انقلاب البرهان: هل يضيع حلم التحوّل الديمقراطي؟

انقلاب البرهان: هل يضيع حلم التحوّل الديمقراطي؟


11-08-2021, 10:20 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1636363247&rn=0


Post: #1
Title: انقلاب البرهان: هل يضيع حلم التحوّل الديمقراطي؟
Author: طه داوود
Date: 11-08-2021, 10:20 AM

09:20 AM November, 08 2021

سودانيز اون لاين
طه داوود-
مكتبتى
رابط مختصر



انقلاب البرهان: هل يضيع حلم التحوّل الديمقراطي؟

بقلم / طـه داوود
samoibal@yahoo. com

يوم الاثنين الموافق للخامس والعشرين من اكتوبر ٢٠٢١م، كان يوماً استثنائياً في سماء السودان، حيث اقتحمت القوات الأمنية، والناس نيام، المقار الحكومية ومقار هيئة الاذاعة والتلفزيون فاحتلتها واقتحمت بيوت أعضاء الحكومة ورئيسها وساقتهم إلى المعتقلات، ليذيع الفريق عبدالفتاح البرهان بيانه الأوّل الذي تعهّد فيه بتصحيح مسار الحكومة الانتقالية وتأمين الطريق نحو التحول الديمقراطي!
لا شك في أن الفريق البرهان استغل الوضع المأزوم الذي وصلت إليه البلاد بعد مرور أكثر من عامين على الحكومة الهشـة للدكتور عبدالله حمدوك الذي ظل يكرر وعوده بأننا (سنعبر وسننتصر)، دون تحقيق إنجاز ملموس على أرض الواقع، مما عزّز الشعور لدى المواطن العادي بأنّ حكومته المدنية أعجز من أن تجد حلاً للإخفاقات والاختناقات التي ألقت بظلالها على الجميـع.
منطقياً، نستطيع القول أنّ المكوّن العسكري لم يكن جزءاً من ثورة ديسمبر وإنما كان جزءاً من النظام البائد حتى سقوطه في ابريل ٢٠١٩م، فاضطرت القيادة العسكرية إلى اللحاق بقطار الثورة للنجاة من الطوفان وللعمل على تعطيل الفترة الانتقالية لاحقاً، وهذا ما حدث بأساليب مختلفة قبل تتويج كل ذلك بانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م.
هذا الموقف المناهض من طرف القادة العسكريين لثورة التغيير، ولو بصورة مستترة، لم يكن غائباً عن أذهان الثوار، ولكنه كان غائباً عن أذهان أحزاب قوى الحرية والتغيير وعن ذهن الحكومة المدنية، شركاء العسكر في الفترة الانتقالية.
حدث انقلاب الفريق البرهان في ظل أجواء متوترة وأزمة اقتصادية غير مسبوقة وتنافُر في العلاقة بين مكوّنات الحكومة المختلفة، ليُدخِل البلاد في متاهة جديدة أعادت الشعب إلى الشارع والمسيرات والاعتصامات التي قوبلت من طرف الأحهزة الأمنية بالغاز والرصاص.
هناك عوامل كثيرة ساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في إعادة البلاد إلى هيمنة العسكر. من بين تلك العوامل، غياب التوافق بين قوى الحرية والتغيير وخروج بعض الأحزاب المؤثرة من تحت مظلة قوى الحرية مما أضعف من صوتها وقدرتها على التأثير في المشهد السياسي.
أيضا، الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها المواطن، والتي تفاقمت بعد قفل الناظر محمد الأمين تِرِك وأتباعه لموانئ بورتسودان وللطرق البرية التي تربط المينـاء ببقية أقاليم البلاد.
لا شك في أن الأزمات والعوامل السابق ذكرها، وبالأخص الخلافات الحزبية للحاضنة السياسية، كان لها تأثيرها الكبير في إخفاق حكومة الدكتور حمدوك في الوفاء بالتزاماتها تجاه الوطن والمواطن، ومن ثمّ ساهمت من حيث لا تدري في إيجاد (قميص عثمان) الذي كان يبحث عنه الفريق البرهان لتبرير انقلابه.
يضاف إلى كل ما سبق من عوامل الإخفاق الحكومي، شخصية رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك. لا يختلف إثنان في إيمان الدكتور حمدوك بثورة ديسمبر المجيدة، ولكنه ليس رجل المرحلة.
عملية الانتقال والتحوّل من نظام سياسي دكتاتوري لا يسمح بالحريات ولا يقبل بالرأي الآخر ويقمع التظاهرات السلمية، إلى نظام مناقض لكل ما ذُكِر، مثل هذا التحوّل ليس سهلاً ، ويحتاج الى قيادة سياسية براغماتية، ملتصقة بنبض الشارع وقادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وقد يكون هذا القرار راديكالياً، ولكنه مهم في تأمين الثورة وفي تأمين المرحلة الانتقالية وفي تأمين التحول الديمقراطي.
التعامل مع المكوّن العسكري كان يتطلّب منذ البداية، استحضار الصعوبات والعراقيل التي ستكون حاضرة، وأن يكون واضحاً للمدنيين أنّ طموحات الجانب العسكري ليس لها حدود، وأنّ إمكانية تقويض الشراكة واردة متى ما تهيئت الفرصة، وقد يسعى أحد الطرفين إلى تهيئة الفرصة المنتظرة من حيث لا يدري، وهو ما حدث في فجر ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م.
أعطت الوثيقة الدستورية رئيس الحكومة المدنية صلاحيات واضحة في ملف السلام على سبيل المثال، ومنحته الصلاحية في إقالة الوزراء، بل وفي حل الحكومة برمتها. ومع ذلك نجد أن د. حمدوك تنازل عن ملف السلام لصالح المكوّن العسكري! فاستغل العسكريون الفرصة الذهبية لعقد صفقة سلام مع معظم حركات الكفاح المسلّح بما يضمن تفوقهم على شركائهم المدنيين.
أيضاً، كان بمقدور الدكتور حمدوك القيام بقراءة مستقبلية عن الخلافات المتعاظمة بين أطراف الحاضنة السياسية، وأنّ هذه الخلافات ستنعكس سلباً على أداء طاقمه الوزاري، وهي قراءة ضرورية، ستدعم رئيس الحكومة لاتخاذ بعض القرارات الجريئة لإزالة المخاطر، ولو اقتضى ذلك إعفاء بعض الوزراء الذين يشكل وجودهم عبئاً على مسيرة التحول الديمقراطي.
إن تفويت الفرصة على خصوم الثورة ليس ضعفاً بقدر ما هو قراءة جيدة لمآلات الأمور، وأن الضغوط المتواصلة من مناهضي التغيير لا يجب أن تصرف أنظار الحكم المدني عن الأهداف العليا لثورة ديسمبر المجيدة في الحرية والسلام والعدالة.
وجود سيرة ذاتية موشحة بالمناصب الرفيعة والانجازات المهنية والجوائز لا تعني أن حاملها سينجح في المنصب الوزاري، الذي هو منصب سياسي بامتياز، مربوط بارادة شعبية، يؤثّر ويتأثّر بقاعدة جماهيرية عريضة.
الفترة الانتقالية التي أفرزتها ثورة ديسمبر كانت تحتاج الى حكومة في قامة الثورة، حكومة يقودها رئيس (ميداني) لا (دواويني) ، رئيس يستمد قوته من ملايين الثوار الذين وثقوا فيه وفوّضوه لقيادة سفينة ديسمبر العملاقة دون تعريضها لأمواج المكوّن العسكري العاتية.
استغل البرهان أخطاء وخطايا حكومة الدكتور حمدوك وحاضنتها السياسية (قحت) التي فشلت في الابتعاد عن شرور المحاصصة وفشلت، كما الدكتور حمدوك، في إدارة دولاب الحكم وفشلت في تكوين المجلس التشريعي وغيره من مؤسسات الحكم للفترة الانتقالية.
لا أحد يؤيد عودة العسكر إلى المشهد السياسي بهذا الانقلاب المكشوف الذي لن يجد له قاعدة شعبية ذات شأن، فمعظم الجماهير مع ثورة ديسمبر واستحقاقات ثورة ديسمبر، ولكن، وتأسيساً على مضمون هذا المقال، ينبغي علينـا جميعاً النظر في الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذا الإخفـاق، وعلينا القيام بقراءة نقدية لملف الحكومة المدنية طيلة العامين الماضيين للاستفادة من كل ذلك في مستقبل الأيام.
ختاماً، ووفقـاً لرؤيـة بعض المراقبين، فإن ما بعد ٢٥ أكتوبر لن يكون كما قبله، ومع ذلك يمكن التأكيد في هذا المقام بأن جماهير الثورة المصدومة من الخطوة الانقلابية التي سعت إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لن يصيبها الإحباط، ولن يجـد اليأس طريقه الى قلوب الثوار..
التحية،،