا يضمد جراح الكبرياء كتبه د. ياسر محجوب الحسين

الإرهاب الثقافي لا يضمد جراح الكبرياء كتبه د. ياسر محجوب الحسين


09-09-2023, 01:54 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1694220874&rn=0


Post: #1
Title: الإرهاب الثقافي لا يضمد جراح الكبرياء كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 09-09-2023, 01:54 AM

01:54 AM September, 08 2023

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة



تنزّل كبرياء باريس المجروح في النيجر، عسفا على عسف وضيما فوق ضيم ضد المسلمين في فرنسا، فقررت حكومة إمانويل ماكرون منع لبس العباءة في المدارس؛ لأنها اكتشفت بعد حين وبعد لأي أنها لباس يتعارض مع مبادئ العلمانية في الدولة. وباريس الرسمية غير معنية بمخاطر التمييز السافرة ضد المسلمين، بل إن تحديد الدولة لفئة من الناس وهم مواطنون فرنسيون، لأن تلبس ماذا ولا تلبس ماذا، أمر لا يتعارض مع الحريات الشخصية التي تتغنى بها الجمهورية الفرنسية؟!. وعلمانية فرنسا أو بقرتها المقدسة، هي علمانية فريدة في تطرفها بل إرهابها للآخر؛ فلم نسمع بالعلمانية في بريطانيا أو في الولايات المتحدة أنها تناقض نفسها في أمر أساسي وهو الحرية الشخصية، فتحدد للناس ماذا يلبسون. ورغم أن علمانية فرنسا تسمح للناس بالسير شبه عراة في الطرقات العامة باعتبار ذلك حرية شخصية، إلا أنها عند لبس العباءة يغدو الأمر ممنوعا منعا باتا. لقد بقي خطاب الكراهية نهجا رسميا ومؤسساتيا في فرنسا، وهذا ما كشفت عنه الأحداث المتتالية لاسيما منذ بداية ولاية الرئيس ماكرون في مايو 2017. ولم تتوان صحيفة الغارديان البريطانية في القول بأن الغضب المتزايد إزاء الرئيس ماكرون أصبح أكثر حدة إثر خطاب ألقاه في أكتوبر 2020 أعلن فيه عن نيته محاربة ما أسماه بـ»النزعة الانفصالية الإسلامية»، واصفا الدين الاسلامي بأنه «في أزمة في جميع أنحاء العالم». وأقرت الغارديان بأن رد الفعل الغاضب امتد وانتشر في شتى أرجاء العالم الإسلامي، وأثار مظالم تاريخية وحالية.
لقد عكست حادثة صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في 2015 مثالا شاخصا لمآلات التصرفات الشاذة للمؤسسات الاعتبارية. فقد استمرأت «شارلي إيبدو» استفزاز الأديان بزعم ذلك حرية تعبير. في يناير 2013، نشرت إصدارا مؤلفا من 64 صفحة، ووصفت ذلك العدد بأنه الجزء الأول لسلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية الصادمة التي تزعم أنها تصور حياة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. وعلق رئيس التحرير بمناسبة نشر هذا العدد، قائلاً: «إنه إذا أراد الناس الشعور بالصدمة فإنهم سيشعرون بالصدمة عند تصفح هذا الإصدار من الصحيفة». ولم تبال الصحيفة بدعم من الدولة بالغضب الإسلامي وأخذتها العزة بالإثم لتعيد بعد سنوات نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية، وكتبت متحديا: «لن ننحني أبداً. لن نستسلم»، وكان ذلك عشية محاكمة 14 شخصًا متهمين بمهاجمة مقر الصحيفة في 2015 لنشرها نفس الرسوم.
في العام قبل الماضي ادّعى ماكرون عدم وجود أمة جزائرية قبل حقبة استعمار بلاده للجزائر (1830 - 1962). بمعنى أن استعمار فرنسا كان سببا في وجود أمة جزائرية من العدم!. في ذات الوقت كان ماكرون قد اعترف قبيل انتخابه رئيسا لفرنسا في 2017 بأن استعمار بلاده للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، بيد أنه ظل يصر على أن تلك الجريمة لا تستحق الاعتذار للجزائر، بينما اعتذرت فرنسا لليهود حين شاركت الحكومة االفرنسية في جمع اليهود وترحيلهم من فرنسا إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية وبولندا. لقد أضحت فرنسا منذ مطلع القرن السابع عشر إمبراطورية استعمارية ضمت مجموعة من المناطق التي خضعت للحكم الفرنسي خارج أوروبا حتى أواخر عام 1980. وكانت فرنسا، في القرنين التاسع عشر والعشرين، ثاني أكبر سلطة في العالم بعد الإمبراطورية البريطانية. وتمددت سلطتها على نحو 9% من مساحة الكرة الأرضية، أي ما يعادل 13 مليون كيلو متر مربع.
ولا يكتفي الاستعمار الفرنسي بسرقة موارد مستعمارته وإذلال شعوبها وإنما يعمد إلى تدمير ثقافتهم والحط منها واستبدالها بثقافة من لدنه يفرضها بقوة السلاح وجبروت الطغيان. فقد تعرضت المجتمعات الإفريقية في غرب إفريقيا على وجه الخصوص في منتصف القرن الماضي لقصف ثقافي مضاد من قبل الاحتلال الفرنسي بعد أن بسط سيطرته العسكرية فلم يجد بُدا من محاربة المكون الثقافي الذي ترسخ بفعل قوة دفع الحضارة العربية والإسلامية التي سبقته إلى تلك الأرض البكر. لقد كان الاستعمار الفرنسي أنكى أنواع الاستعمار الذي ضرب القارة الإفريقية، استعمار معنيٌّ بالدرجة الأولى بالتغيير الثقافي والقيمي، فلاقيم عنده إلا قيمه الغربية ولا لغة عنده إلا اللغة الفرنسية، أهدافه (فرنسة) الشعوب المستعمرة بالكامل.
اليوم فرنسا بهذا النهج الاستعماري الاستعلائي تخسر كثيرا، لاسيما في القارة الإفريقية ولعل ما يجري في النيجر من رفض لكل ما هو فرنسي دليل على هذا الخسران المبين. لقد أرغت فرنسا وأزبدت مهددة ومتوعدة المجموعة الانقلابية في نيامي، غير أن كل ذلك قابله رفض شعبي عارم، وقد استثمر الانقلابيون بشكل ناجح هذا الشعور الشعبي المتنامي ضد فرنسا فكسبوا دعم الشارع رغم المعاناة التي خلفتها عقوبات دول الإيكواس بإيعاز وتحريض فرنسي. وفوق ذلك أرادت فرنسا أن تنوب عنها الإيكواس في تدخل عسكري في النيجر بحجة إعادة الشرعية الدستورية لكن تحريضها تكسر أمام عناد الانقلابيين المتكئ على الدعم الشعبي. اليوم فرنسا تحاول لعق جراح كبريائها وتبحث عن مخرج لقواتها في النيجر التي اعتبرتها السلطة الجديدة أنها موجودة في البلاد بشكل غير قانوني وطالبت برحيلها فورا. وبعدما كانت فرنسا تصر على عدم التعاطي مع سلطات الانقلاب باعتبارها سلطات غير شرعية غير معترف بها؛ أعلن متحدث باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، أن فرنسا تدرس عدة خيارات لسحب قواتها من النيجر، وأن الاتصالات مستمرة مع الجيش النيجري وتتعلق بالجوانب العملياتية والفنية.