Post: #1
Title: السودان.. الجيش والدولة وجهان لعملة واحدة كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 06-16-2023, 11:01 PM
11:01 PM June, 16 2023 سودانيز اون لاين د. ياسر محجوب الحسين-UK مكتبتى رابط مختصر
أمواج ناعمة
تضمنت مقاربة الأزمة السودانية الماثلة عوامل ومتغيرات مهمة وهي تصب في صالح تضاؤل فرص نجاح مخططات تفكيك الدولة السودانية وهزيمة جيشها الوطني؛ فقد انتقل الجيش السوداني لمرحلة الهجوم والعمليات النوعية وصولا للقضاء على جيوب مليشيا الدعم السريع التي تحولت لعصابات سرق ونهب واغتصاب، وفي موازاة ذلك دخل المواطنون السودانيون ميدان المعركة دفاعا عن ممتلكاتهم وأعراضهم نفيرا وفزعة. ووسط صمت دولي مريب ودعم إقليمي آثم واصلت مليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية فظاعاتها وجرائمها ضد الإنسانية، آخرها اغتيال والي ولاية غرب دارفور المتاخمة للحدود مع تشاد، حين اقتادته إلى مقر قيادتها وقتلته بأبشع صورة ومثّلت بجثته. والمدهش أن كل ذلك كان موثقا بهواتف منسوبيها وهم يحتفلون بنصر (مؤزر) على رجل أعزل وهو يقوم بمسؤولياته تجاه ولايته المأزومة بانتشار عصابات المليشيا المتمردة. وكشفت الادانات الدولية والإقليمية الاجندات والتحيزات لصالح استمرار الفوضى المفضية لتحقيق هدف تفكيك الدولة الوطنية في السودان. فقد التزمت الولايات المتحدة الأمريكية موقفها المريب واكتفت بالقول بأن طرفي النزاع مستمران في انتهاكاتهما، بينما أضافت البعثة الأممية في السودان برئاسة فولكر بيرتيس الذي اعتبرته الخرطوم شخصا غير مرغوب فيه، في معرض تعليقها على اغتيال الوالي تعبير (المليشيات العربية) بجانب (قوات الدعم السريع) وفي ذلك استمرار لمحاولات ما يسمى بالمجتمع الدولي لتغبيش الواقع فليس من فاعل مجرم غير مليشيا الدعم السريع وهي من أعترف على نفسه دون أن يتكلف أي طرف آخر لإثبات الجرم عليها. ولعل اقحام مصطلح (المليشيات العربية) مقصود منه زرع وتأجيج الفتنة بين مكونات الاقليم، فالمجرم هي مليشيا الدعم السريع وهي بالضرورة لا تمثل العرب ولا تمثل حتى قبيلة قيادتها، وافعالها مدانة من كافة المكونات. كما لا يمكن الجزم بأن أي مليشيا مسلحة اخرى بأنها تمثل عرقية بعينها وتتحمل أفعالها. كما كشف هذا الاغتيال البشع هشاشة الاتفاقات السياسية التي يتم التعويل عليها للحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في الدولة السودانية؛ إذ أن الوالي المغدور كان رئيسا لإحدى الفصائل المتمردة السابقة والموقعة على اتفاق سلام جوبا وتولى منصب الوالي بناءً على هذا الاتفاق والمدهش أن من وقع الاتفاق كان قائد مليشيا الدعم السريع الشهير بـ"حميدتي". اليوم تتزاحم على أبواب الخرطوم وساطات ومبادرات دولية وإقليمية تحمل في مجملها شرا وكيدا للدولة السودانية وتتفق في مجملها على هدف انقاذ مليشيا الدعم السريع ومحاولة إعادتها للمشهد السوداني؛ إذ ظلت تمثل مخلبا للانقضاض على الجيش الوطني الذي ظل حاميا وحافظا لكيان الدولة السودانية واستهدافه بالضرورة استهداف للدولة في مجملها. وتتسارع هذه المبادرات الملغومة مع تسارع خطى الحسم التي يخطوها الجيش السودان على أرض المعركة. وتعلم القوى المتربصة الدافعة لهذه الوساطات بأن التفاوض مسار مغلق وأنه ليس أكثر من فخ وصناعة بيروقراطية بهدف تعطيل تقدم الجيش السوداني، ومنعه من قطف ثمار الانتصار العسكري التي بانت مؤشراته. ولم تتوان الخارجية السودانية في إبلاغ الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) التي تقود مبادرة إفريقية، رفضها بشكل رسمي رئاسة كينيا للجنة أزمة السودان باعتبارها طرفا غير محايد وله علاقة مصلحية قوية بمليشيا الدعم السريع التي بذلت من قبل أموالا طائلة في شراء ذمم بعض القادة في دول أفريقية عدة. مع تعقد الموقف الدولي واستمرار الحرب في أوكرانيا يجد الجيش السوداني نفسه وسط بحر متلاطم من الذئاب الصغيرة والكبيرة، بدون ظهير إقليمي أو دولي ولذلك بدا ما حققه من تقدم كبير على أرض المعركة نوعا من المعجزة وهو قادر على الصمود في ظل هذه الظروف لعدة سنوات قادمة فهو يعد ثالث جيش في افريقيا مكتفٍ ذاتيا من التسليح بفضل منظومة التسليح الحربي التي أنشئت مع بدايات القرن الحالي. فلولا دخول تركيا بقوة ظهيرا للحكومة الشرعية في ليبيا لاكتسحت القوات المتمردة بقيادة خليفة حفتر كل الأراضي الليبية ولولا أن حشدت أريتريا قواتها شمال إقليم التغراي لما حققت الحكومة الأثيوبية نصرا على جبهة تحرير شعب التغراي بعد حرب استمرت عامين ولم تضع أوزارها إلا في نوفمبر الماضي. إنه يعوّل على الجيش السوداني بعد انجلاء غبار المعركة أن يطلع بادارة فترة انتقالية بمعاونة شخصيات مدنية مستقلة على غرار ادارة الفترتين الانتقاليتين ما بعد أكتوبر 1964 وأبريل 1985 ولا مجال لتكرار خطأ اشراك القوى الحزبية فيما بعد ابريل 2019 الأمر الذي أحدث كل هذا الاضطراب في المشهد السياسي السوداني مما قاد إلى الأزمة الحالية. لقد أثبتت التجارب أن كثيرا من العلمانيين الداعين زورا للديمقراطية، لا يمثلون سوى أحزاب، ممارسة السياسية عندها ممارسة استبدادية، وأن جُل همهم رفض وقمع الآخر المخالف في الفكر السياسي، والعلمانيون الشرقيون على سبيل المثال في تركيا في عقود سابقة، استعملوا فوهات المدافع صوب الصناديق التي رشَّحت مناوئيهم. ونفس الحال في ممارسات حكومات دول عربية ومسلمة تتبنى النهج العلماني، فإنها لا تقبل بوجود تعددية إذا كان خصومهم طرفاً فيها، بل هناك أحزاب علمانية لم تصل إلى السلطة بعد، تدعو إلى منع قيام أحزاب بصيغة تخالف توجها المعادي للدين، وعدم إعطاء الشرعية القانونية والمظلة الدستورية لها. على الرغم من أن في الغرب العلماني أحزابا دينية لها هياكل ومؤسسات ديمقراطية واضحة من القمة إلى القاعدة في داخلها، وفي ممارسة السلطة خارج إطارها، مثل الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، والحزب المسيحي الديمقراطي الإيطالي. إن من يريد معرفة حقيقة مأساة الوضع العربي، كفي به التأمل بحسرة في عجز المنظومة العربية ليس عن القيام بفعل إيجابي فحسب، بل بغياب تام عن المسرح إقليميا قبل أن يكون دوليا. فالجامعة العربية اليوم أبعد ما تكون عما يجري في السودان العضو الأصيل فيها.
|
|