تقدير العصابات الإجرامية لحسن نية أعضائها بقلم:أمل الكردفاني

تقدير العصابات الإجرامية لحسن نية أعضائها بقلم:أمل الكردفاني


07-11-2021, 04:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1626015979&rn=0


Post: #1
Title: تقدير العصابات الإجرامية لحسن نية أعضائها بقلم:أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 07-11-2021, 04:06 PM

03:06 PM July, 11 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




الجانب الإنساني لا يختفي تماماً عند الإنسان، فحتى العصابات الإجرامية التي تكون مستعدة لقتل أحد أعضائها الهارب ببعض مالهم، ستراعي حسن نية العضو الذي يلقى القبض عليه ومعه بعض مال تلك العصابة. فمهرب المخدرات الذي يلقى القبض عليه، لا يُسأل عن الخسائر التي لحقت بالتاجر المرسِل لتلك المخدرات، بل ولن يطلب التاجر المشتري من البائع المرسل ثمن ما دفعه من مال. لأن ما حدث قوة قاهرة، ولو أن كل تاجر مخدرات طالب البائعين بأمواله التي خسرها جراء القبض عليهم فستتوقف تجارتهم، وستجري الدماء من تحتهم بحورا. فبمجرد القبض على مهرب المخدرات، "يستعوض" الجميع الله في خسارتهم. ويحتسبونها ضريبة مهنة.
سنجد هذا الجانب الإنساني عند العصابات الإجرامية وخاصة ندرة الوشاية ببعضهم البعض، وليس ذلك خوفاً، فالوشاية عيب كبير، رغم أن القتل والسطو المسلح لا يعد عندهم عيباً. أما أن تشي بزملائك فهذا يخرجك من دائرة الرجولة، بل وقد يعرضك لملاحقتهم طوال حياتك حتى إزهاق روحك.
وعلى المستوى القانوني سنجد أن القانون لا يحفل بتلك الجوانب الإنسانية في الكثير من الأحيان، خلافاً للمجرمين. فمثلاً سنجد لدينا هنا أن من يصاب بالإعسار ويفشل في سداد دينه سيوضع في السجن، ويسمى ذلك "بالحبس لحين السداد". ولا يراعي القانون تلك الجوانب الإنسانية، فحتى في ظل حكم الشريعة الإسلامية (أو ما يقال كذباً بأنه حكم الشريعة الإسلامية)، ظلت البنوك تلقي بالمتعثرين في تسديد فوائد المرابحات في السجون. وكذلك الصكوك المرتدة. واليوم بعد عودة البنوك للعمل بنظام الفوائد، سوف يتم إلقاء الآلاف في السجون بسبب تعثرهم في السداد. العديد من الدول تخلت عن توقيع عقوبات سالبة للحرية فيما يتعلق بالفشل في السداد (بل حتى عند ارتداد الشيكات)، لأنها مارست حصاراً شاملاً على المحكوم عليه، بحيث لا يستطيع أن يستفيد من أي تعاملات مالية مستقبلية. الشريعة الإسلامية قالت ب(نظِرة إلى ميسرة)، لكن هذه القاعدة لا تصلح في منظومتنا القانونية والمالية والإدارية الراهنة، فنحن دولة منهارة اقتصادياً وإدارياً وقانونياً. و"نظرة إلى ميسرة" تحتاج لنظام متكامل القوة حتى لا تستغل القاعدة في استمراء أكل أموال الآخرين.
لا يحفل القانون بالجوانب الإنسانية دائماً، فمثلاً لو كنت سباحاً ماهراً ووجدت عدوك اللدود يغرق، فإن القانون لن يحاسبك على عدم إنقاذه ما دام لم يكن هناك واجب قانوني ملقى على عاتقك لإنقاذ عدوك، لأن القانون لا يجبر الآخرين على أن يكونوا شجعانا أو أخلاقيين، غير أن القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ وضع استثناء في المادة ٧٥ منه.
لا يحفل القانون بالأسرة التي يتم الحكم على عائلها الوحيد بالإعدام أو السجن، فالعقوبة هنا لن تقع على الجاني فقط، بل على أفراد أسرته. ولا يوجد نظام واضح لمعالجة قضايا أسر المدانين، فأغلب الإهتمام منصب على الضحايا وأسرهم. (فالشر يعم).
إذا فالجانب الإنساني ليس دائماً معتبر في القانون. كما أنه ليس دائما مفتقد عند المجرمين.
فإذا كانت الوشاية عيباً عند المجرمين، فإن القانون يدعو إلى الوشاية، بل ويمنح الواشي مزايا عديدة. فالراشي الذي يشي بالمرتشي يمكن أن يتم منع توقيع العقاب عليه، والشريك الواشي يمكن أن يخفف عنه العقاب، عندما يصبح (شاهد ملك)، بل وهناك بعض الأنظمة التي لديها خبراء تفاوض مع المجرمين لإقناعهم بالوشاية بزملائهم، كما أن المحامي -في تلك الأنظمة- يمكنه أن يمارس التفاوض ليحصل على أكبر قدر من تخفيف العقوبة عن موكله. ولا شك أن هذا النظام أعطى نتائج سلبية كثيرة، فعتاة المجرمين أصبحوا أصحاب خبرة واسعة حيث يسارعون -بمجرد القبض عليهم- بتوريط الشركاء الضعفاء منهم. وفي بعض الأحيان يقوم الواشي بتلفيق أكاذيب كثيرة حتى يضمن حصوله على تخفيف للعقوبة. وفوق هذا فإن الشريك الواشي يعيش ما تبقى من حياته وهو يشعر بالخزي، وخاصة لو نال شريكه عقوبة الإعدام.
وهكذا فلا يحفل القانون بلا أخلاقية الوشاية، خلافاً للعصابات الإجرامية التي تجعل الوشاية أكبر عيب من القتل والسطو المسلح.
وفي السودان يتعلم الشعب الوشاية ببعضهم البعض، وقد رأينا كيف أن تحالف المحامين الشيوعي قد حرض المحامين على الوشاية بزملائهم المحامين ممن لديهم مهن أخرى يسترزقون منها غير المحاماة، وكان ذلك إبان انتخابات المحامين قبل سقوط النظام.