احداث شمال دارفور: إبتزاز المؤسسة العسكرية واللعب بنيران الانفلات الامني بقلم:خالد مختار سالم

احداث شمال دارفور: إبتزاز المؤسسة العسكرية واللعب بنيران الانفلات الامني بقلم:خالد مختار سالم


08-10-2021, 03:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1628606319&rn=0


Post: #1
Title: احداث شمال دارفور: إبتزاز المؤسسة العسكرية واللعب بنيران الانفلات الامني بقلم:خالد مختار سالم
Author: خالد مختار سالم
Date: 08-10-2021, 03:38 PM

02:38 PM August, 10 2021

سودانيز اون لاين
خالد مختار سالم-كندا
مكتبتى
رابط مختصر




[email protected]

١٠ / ٨ / ٢٠٢١م

لفترة من الزمن الان ، استشرت حالة انفراط عقد الامن بشكل مفرط في مناطق مختلفة في السودان. والملحوظ ان هذه الاحداث تتصاعد كلما ارتفعت اصوات مطالبة باصلاح المنظومة الامنية والعسكرية في السودان واخضاعهم للاشراف المدني. الغريب في هذا الامر ان واجب حفظ الامن والحفاظ عليه هو دور اصر المكون العسكري على احتكاره والقيام به في كل الوثائق المؤسسة للفترة الانتقالية.

خلال الاسبوع الماضي، شهدت منطقة "كلوقي" بولاية شمال دارفور احداث مؤسفة، نتيجة لهجوم حدث على قوات مشتركة مكونة من الحركات الموقعة على سلام جوبا كان قد تم تم ارسالها من قبل حكومة شمال دارفور لحفظ الأمن في قرية “قلاب” والمناطق المجاورة لها والتي كانت قد شهدت هجمات مجهولة في الأيام التي سبقتها أدت الى خسائر في الارواح واعداد متفاوتة من الجرحى بالاضافة الي نزوح عشرات الأسر من منازلهم. تعرضت هذه القوات الى كمين من نفس المجموعات المسلحة التي اعتدت على مواطني قرية قلاب في الأيام الماضية، ودخلت معها في اشتباك ادى الى مقتل عدد اخر وعدد اكبر من الاصابات.

تزامنت كل هذه الاحداث مع تصريحات العميد الطاهر ابو هاجة المستشار الاعلامي لرئيس مجلس السيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، في مقاله عن "عيد الجيش" الذي يتحدث عن وضع الجيش في المعادلة السياسية. ويدعو فيه بوضوح الي وضع اعتبار خاص للجيش في المعادلة السياسية وضمان دور سياسي دائم للمؤسسة العسكرية يتم النص عليه دستوريا. باعتبار ان هذه هي ( المعادلة التي تدعم تلاحم اللحمة الوطنية وتحفظ أمننا القومي بكل بعده الاستراتيجي) على حد تعبير ابو هاجة.

يتحدث ابو هاجة في عضم مقاله عن عقبة الامكانيات والتمويل التي تعطل تنفيذ اتفاق جوبا -ولعله يعني بذلك اتفاقية الترتيبات الامنية مع حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا ولا ينسى ان يؤكد ايضا على جزمه بتبجيل واحترام هذه الحركات للقوات المسلحة- ولكنه لا يحدثنا عن الاموال التي يتم صرفها على تقوية وانشاء مليشيات جديدة تزيد من حالة عدم الاستقرار الامني مثل (تمازج) التي تمولها استخباراتهم العسكرية في تكرار بليد لما حدث في تجارب انشاء القوات الصديقة ابان حرب الجنوب، وقوات فاولينو ماتيب، وحرس الحدود وقوات مجلس الصحوة (موسى هلال) والدعم السريع، وفي كل مرة كان الجيش يخلق العامل الذي يزيد من تعقيد المعادلة السياسية في السودان.

مقال ابوهاجة المتزامن مع احداث كلوقي، يكاد به المريب ان يقول خذوني. وخصوصا مع تكرار مثل هذه التصريحات التي تطالب اما بتفويض الجيش للحكم او منحه صلاحيات اكبر للعمل السياسي، والتي تأتي متزامنة مع الاضطرابات الامنية في الخرطوم والشرق وكردفان ودارفور. وتأتي هذه التصريحات من اطراف ومستويات متعددة في مؤسسة الجيش السوداني، لا تبدأ بادارات الاعلام العسكري ومعاشيي العسكر وجدادهم الالكتروني ولا تنتهي برئيس مجلس السيادة الجنرال البرهان نفسه. دون اي شرح لماذا يعني هذا التفويض، غير ما يتبادر الي الذهن من تكرار لتجربة السيسي المصرية!

من البديهي معرفة من الذي قام بهذه الهجمات في كلوقي، فمن تم الهجوم عليهم هم قوات مشتركة لاحد اطراف النزاع المسلح التي تملك السلاح في دارفور، بالتالي فان المتهم الاول هو الطرف الاخر، القوات المسلحة التابعة لمؤسسة الجيش السوداني. ويدعم هذا الاستنتاج النسق المعتاد الذي تكرر متزامنا مع تصريحات سياسية مشابهة، في احداث شرق السودان، وفي غرب كردفان وجنوب وغرب دارفور بل وحتى في الخرطوم، فكلما واجه المكون العسكري مصاعب وضغط سياسي اشتعلت احداث انفلات امني في البلاد. وايضا فان نقاط التفتيش والارتكاز العسكرية الليلية التي انتشرت في العاصمة الخرطوم دونما حسيب او رقيب ودون ان يعرف المواطنون لمن تتبع بالضبط، مصحوبة بانتشار الجرائم والانفلاتات وغياب الامن في العاصمة هي دليل اخر على ذلك.

ما يبدو واضحا للعيان ان استراتيجية العسكر السودانيين في انتزاع دور سياسي موثر لهم هي ابتزاز المدنيين بالانفلات الامني. هذا الابتزاز السياسي يأتي بعد ان اصبح واضحا عدم امكانية وفشل اي خطة تهدف لانقلاب عسكري يعيد تركيب المعادلة السياسية ويلغي الوجود المدني في السلطة ويحتكرها للعسكر. وكذلك فشلت خطط الخنق والحصار الاقتصادي الذي مارسته مؤسسات الجيش الاقتصادية والتي تحتكر اكثر من ٨٠٪ من دخل الحكومة دون خضوعها لرقابة او توجيهات او خطط وزارة المالية ومجلس الوزراء. فيما لا تزال حملة التشويه الاعلامي المنظمة للسياسيين المدنيين والتي تشرف عليها جهات خارجية وداخلية دعما للطموحات السياسية للعسكر، مستمرة ومتزايدة. وكل ذلك بغرض اجبار الثورة والثوار السودانيين على التخلي عن احد اهم اهداف ثورتهم وهو الوصول الي حكم مدني ديمقراطي مستقر في السودان.

ان هذا الابتزاز الذي يمارسه الجيش هو لعب بالنار وهو يتجاهل ان الوظيفة الاولى لاجهزة الدولة هي تقديم الخدمات للمواطنين، وليس التلاعب بمصائرهم ومعايشهم وامانهم لتحقيق مكاسب سياسية. هذا اللعب بالنار قد يتسبب استمراره بهذه الرعونة ليس فقط في ايقاف مسيرة الانتقال وعمليات الاصلاح في جوانبها المختلفة، وتعطيل قطف ثمارها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، ولكن قد يودي حتى في عودة الحرب بشكل اكثر شراسة في مناطق النزاع القديمة وانتشارها الي مناطق جديدة بشكل يهدد حتى وجود السودان كدولة.


خالد مختار سالم
استاذ الاجتماع والعلوم السياسية بجامعة ماكماستر
هاميلتون - كندا