هناك تساؤل يطرحه جميع من يناصرون الجيش وهم في الغالبية من الإسلاميين والشماليين، لا من الشرق ولا الغرب ولا الجنوب، لأن كل هؤلاء الأخيرين إنكووا بنار الجيش. السؤال هو سؤال فيه نوع من التذاكي ولكنه تذاكي الجهلاء، ويطرحونه متسائلين: - هل سيطبق حميدتي الدموقراطية فعلاً بعد كسب الحرب؟ الإجابة: نعم. ليس لأن حميدتي محب للدموقراطية، بل لأنه سيكون مرغماً على أن قبول فرض النظام الدموقراطي. لأن الحرب الراهنة، هي تطبيق مباشر للحرب الأهلية الامريكية على السودان. الحرب الأهلية الأمريكية وقعت بين الشمال الأمريكي الليبرالي الرأسمالي والجنوب الارستقراطي الذي ظل يعيق الانفتاح والتوجهات الليبرالية. شمال السودان يعتبر بمثابة الجنوب الامريكي، فالشماليون ظلوا يعرقلون تأسيس دموقراطية مستدامة يمثل فيها الشعب عبر برلمانييه. ظلت البيوتات الدكتاتورية الشمالية بالإضافة إلى الأحزاب العقائدية الأخرى، ترفض اي نتائج لصندوق الاقتراع وتنقلب على الدموقراطية عبر ضباط العسكر من الشمال، عبود ونميري والبشير وابنعوف والبرهان. وكانت كل حقبة قصرت أو طالت، تأتي ببيوتات شمالية جديدة. ويظهر مليونيرات جدد، ويتحالف المال مع السلاح، ويظهر آل داوود وآل ابراهيم الشيخ وآل برطم وآل البشير وآل علي عثمان...الخ. لذلك وقفت هذه القوى الشمالية ضد دخول بيت جديد وهو آل دقلو لأن دخول آل دقلو لا يتم تحت حماية شمالية كالمعتاد، فليسوا مثلاً كآل دينار، أو آل مادبو أو غيرهم ممن تمت صناعتهم كممثلين عن الغرب ولكن تحت بيت الطاعة الشمالي، فآل دقلو يدخلون -ولأول مرة في تاريخ السودان- كأسياد، وهذا ما هدد العروش التاريخية ووضعها في مواجهة حتمية وجودية، مسألة حياة أو موت. ظل الشماليون يعرقلون كل تحول دموقراطي، بل ليس هذا فقط، فهم يعرقلون حتى سن قوانين تفضي إلى ترتيب البيت السوداني من الداخل، وتمنع الفساد، وتعضد متانة المؤسسات العدلية والإدارية والمالية والمحاسبية في الدولة. لأنهم لا يستطيعون الاستفادة من نفوذهم في ظل دولة محترمة يخضع فيها الجميع (حكاماً ومحكومين) لحكم القانون. فالقانون هو أول عدو لكل تلك البيوتات والأسر التي حكمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يبدو لي أن المجتمع الدولي قد أدرك ذلك، وقرر التخلص من سيطرة الشماليين على الحكم، وبدأ ذلك عبر الثورة، ثم هذه الحرب، التي يجب أن تنتهي بانتصار حميدتي، ثم فرض النظام الدموقراطي على كامل الدولة. وذلك تحت حماية جيش قومي قوامه الدعم السريع وليس جيش الشماليين الذي ظل ذراعاً للانقلابات وقتل المدنيين في حروبه العبثية التي استمرت منذ الاستقلال وحتى اليوم. نعم حميدتي سيُجبر على حماية النظام الدموقراطي، لأن النظام العالمي الجديد لم يعد يتحمل الأنظمة الدكتاتورية، ولا فساد وفوضى أحزاب الشمال التي ظلت أكبر عائق ضد تطور الدولة من كل النواحي. إن إنسان الشمال -بصفة عامة وبدون أي عنصرية- لم يتمتع أبداً بالعقل المبدع والذي يستطيع أن يتجاوز أنانيته، وتمركزه حول نفسه، هو ليس عقلا رعوياً، بل عقلا فلاحياً (عقل الفلاحين الجنوبيين الأمريكيين) الذين كان من الواجب على القوى الليبرالية أن تنهي وجودهم عبر الحرب الأهلية الأمريكية خلال أربع سنوات. وأعتقد أن الحرب الحالية في السودان ستستمر كذلك لأربع سنوات حتى يتم التخلص من سيطرة العقل الفلاحي الشمالي على السلطة والثروة، قبل أن يضطر الجميع إلى القبول بالنظام الدموقراطي المسيطر عليه مركزياً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة