لاجئو السودان.. ضرب غرائب الإبل كتبه د. ياسر محجوب الحسين

لاجئو السودان.. ضرب غرائب الإبل كتبه د. ياسر محجوب الحسين


06-10-2023, 02:14 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1686359660&rn=0


Post: #1
Title: لاجئو السودان.. ضرب غرائب الإبل كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 06-10-2023, 02:14 AM

02:14 AM June, 09 2023

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة




لا تمثل المناطق المتأثرة بالحرب في السودان إلا أقل من 3% من المساحة الكلية للقطر المترامي الأطراف، وهي محصورة في العاصمة الخرطوم وبعض المناطق المحدودة في ولايتي كردفان ودارفور المتجاورتين في غرب البلاد، ويصل مجمل السكان المتأثرين بالحرب إلى نحو أقل من 10 ملايين من 40 مليونا هم مجمل تعداد سكان البلاد. ومن بين 10 ملايين بلغ عدد النازحين إلى مناطق أخرى داخل القطر نحو مليونين منهم نحو أقل من نحو 300 ألفا من الفارين إلى خارج البلاد. ومع هذه الأعداد القليلة من ميسوري الحال والتي فضلت الفرار خارج البلاد إلى أن تنقشع سحابة الحرب، إلا أن كثيرا من ذوي القربى من الدول المجاورة والبعيدة نسبيا قد صدت أبوابها في وجوههم إما بفعل مباشر أو بتعقيد إجراءات الدخول إليها بل يتم إرجاع من وصلوا لمنافذ الدخول. وغدا السودانيون الفارون كغرائب الإبل تضرب ضربا موجعا ويحال بينها وبين ورود أحواض السقاية. ويحدث ذلك وهذه الدول على علم ودراية بميثاق اللاجئين الذي يمنع طرد أو إرجاع لاجئ إلى حدود أو مناطق قد تكون حياته فيها عرضة للخطر.
لقد ظل السودان عبر عقود طويلة ملجأ لملايين الناس من دول الجوار ومن غيرها من أقاصي الدنيا، ولم يكن هذا الاحتضان بسبب قدرة اقتصادية ووفرة مادية ولكن كان أساسه المتين الأخلاق السودانية المرحبة بالضيف والآوية برفق لكل مكلوم ومحسور ومكسور. ولذلك نجد أن الملايين التي نزحت إلى الداخل في بقية أجزاء السودان لم تقم لهم مخيمات معزولة وإنما شاركوا أهاليهم وإخوانهم في الوطن مساكنهم وأكلهم وشربهم. أما ضجيج المساعدات الخارجية المرسلة إلى البلاد لم يصل أسماع المتضررين دعك من أن يصلهم طحينها الذي لا أثر له. فعلى سبيل المثال لن تصل المساعدات الطبية إلى مستحقيها والمستشفيات والمرافق الصحية محتلة من قبل مليشيات الدعم السريع الإرهابية. وما دام الوسطاء غير قادرين على اقناعهم بالخروج منها وإدانة هذا السلوك الهمجي. تقول كارلا درايسديل المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن أرقام وزارة الصحة السودانية تفيد بمقتل 705 أشخاص وإصابة 5287 بجراح منذ اندلاع القتال. ووثـّقت منظمة الصحة العالمية وقوع 34 هجوما على المرافق الصحية مما أدى إلى وقوع 8 قتلى بين العاملين في المجال الصحي. وأفادت كارلا درايسديل بأن أكبر عوائق توفير الرعاية الصحية ما زال يتمثل في نهب الإمدادات الطبية واحتلال المرافق الصحية من أفراد عسكريين.
لقد ظلت أعداد اللاجئين في السودان تتزايد باستمرار خلال العقود القليلة الماضية من دول الجوار ومن غيرها بسبب الصراعات والحروب والنزاعات والفقر والبطالة وطلب الهجرة، مما حمّل البلاد أعباءً كبيرة انعكست على مستوى معيشة المواطن السوداني ومستوى الخدمات المقدمة له. ونتج عن ذلك ارتفاع معدلات الجريمة ولعل أعمال النهب المستمرة التي تعقب نهب المليشيا المتمردة للمؤسسات والبيوت تستمر لتقضى على ما تبقى، بواسطة اللاجئين من دول الجوار فضلا عن أن أعدادا مقدرة من أفراد المليشيا هم أجانب استغلت حاجتهم المليشيا وجندتهم في صفوفها.
لا تستطيع الأمم المتحدة ومنظماتها تجاوز ما ظل يقدمه السودان للاجئين إليه؛ حيث تقول المفوضية السامية للاجئين بأن للسودان تاريخا راسخا على صعيد حسن ضيافة اللاجئين وطالبي اللجوء. وسبق أن نوّه المفوض السامي والمبعوث الخاص للأمين العام للشؤون الإنسانية منذ سنوات بكرم السودان في استقبال لاجئين من دول الجوار. وقال بعد زيارة لمواقعهم المختلفة: «نحن ممتنون للغاية لحكومة وشعب السودان على كرم الضيافة». وللشعب السوداني مواقف ايجابية مشهودة تجاه اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين اعتبرهم السودان ضيوفا وليسوا لاجئين خلافا لباقي الدول ولم تفرض السلطات السودانية عليهم تأشيرة دخول مسبقة، بل كفلت لهم حق الإقامة والتعليم والعمل.
المفارقة أن مليشيا الدعم السريع التي تتسبب في الكارثة الحالية كان قد اختارها الاتحاد الأوروبي ووقع معها اتفاقا في 2016 عبر الحكومة السودانية لمساعدته في منع المهاجرين من الوصول إلى شواطئ أوروبا انطلاقا من الحدود الشمالية الغربية للبلاد قبالة الحدود السودانية الليبية التي تعد المعبر الأساسي للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من السودان ودول القرن الأفريقي، وذلك مقابل ملايين الدولارات التي ساعدت في تضخمها وتزودها بالأسلحة المختلفة. والمدهش أن هذه المليشيا ظلت تقوم بانشطة غير قانونية تمتد من التهريب نفسه إلى تجارة المخدرات مرورا بأنشطة أخرى متعددة منها الارتزاق بالبندقية في مهام خارج البلاد على طريقة مجموعة فاغنر الروسية.
والعالم الغربي الذي يعتمد النهج الميكافلي في تحقيق مصالحه بغض النظر عن المبادئ والقيم التي يرفعها شعارات براقة ويغنيها أناشيد طروبة، لا يتوانى في التعاطي مع دول يصفها بالمارقة ويصنفها إرهابية، ومن ضمن العجائب تحذير دائرة السياسة الخارجية بالمفوضية من الإضرار بسمعة الاتحاد الأوروبي، بسبب ذلك الإتفاق لأن المحكمة الجنائية الدولية تلاحق قيادات سودانية بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور وقد يكون من بينهم قائد مليشيا الدعم السريع الشهير بـ»حميدتي».
إن للأزمة السودانية نصيبا وافرا من أزمة الضمير العالمي والنفاق الدولي، ففيما تخاطب الولايات المتحدة الجيش السوداني الذي يتحمل صابرا تحدى إنهاء التمرد والفوضى في الخرطوم، وتقول له ان الحرب لن تحسم الصراع، بينما تدعو من جهة أخرى إلى حسم الصراع في أوكرانيا عسكريا وظلت تغذي لهيب الحرب هناك بمزيد من صب الزيت عليها بتزويد أحد طرفيها بكل أشكال الأسلحة الفتاكة والمميتة. أما مسؤولو الأمم المتحدة ومنهم المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتيس الذي طردته ظلوا يلعبون على مسرح نفاق السياسة الدولية، بينما تستمر الأزمات الدولية والحروب المستعرة تطحن الشعوب المستضعفة. فإن كانت المنظمات الدولية تمثل الضمير العالمي وأهمها الأمم المتحدة؛ فهي لم تعد سوى قصر مشيد وبئر معطلة.