السودان أرض المظالم و أرض حكم القوي على الضعيف و أرض محاكمة قراقوش في محاكمة مرتكبي جريمة قتل التلاميذ في مدينة الأبيض التي وقعت أحداثها في يوم 29 يوليو 2019م.
إنَّ محاكمة الأطفال المجندين في الدعم السريع و الذين إرتكبوا جريمة قتل 6 من تلاميذ المدارس في مدينة الأبيض أوضحت لكل شخص لديه ضمير حي بأن موازيين العدالة في السودان في عهد الحكومة التي جاءت بعد ثورة ديسمبر 2018 العظيمة مختلة.
من المفارقات المحزنة هي أن الذين إرتكبوا المجزرة البشرية في الأبيض أطفال مجندون و أن الذين تمَّ قتلهم و نالوا شهادة النضال أيضاً أطفال.
إنَّ الحكم الذي صدر ضد الأطفال الذين جنَّدهم قائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي يشبه في كثير من الوجوه حكم قراقوش الشهير لأن المجرم الحقيقي الذي إرتكب مجزرة الأبيض هو السفاح عمر البشير و جماعته السياسية الكيزانية التي أسست الدعم السريع و يأتي من بعدهم في تحمل تبعات هذه الجريمة النكراء الجنرال البرهان قائد الجيش الذي دمره الكيزان و أما الشخص الذي يأتي دوره في المرتبة الثالثة في سُلم المسؤولية الجنائية عن جريمة قتل الأطفال في الأبيض هو الجنرال حميدتي قائد قوات الدعم السريع وهي ليست بقوات داعمة ضد عدو خارجي قادم من وراء الحدود كما أنها ليست بقوات سريعة إلا في حالات الإسراع لقتل المواطنين الثوار بهدف حماية سلطة المخلوع الجنرال البشير.
الأطفال المجندون في الدعم السريع و الذين إرتكبوا مجزرة الأبيض هم في خاتمة المطاف ضحايا للوضع البائس في البلد و الخالي من دولة المؤسسات و من قِيم العدالة.
لو كان هؤلاء الأطفال المجندين في الدعم السريع و الذين أرتكبوا مجزرة الأبيض يعيشيون في دولة محترمة لما تمَّ تجييشهم في قوات غير محترفة في المقام الأول و لعاشوا طفولتهم كما يعيش كل الأطفال في كل الدول التي تحترم كرامة مواطنيها.
عليه نتساءل هل من العدل في شيء أن تجنِّد الدولة الأطفال و بعد أن تسرق طفولتهم تقوم بتدريبهم على قتال المواطنين بلا جرعات تدريبية عالية في شتى المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان و بغيرها و عندما يرتكبوا الجرائم التي تدربوا على إرتكابها تصدر إحدى محاكم ذات الدولة قراراً قضائياً يفضي إلى إعدامهم شنقاً حتى الموت في الوقت الذي تترك فيه ذات المحكمة الصورية القادة الذين جنَّدوا هؤلاء الأطفال أمثال حميدتي و البرهان في رأس الدولة لقيادة البلد؟!
نتساءل عن سِر غياب أهل القانون و دعاة حقوق الإنسان في السودان عن الإدلاء بآرائهم القانونية حول محاكمات الأطفال الذين جنَّدهم قائد الدعم السريع الجنرال حميدتي في قواته و لكنه تخلي عنهم عندما إرتكبوا هذه الجريمة البشعة في حق الأطفال التلاميذ في الأبيض ؟ أين هي هيئة محامي دارفور بإعتبارها هيئة معنية بحقوق الإنسان ؟ و لماذا غاب المحامون الديمقراطيون عن محاكمات مرتكبي جريمة قتل التلاميذ في الأبيض ؟ . و أين هو رأي رابطة المحامين و القانونيين السودانيين في المملكة المتحدة التي يترأسها صديقنا العزيز أبو بكر عبد الله آدم في محاكمة الأطفال المجندين في الدعم السريع في مدينة الأبيض عقب إرتكابهم للجريمة البشعة وهي رابطة نشطة في مجالات حقوق الإنسان ؟ أين هو رأي الشبكة السودانية لحقوق الإنسان من محاكمات مجزرة الأبيض؟
الهدف من كل هذه التساؤلات المشروعة هو أن ينوِّر القانونيون و دعاة حقوق الإنسان في السودان الرأي العام السوداني بمدى قانونية تجنيد الأطفال في مليشيا عسكرية غير نظامية و بطريقة غير قانونية لأن المليشيا نفسها أسسها نظام إنقلابي وهو نظام الجبهة القومية الإسلامية ثم يتم تقديم هؤلاء الأطفال المجندين إلى محاكمات لأنهم إرتكبوا جرائم قتل نظرائهم الأطفال التلاميذ في الأبيض و هذه المحاكمة مشكوك في عدالتها لأنَّ القضاء السوداني يعلم بأن هؤلاء الأطفال المجندين هم أنفسهم ضحايا لوضع سياسي مأزوم.
إن الدولة التي تشتغل برؤوس عديدة أي الدولة التي بها أكثر من مركز للسلطة و لصناعة القرارات و التي تعمل بقانونين قانوني وضعي و قانوني آخر يدعي المنظرون له بأنه قانون إسلامي لن تتحقق فيها قيم العدالة و لكن حتماً ستشرق بها شمس الحرية و ستقام بها دولة المؤسسات أي دولة سيادة حكم القانون دولة الفصل بين السلطات الأربع: التشريعية و التنفيذية و القضائية و الإعلامية.
إنَّ الشباب الذين إرتكبوا جريمة قتل التلاميذ في مدينة الأبيض لن تضيع حقوقهم أبداً و سوف ينصفهم التاريخ في المستقبل لأنهم في خاتمة المطاف كانوا هم أنفسهم ضحايا بحكم أنهم فاقد تربوي كبير في بلد موازيين العدل فيه مختلة و لكن إن إختل ميزان العدل على الأرض فسوف لن يختل ذات الميزان في السماء.
هذه ليست دعوة إلى تبرئة ساحة الأطفال المجندين في الدعم السريع الذين إرتكبوا جريمة قتل الأطفال التلاميذ في الأبيض فقد أجرموا في حق أطفال مثلهم ما في ذلك أدنى شكك و لكن ميزان العدالة المائل ترك كبار المجرمين أمثال الجنرالين البرهان و حميدتي و لم يطلب حضورهما إلى المحكمة بإعتبار أن البرهان هو قائد الجيش الحالي و حميدتي هو قائد الدعم السريع وهو نفس الشخص الذي ضحى بهؤلاء الأطفال الذين جنَّدهم في قواته لكي يخرج للرأي العام بطلاً متعاوناً مع العدالة وهو يعلم بأنه من قام بتجنيد الأطفال و بالتالي هو المسؤول الأول المباشر عن هذه الجريمة.
الخلاصة لابد من تحقيق العدالة و إن طالت رحلة السفر و لابد من تسليم المطلوبين للجنائية الدولية مهما تلكأت حكومة الأمر الواقع التي تهلل و تكبر بسبب محاكمات الأطفال في الأبيض و كأنما في هذه المحاكمة الهزيلة إنجاز وهي ذات الحكومة التي فشلت في تسليم عتاة المجرمين المتواجدين في سجن كوبر للجنائية الدولية وهي التي فشلت في إقامة العدالة الوطنية بالكشف عن هوية الذين إرتكبوا كبريات الجرائم في السودان بعد 11 أبريل 2019 مثل جريمة فض الإعتصام أمام القيادة العامة في الخرطوم و جرائم الجنينة المتكررة و جرائم فتابرنو و نيرتتي و كسلا و بورتسودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
برير إسماعيل يوسف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست