«بريكس» و «فاغنر» ورمادية مستقبل العالم كتبه د. ياسر محجوب الحسين

«بريكس» و «فاغنر» ورمادية مستقبل العالم كتبه د. ياسر محجوب الحسين


08-26-2023, 03:13 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1693016014&rn=0


Post: #1
Title: «بريكس» و «فاغنر» ورمادية مستقبل العالم كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 08-26-2023, 03:13 AM

03:13 AM August, 25 2023

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة





عكست أحداث العالم السياسية خلال الأسبوع الماضي، حالة التوتر وعدم الاستقرار وربما المخاض الذي قد يفضي إلى أوضاع سياسية دولية جديدة مغايرة للأوضاع الحالية التي كرستها حالة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثمّ انتهاء الحرب الباردة في 1991. فمن نتائج قمة دول البريكس واحتمالات زيادتها من 5 أعضاء إلى 50 عضوا، إلى مقتل قائد ومؤسس أضخم شركة عسكرية في العالم تضم 50 ألف مقاتل في ظروف غامضة، ومجالات تأثير ذلك على موازين القوى حول العالم فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي في واقعها حرب بين معسكرين شرقي وغربي بعد طغيان الغربي على الشرقي منذ ما بعد نهاية الحرب الباردة، لينتفض المعسكر الشرقي ليوقف محاولة التمدد المعسكر الغربي على حساب وجوديته. فإن كانت حركة دول عدم الانحياز قد تأسست لمقاومة حالة الاستقطاب الحادة على طرفي قطبي العالم حينئذ، الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وحلف الناتو العسكري من جهة، والاتحاد السوفييتي السابق الذي ورثته روسيا، فضلا عن حلف وارسو العسكري من جهة أخرى. واختارت تلك المجموعة مصطلح (عدم الانحياز) لا (الحياد) على اعتبار الحياد تعبير يستخدم أثناء الحروب فقط، أما عدم الانحياز إذ يعني أن تقرر الدول المعنية سياستها وفقا لما تعتقده، لا وفقا لما يُرضي أيا من القوتين العظميين، موسكو وواشنطن. لقد تعاهدت هذه المنظمة التي أصبحت اليوم أثرا بعد عين، في عام 1955 بنواة ضمت 29 دولة؛ انتهاج سياسة مستقلة قائمة على تعايش الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المختلفة، وألا تنحاز، أو تظهر اتجاها يؤيد هذه السياسة، وألا تكون دول المنظمة عضواً في حلف عسكري جماعي تم في نطاق صراع بين الدول الكبرى. كذلك يجب ألا تكون الدولة العضو طرفا في اتفاقية ثنائية مع دولة كبرى. أو تسمح لدولة أجنبية بإقامة قواعد عسكرية في إقليمها بمحض إرادتها. وكانت الحرب الباردة بمثابة تحد كبير للدول الصغيرة والمستضعفة، فإما أن تكون مع معسكر شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي أو مع معسكر ليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة. ومثلت مواجهة سياسية وأيديولوجية وأحيانا عسكرية بشكل غير مباشر، ودارت أحداثها خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وفيما حاول الاتحاد السوفيتي التعاطي بإيجابية مع حركة دول الانحياز أو محاولة لاحتوائها، وهو ما دفعه إلى إدخال تحويرات ضخمة على إستراتيجيته الدولية. فمن مبدأ حتمية الحرب إلى التعايش السلمي، ومن رفض الحياد في السابق إلى تقبله ومؤازرته عبر بذل المساعدات الاقتصادية لتلك الدول بتسهيلات كبيرة، وأبدى الاتحاد السوفيتي بالفعل مؤازرته للدول غير المنحازة في حملتها ضد الأحلاف والتكتلات العسكرية الغربية والمشاركة في إدانتها كأداة استعمارية تحاول الضغط على هذه الشعوب وإكراهها على اعتناق سياسات تضر باستقلالها ولا تخدم مصالحها. أما الولايات المتحدة فقد عبرت منذ البداية عن رد فعل معادٍ لسياسات دول عدم الانحياز، وربما كان ذلك نتيجة لميلها إلى تقسيم دول العالم ما بين مؤيد ومعارض لها، بل فقد وصم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس حركة عدم الانحياز بالانتهازية واللا أخلاقية. لكن ومع تغيير الواقع الدولي في محاولة الولايات المتحدة أن تبقى قطبا أوحد في العالم، لقد أثبتت المؤتمرات الأخيرة لحركة عدم الانحياز - آخرها قمة فريق الاتصال لحركة عدم الانحياز بالعاصمة الأذرية باكو مارس الماضي - أن الواقع الدولي قد تغير كثيرا ولم تعد هناك جدوى لها. اليوم تبدو منظمة دول بريكس التي عقدت قمة لها الأسبوع الماضي بجنوب أفريقيا، استجابة لتغير الواقع الدولي المائل نحو القطبية الأحادية، حيث تضمن إعلان تأسيسها السعي لنظام عالمي ثنائي القطبية. والبريكس منظمة سياسية واقتصادية بدأت مفاوضات تشكيلها في 2006، وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ولعل الجمع بين الاقتصاد والسياسة لخصها البعض باعتبارها محاولة لإيجاد أسواق جديدة خارج إطار عمل منظومة الدولار الأمريكي، تساعد الدول المستضعفة في مواجهة ما أسموه بـ»الإرهاب الاقتصادي الأمريكي». ومع استمرار التوتر العالمي وعدم الاستقرار وتداعيات الحرب الروسية الغربية في مسرح أوكرانيا، رأت العديد من الدول التقدم للانضمام لمنظمة البريكس، فقد أعلنت جنوب أفريقيا الرئيسة الحالية للمنظمة أن أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، فيما قدمت 23 دولة طلبات رسمية بما في ذلك دول عربية. ومن المتوقع أن تشكل هذه الدول حلفا أو ناديا سياسيا فيما بينها مستقبلا. وتشكل بعضويتها الحالية ربع مساحة اليابسة، وتعداد سكاني يقارب 42% من سكان الأرض، كما تمثل نحو 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 16% من التجارة العالمية، وبهذا تنظر إلى نفسها بديلاً للهيمنة الاقتصادية الغربية. ومع محاولات البعض إيجاد توازن عالمي عبر الدبلوماسية والتأثير الاقتصادي كما يبدو في محاولات منظمة البريكس؛ تستمر من طرف آخر محاولات احداث توازن عبر القوة العسكرية التقليدية كما يجري اليوم في حرب أوكرانيا بين روسيا والغرب. ويأتي مقتل زعيم فاغنر خواتيم الأسبوع الماضي يفغيني بريغوجين في خضم تفاعلات هذه الحرب، فبينما بدا موقف الغرب بقيادة الولايات المتحدة مختلطا بين الارتياح لمقتل الرجل القوي الذي قاد أعنف العمليات العسكرية في أوكرانيا وما بين الخشية من أن تحكم روسيا قبضتها على فاغنر فتصبح أكثر تطويعا وفاعلية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سواء في حرب أوكرانيا أو مناطق النفوذ الروسي حول العالم، وفي ذات الوقت تستغل الحادث في تغذية الدعاية السياسية الغربية ضد بوتين. وما بين الدبلوماسية الناعمة وسلاح الاقتصاد من جهة، والقوة العسكرية التقليدية من جهة أخرى يبقى العالم في انتظار مصيره ومستقبله الموشح بالرؤية الرمادية.