الإيكواس.. تبعية مستترة وأدوار مرسومة كتبه د. ياسر محجوب الحسين

الإيكواس.. تبعية مستترة وأدوار مرسومة كتبه د. ياسر محجوب الحسين


08-05-2023, 02:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1691200505&rn=0


Post: #1
Title: الإيكواس.. تبعية مستترة وأدوار مرسومة كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 08-05-2023, 02:55 AM

02:55 AM August, 04 2023

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة




ماذا لو اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بالتدخل العسكري في النيجر؟ والتدخل العسكري هو أقسى قرار يتخذه المجلس ضد دولة من الدول، ويتطلب ذلك توافقا بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، لا سيما الدول الخمس المتمتعة بالعضوية الدائمة، ليس هذا فحسب بل لابد من ضمان ألا تستخدم إحدى الدول دائمة العضوية حق الرفض (الفيتو) لإحباط القرار. ومجلس الأمن الدولي هيئة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن اتّخاذ القرارات حول القضايا المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين وذلك من خلال نظام القرارات والتصويت. لكن من المفارقات أن منظمة دول «الإيكواس» وتضم 15 دولة في غرب أفريقيا، اتخذت قرارا خطيرا في أقل من 48 ساعة بالتدخل العسكري في النيجر بمهلة لا تتجاوز أسبوعا. وذلك لتحقيق طلب يدخل في فضاء المستحيلات أو اللامعقول وهو إجبار قادة الانقلاب في نيامي على التراجع عن انقلابهم وإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة. ودول «الإيكواس» التي تبدو كنمر له أنياب من ورق، كانت قد رفعت عند تأسيسها شعارَ تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول المنطقة كمدخلٍ إلى اندماج اقتصادي شامل، لكنها اليوم بدت كشرطي مطيع ليس لصالح دول القارة ولكن لصالح قوى دولية تعهد إليها بمهام تنأى هي بنفسها عنها.
صحيح أنه من الناحية السياسية هناك تأييد دولي واسع لعودة بازوم، بيد أن ذلك لا يكفي لأن ترتقي «الإيكواس» هذا المرتقى الصعب، فترفع عقيرتها بالتهديد والوعيد وعظائم الأمور. إن أي مغامرة للتدخل العسكري عمل أحمق وقفزة في الظلام تصب في هدف القوى الدولية بإشاعة الفوضى الخلاقة الهادفة لإعادة تشكيل وترتيب دول المنطقة بما يتناسب مع المصالح الإستراتيجية لتلك القوى. إن الإجراءات التي اتخذتها «الإيكواس» في المجال الاقتصادي والتجاري، مفهومة وإن كانت في سياق سياسي والتي تشمل تعليق التبادل التجاري وإغلاق المجال الجوي لدولها أمام النيجر، غير أن قرار التدخل العسكري بدا غير واقعي وغير ممكن بل يعتبر صبا لمزيد من الزيت على نار الوضع المضطرب. مع الإشارة هنا إلى أن دولة عظمى مثل روسيا قد أبدت اعتراضها على هذا الاتجاه وقالت وزارة الخارجية الروسية إن التهديد باستخدام القوة ضد النيجر لن يسهم في تسوية الصراع. وهذا يشير إلى أنه حتى مجلس الأمن الدولي أعلى سلطة دولية لن يكون قادرا على إصدار قرار بالتدخل العسكري في النيجر باعتبار روسيا عضوا دائما له حق استخدام حق (الفيتو) ضد أي قرار في هذا الاتجاه. وليس كل دول «الإيكواس» على قلب رجل واحد فهناك دولا أعضاء في المجموعة تعترض على قرار التدخل العسكري، فقد حذرت كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري من أي تدخل عسكري ضد النيجر، بل إن بوركينا فاسو ومالي اعتبرتا أن أي خطوة كهذه ستعد بمثابة إعلان حرب ضدهما أيضا. حتى العقوبات التي فرضتها المجموعة على النيجر كانت محل إدانة من حكومتي مالي وبوركينا فاسو، معتبرة إياها غير شرعية وغير قانونية وموجهة ضد شعب النيجر، حسب البيان.
وبالرغم من أن الانقلاب الذي وقع على الرئيس بازوما ولم يشهد لحسن الحظ سقوط قطرة دم واحدة؛ فإن بازوما ظل يتمتع بهامش مقدر من الحركة الأمر الذي مكنه من التواصل مع العالم الخارجي بما في ذلك رؤساء دول وحكومات بل كتب مقالا في الواشنطن بوست محذرا - ربما مستجديا التدخل - فرنسا ودول الغرب من تمدد روسي محتمل في أفريقيا، وكأنما يحذر من استبدال هيمنة غربية على أفريقيا بأخرى روسية. فهو غير مقتنع بقدرة وفعالية تهديدات "الإيكواس" بالتدخل العسكري لإعادته للسلطة، وإنما يتطلع إلى الكفيل الرئيسي وليس إلى الوكيل.
«الإيكواس» اسم يطلق على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي تكتل يضم 15 دولة، وهي: النيجر، نيجيريا، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، غانا، ساحل العاج، توغو، غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، بنين، وجمهورية الرأس الأخضر. وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو في المجموعة لكن أعلنت انسحابها في ديسمبر 2000. وترى هذه الدول أنه تجمع بينها روابط ثقافية وجغرافية ومصالح اقتصادية مشتركة، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة أبوجا، عاصمة نيجيريا.
إن التجمعات الإقليمية والقارية لدول المنطقة تبدو في أهدافها التأسيسية وأطرها النظرية استجابة مهمة لحاجات دول المنطقة الإستراتيجية للتنمية والتعاون والانعتاق من تداعيات الحقبة الاستعمارية شديدة العصف بالمنطقة وشعوبها، لكن هذه التجمعات سرعان ما تتحول لحصان طروادة يحمل في جوفه الاستعمار في وجه الجديد وأساليب مبتكرة.
لقد ظل نَهم القوى الدولية للاستيلاء على ثروات أفريقيا سلوكا ممتدا لا ينقطع عبر حقب تاريخية ماضية وفي حاضر مثقل بوسائل خبيثة، ولا يقف ذلك خارج حدودها الجغرافية فحسب، بل حتى إلى خارج أطرها الثقافية. وما التخلف الذي تعيشه أقطار القارة الأفريقية إلا نتاجاً لتراكم أوضاع تاريخية مرتبطة بدخول الاستعمار إلى القارة. فالتخلف الاقتصادي ليس بسبب نقص الموارد الطبيعية؛ ولكن بسبب عجز الحكومات الأفريقية بعد الاستقلال عن إدارة الموارد التي تزخر بها القارة لأن بعضهم ارتضى دور وكيل الاستعمار.
ولا يمكن الزعم بأن النظم السياسية التقليدية في أفريقيا ما قبل الاستعمار كانت نظماً ديمقراطية بالمفهوم الغربي الحديث، لكنها كانت ملائمة على الأقل لطبيعة القارة ولم ينتج عنها تلكم الإشكاليات الماثلة لا سيما غلبة الانقلابات العسكرية. لقد كتب بعض المثقفين من أبناء القارة مشيدين بالنظم التقليدية؛ لكن ذلك ربما كان بدافع الرد على نظرائهم من المستعمرين الذين حاولوا إيجاد مبررات أخلاقية للاستعمار، مثل جون إستيوارت ميل الذي كان يرى الاستعمار من باب الحسنات أينما وجد الاستبداد في الحكم، وهو أمر وصمت به نظم الحكم التقليدية في أفريقيا زوراً وبهتاناً في نظر أبنائها.