سعادة السفير/ نيكولا دو ريفيير - المندوب الدائم للجمهورية الفرنسية لدى الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، أصحاب السعادة المندوبون الدائمون الموقرون للدول الأعضاء بمجلس الأمن، الأخت العزيزة وزيرة خارجية جمهورية السودان الشقيقة والأخوة ممثلو جمهورية الكونجو الديمقراطية وأثيوبيا، أود في البداية أن أُهنئ سعادة السفير/ نيكولا دو ريفيير على توليه رئاسة مجلس الأمن، وأن أعرب عن الشكر للسيدة/ إنجر اندرسن وكيلةالسكرتير العام والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمبعوث الأممي الخاص للقرن الإفريقي على مداخلتيهما. السيد الرئيس، مصر - تلك الأُمة التي يتجاوز تعدادها أكثر من مائة مليون نسمة - تواجه تهديداً وجودياً؛ فقد بني كيانٌ هائل على الشريان الذي يهب الحياة لشعب مصر؛ وارتفع جدار ضخم من حديد وفولاذ بين ضفتي نهر عظيم وعريق، مُلقياًبظلاله الثقّال على مستقبل ومصير الشعب المصري، ومع كل حجر في البناء، يعلو سد النهضة الأثيوبي ويتسع خزانه ليُضيق على شريانالحياة لملايين الأبرياء الذين يعيشون من بعد هذا السد العملاق على مجرى نهر النيل. وقد أتت مصر إلى مجلس الأمن العام الماضي وشاركت في جلسته التي عقدت يوم 29 يونيو 2020 لتحذر المجتمع الدولي من هذا الخطرالمحدق الذي يلوح في الأفق، ونبهت آنذاك إلى قُرب وقوع الملء الأول لهذا السد الأثيوبي، وحذرنا من مغبة السعي لفرض السيطرةوالاستحواذ على نهر يعتمد عليه بقاؤنا. ومن هذا المنطلق، فقد ناشدنا هذا المجلس الموقر للعمل بكل جهد ودأب لتجنب تصاعد التوتر الذي سيهدد السلم في إقليم هش، ودعوناأشقائنا الذين نشاركهم ثروات النيل إلى التحلي بالمسئولية والاعتراف بترابط وتشابك مستقبل وثروات شعوبنا. ورُغم ذلك، وبعد بضعة أيام من جلسة مجلس الأمن العام الماضي شرعت أثيوبيا - دون مراعاة للقوانين والأعراف – في الملء المنفرد لسدالنهضة وأعلن وزير خارجيتها بعجرفة وصلف "أن النهر تحول إلى بحيرة... وأن النيل ملكاً لنا"، مع ذلك، فإن رد فعل مصر إزاء هذا الاعتداء على النيل اتسم بضبط النفس واتباع درب السلم والسعي للتوصل لتسوية لهذه الأزمة من خلالاتفاق مُنصف يحفظ مصالح الأطراف الثلاثة، كما تبنينا بصدق مبادرة رئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك فخامة الرئيس / سيريل رامافوزا رئيسجنوب أفريقيا، لإطلاق مفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وانخرطنا على مدار عام كامل في المفاوضات التي عقدها وأدارها أشقاؤناالأفارقة من أجل صياغة حل أفريقي لهذه الأزمة الكؤود ... ورغم ذلك، فقد باءت كل تلك الجهود بالفشل. والآن، وبعد عام من الإخفاق والمفاوضات غير المثمرة، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها رؤساء الاتحاد الأفريقي وشركاؤنا الدوليون،نجد أنفسنا مُجدداً، في مواجهة المسلك الإثيوبي الأحادي بملء السد دون اتفاق يضمن حماية شعوب دولتي المصب ضد مخاطره. وهو ماتجلى في إعلان أثيوبيا يوم 5 يوليو 2021 – أي قبل ثلاثة أيام فقط من انعقاد هذه الجلسة - البدء في ملء العامل الثاني للسد بشكلأحادي.
إن هذا السلوك الفج لا يعكس فقط انعدام المسئولية لدى الجانب الأثيوبي وعدم المبالاة تجاه الضرر الذي قد يلحقه ملء هذا السد على مصروالسودان، ولكنه يجسد أيضاً سوء النية الأثيوبية، والجنوح لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب في تحد سافر للإرادة الجماعية للمجتمعالدولي والتي تم التعبير عنها وتجسدت في انعقاد هذه الجلسة لمجلس الأمن لمناقشة هذه القضية واتخاذ إجراء حاسمة بشأنها. وفي هذا الصدد، فإنني آخذ علماً وأثني على الإتحاد الأوروبي لإصداره اليوم بياناً يعرب فيه عن أسفه لبدء إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضةمن دون اتفاق، وأُشجع مجلس الأمن وأعضاءه على إتخاذ موقف مماثل في أعقاب هذا التطور المثير للقلق البالغ. هذا النهج الإثيوبي وتصرفاتها الأحادية المستمرة تفضح عن تجاهلها - بل وازدرائها - لقواعد القانون الدولي، وتكشف أهدافها السياسيةالحقيقية والتي ترمي إلى أسر نهر النيل والتحكم فيه وتحويله من نهر عابر للحدود جالب للحياة إلى أداة سياسية لممارسة النفوذ السياسيوبسط السيطرة، وهو ما يهدد بتقويض السلم والأمن في المنطقة. لهذا، سيدي الرئيس، اختارت مصر، مجدداً، طرح هذه القضية الحيوية على مجلس الأمن مجدداً. إن التصرفات الأحادية الأثيوبية المستمرة، والإخفاق المتواصل للمفاوضات، مع غياب أي مسار فعال وجاد - في هذا المنعطف - لتحقيقتسوية سياسية لهذه القضية الحيوية، هي الاعتبارات التي دفعت بمصر إلى مطالبة مجلس الأمن بالتدخل العاجل والفعال لمنع تصاعدالتوتر ومعالجة هذا الوضع الذي يمكن أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، وذلك وفقاً لما هو منصوصٌ عليه في المادة "34" من ميثاقالأمم المتحدة. وقد لقد جاءت مصر إلى مجلس الأمن من منطلق إيماننا الراسخ بقيمة القانون الدولي، واقتناعنا المتأصل بأهمية وفاعلية العمل متعددالأطراف كأداة لتعزيز السلام ومنع الصراعات والنزاعات. ويقودنا في ذلك التزامنا الراسخ بالمبادئ التي أسسها وقام عليها ميثاق الأممالمتحدة، وإيماننا وثقتنا الدائمة في قدرة مجلس الأمن على الاضطلاع بسئوليته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين من خلال اتخاذ مايلزم من تدابير لمعالجة أزمة هذا السد الإثيوبي. وكذلك انطلاقاً من حقيقة أن من الفوائد الكبرى التي يسديها هذا المجلس للإنسانية تكمنفي سلطته وقدرته على التحرك بشكل استباقي لحماية وصون السلام، وليس الاحجام أو إبداء عدم الاكتراث عند تعرض حقوق الدول وبقائهاللتهديد. السيد الرئيس، لقد انخرطت مصر، وبفاعلية، على مدار عقد كامل في المفاوضات ذات الصلة بالسد الأثيوبي. ورغم شروع إثيوبيا بشكل منفرد، في بدءتشييد هذا السد بالمخالفة للالتزامات الدولية المفروضة عليها كدولة منبع يتعين عليها الإخطار المسبق والتشاور مع دول المصب، فقد سعتمصر إلى التوصل لاتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث ويعزز من مصالحها المشتركة. وكان يحدونا الأمل، ولايزال، في التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً يمّكن أثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية المرجوة والمتمثلة في توليد الطاقةالكهرومائية في أقرب وقت، وبفاعلية وعلى نحو مستدام. ويعكس ذلك أن مصر ظلت - ولا تزال - على دعمها لاستقرار أثيوبيا ورفاهية شعبها،وهو ما يعكس سياسة مصر الثابتة والمعهودة في تعزيز وزيادة فرص التعاون المشترك مع أشقائنا من دول حوض النيل. إلا أن أي اتفاق قدنصل إليه حول السد الإثيوبي يجب أن يكون منصفاً ومعقولاً، وملزماً قانوناً، ويتضمن تدابير وإجراءات لتفادى تأثيراته السلبية على دولتيالمصب، خاصةً في فترات الجفاف، ولمنع حدوث أي أضرار جسيمة بالمصالح المائية لكل من مصر والسودان، ولضمان صون أمن وفاعليةوكفاءة التشغيل لسدود دولتي المصب، كما يجب أن يضمن عدم تعرض أمن مصر المائى للخطر جراء ملء وتشغيل هذا السد الذى يمثل أكبرمنشأة كهرومائية في أفريقيا. وفي هذا السياق، علينا أن نعي أن تحقيق هذا المراد من إبرام اتفاق عادل ومتوازن بشأن السد الإثيوبي لا يعد أمراً بعيد المنال أو غير قابل للتحقق؛ خاصة إذا أدركنا أن الإخفاق المستمر للمفاوضات لا يرجع إلى غياب الحلول العلمية السليمة للأمور الفنية العالقة أو لغياب الخبرةالقانونية المطلوبة لصياغة اتفاق في هذا الشأن، وإنما يظل السبب الأوحد للفشل الإخفاق المستمر هو التعنت الاثيوبي. وليس أدل على ذلك مما جاء في خطاب وزير الخارجية الأثيوبى، المؤرخ في 23 يونيو 2021، والموجه إلى مجلس الأمن: والذى ذكر فيه " إنملء وتشغيل سد النهضة دون السعي للتوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، لهو مجرد ممارسة للحد الأدنى من حقوق أثيوبيا السياديةكدولة مشاطئة في مجرى مائى دولى". سيدى الرئيس، إن فحوى هذه العبارة ومضمونها يجسد أساس وسبب المشكلة التي نحن بصددها، ويكشف عن حقيقة جلية وهي أن مرجعومصدر هذه الأزمة سياسي بامتياز. إن هذا يكشف عن أن أثيوبيا تتصرف من منطلق فرضية أن انخراطها في المفاوضات إنما يأتي من باب المجاملة أو المنّ، حيث دأبت إثيوبياعلى تجاهل حقائق الجغرافيا وتوهمت أن النيل الأزرق هو نهر داخلى يمكن لها استغلاله لمصلحتها الحصرية، كما يبدو أنها تفترض أن هذاالمجرى المائى الذى ينساب بشكل طبيعي وحر إلى أراضى دولتي المصب يمكن إخضاعه لسيادتها وسيطرتها. لقد هذا النهج الإثيوبي المؤسف قد أحبط وأفشل كل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق حول هذا السد، حيث انعكس هذا التوجه في مواقفأثيوبيا على مدار عقد كامل من المفاوضات. ولعل أكبر مثال على هذا التعنت الإثيوبي هو رفضها المستمر لإبرام اتفاق قانونى ملزم في هذا الشأن، ومعارضتها لتسمية الوثيقة التي يتمالتفاوض حولها بأنها " اتفاقٌ"، بل أن إثيوبيا قد اقترحت وصفها بـأنها مجرد "قواعد إرشادية ". كما تعارض أثيوبيا تضمين الاتفاق أحكاماً ملزمة لتسوية المنازعات، وتصر في المقابل على صياغة الاتفاق بالشكل الذى يضمن لها اليدالعليا في تعديله وتغييره بشأن كيفما تشاء. وقد سعت أثيوبيا لتبرير هذه المواقف غير المنطقية عبر التذرع بحجج واهية من قبيل الظلم الذى تعرضت له بسبب ما تطلق عليه الاتفاقياتالاستعمارية أو الوضع القائم غير المنصف. وهى في ذلك لا تمُت للواقع بصلة. فلم تكن أثيوبيا في يوم من الأيام مستعمرة، كما أنها لم تبرمأي اتفاقية تتعلق بالنيل تحت الإكراه أو القسر، كما أن مصر لم تعارض مطلقاً حق أثيوبيا في استغلال موارد النيل الأزرق. إن ما تنتطره مصر – بل وتطالب به - هو أن تمتثل دولة المنبع التي تشاركنا نهر النيل للالتزامات القانونية الدولية المفروضة عليها، والتيتقتضى منع إلحاق الضرر الجسيم بمصالح وحقوق جيرانها من دول المصب؛ بينما في المقابل تسعى أثيوبيا لاستخدام المفاوضات كبابٍخلفىّ لتكريس حق مطلق لذاتها لتشييد مشروعات مستقبلية على مجرى النيل الأزرق دون ضوابط أو معايير تحكمها، وتطالب دول المصببالإقرار بسيطرة إثيوبيا المطلقة على النهر. وقد عبرت إثيوبيا عن هذا التوجه عنه بشكل لا لبس فيه في خطاب لوزير المياه الأثيوبي مؤرخ في 8 يناير 2021 ذكر فيه أنه "لا يوجد أيالزام على أثيوبيا سواء بموجب القانون أو الممارسة للتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب لتشييد سد النهضة أو أي مشروعات مائيةمستقبلية." كما وضعت إثيوبيا هذه السياسة موضع التنفيذ حينما أعلن رئيس وزرائها يوم 30 مايو 2021 أن بلاده تخطط لتشييد ما يزيد عن مائة سدخلال العام المالى القادم، حيث تم الإعلان عن هذا الأمر دونما أي إشارة ولو عابرة لحقوق ومصالح الدول المشاطئة للأنهار الدولية النابعة منإثيوبيا، وكأنها تمتلك حقوق ملكية حصرية لنهر النيل والأنهار الأخرى التي تتشارك فيها مع جيرانها، وهو الأمر الذى كان جلياً في الضررالذى ألحقته أثيوبيا ببحيرة توركانا في كينيا. السيد الرئيس، بالرغم مما أبدته وتبديه أثيوبيا من سوء نية وإصرارها على اتباع سياسات أحادية الجانب، فقد استمرت مصر في التفاوض استناداًلحسن النية وتوافر إرادة سياسية جادة للتوصل إلى اتفاق عادل. ولم تألو مصر جهداً على مدار عقد كامل في استشراف كل السبل واستنفاد كافة الفرص نحو التوصل إلى اتفاق يمكن أثيوبيا من ملءوتشغيل السد بالتوازى مع الحد من الآثار والتداعيات السلبية على دولتي المصب، وهو الاتفاق الذي من شـأنه أن يكون أداة للتعاونالإقليمي والتكامل ويدشن عهداً جديداً من التآخي بين الدول الثلاث. لقد سعينا للتوصل لهذا الاتفاق على مدار سنوات من المفاوضات الثلاثية غير المجدية والتي نجحت اثيوبيا خلالها فى نسف كل جهودناالرامية لإجراء دراسات مشتركة حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية للسد وتقييم مضاره البيئية، إلا أنه ونتيجة لعرقلة إثيوبيا لكافة تلكالمساعي فلم يعد لدينا دراسة علمية محايدة ومشتركة حول الآثار السلبية لهذا السد الضخم. وقد قبلت مصر الدعوة للمشاركة في مفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى، والتي انخرطت فيها اثيوبيا، بشكل كاملوبحرية مطلقة، والتي تم خلالها – وبعد اثنتي عشرة جولة من المفاوضات المضنية – بلورة اتفاق شامل حول ملء وتشغيل السد، وهو الاتفاقالذي وقعته مصر ورفضته اثيوبيا. كذلك انخرطت مصر فى مفاوضات دعا إليها دولة رئيس وزراء جمهورية السودان الشقيقة، والتي على الرغم من التقدم الذى نجحت فياحرازه، فقد قوضتها أيضاً اثيوبيا في النهاية بالإصرار على تعنتها. كما شاركت مصر بفاعليه على مدار عام كامل منذ انعقاد الجلسة السابقة لمجلس الأمن حول هذه القضية في المفاوضات التي عقدت تحترعاية الاتحاد الافريقى. وانخرطت مصر في تلك المفاوضات من منظور ساده التفاؤل والايمان بقدرة اشقائنا الافارقة على تسهيل التوصل لاتفاق حول السد. كمااجتهدنا من أجل تنفيذ المخرجات والتوجيهات الصادرة عن اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي على مستوى القمة للتوصل لاتفاق قانونىملزم حول ملء وتشغيل السد، ورحبنا بالانخراط البناء لشركائنا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في هذا المسار. وعلى الرغم من ذلك، وبعد مرور عام من المفاوضات المتعثرة ورغم كل المساعى الحميدة والجهود الدؤوبة لفخامة رئيس جنوب افريقيا سيريلرامافوزا، وفخامة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدى خلال رئاستهما للاتحاد الافريقى، فقد أخفق مسار المفاوضاتالذي يقوده الاتحاد الافريقى في التوصل للاتفاق المنشود. بل إن دولنا الثلاث لم تتمكن حتى من تنفيذ مهمة بسيطة تتمثل في صياغة مسودة أولية تتضمن رصداً لمواقف الدول الثلاث في المفاوضات،وتم استغراق العديد من الأسابيع في اجتماعات افتراضية غير مجدية وخلافات حول أمور هامشية تتعلق بالإجراءات. وما يثير مزيداً من القلق هو أن اثيوبيا عمدت على أخراج المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي عن مسارها، وسعت مراراً وتكراراًلتوجيه المفاوضات على نحو مغلوط للتوصل لتفاهمات غير ملزمة تقتصر على قواعد ملء السد أو لتعيين نقاط اتصال لتبادل البيانات الفنية. وعلى الرغم مما قد تبدو عليه تلك الأفكار من وجاهة ظاهرية لغير الخبراء؛ فإن حقيقة الأمر أنها في جوهرها تخالف توجيهات هيئة مكتبالاتحاد الأفريقي على مستوى القمة التي نصت وبجلاء على أنه يتعين على الدول الثلاث التوصل لاتفاق شامل على القواعد الحاكمةلعمليتي الملء والتشغيل لهذا السد. والأهم من ذلك، أن الأثر الفعلي لهذه المقترحات الأثيوبية هى تجريد دولتي المصب من أي حماية مجدية ضد الآثار السلبية للسد، ومنحاثيوبيا حق مطلق لملء خزان السد وتشغيل توربيناته العملاقة دون الالتزام بأي قواعد أو إجراءات يكون من شأنها تخفيف التداعيات السلبيةلهذا السد وتنظيم عملية تشغيله، وهو ما يشكل خطراً جسيماً على حقوقنا ومصالحنا الحيوية. بالإضافة الى ما تقدم، وعلى الرغم مما تزعمه أثيوبيا من استعداد لتقبل دور أكبر لشركائنا الذين حضروا المفاوضات التي عقدت برعايةالاتحاد الافريقى كمراقبين، فإن حقيقة الأمر أن اثيوبيا رفضت خلال الاجتماع الوزاري الأخير الذى عقد في كينشاسا خلال الفترة من 4-6 ابريل 2021 بناء على دعوة كريمة من فخامة الرئيس فيليكس تشيسيكيدى، كل مقترح تقدمت به مصر والسودان بهدف تعزيز العمليةالتفاوضية التي يقودها الاتحاد الافريقى ومنح دور اكبر لشركائنا لمساعدتنا في التوصل لاتفاق حول السد. وعليه، أجد أننى وللأسف مضطر لأن أخطر مجلس الامن أن المسار التفاوضي الذي يقوده الاتحاد الافريقى - في صيغته الحالية - قد وصللطريق مسدود؛ فقد تم استنزاف عام كامل فى مفاوضات غير مثمرة، بينما استمرت اثيوبيا في بناء السد ووصلت الان إلى نقطة الاستمرارفي ملء الخزان من جانب واحد. السيد الرئيس، لقد استمرت إثيوبيا في تبني موقفٍ متعنتٍ طوال هذا المسار الشاق والمعقد وفي مراحل المفاوضات كافة. كما رفضت كل المقترحات والأفكارالتي قدمتها مصر، والتي كان من شأنها ضمان قدرة إثيوبيا على توليد الطاقة الكهرومائية بأعلى مستويات ومعدلات الكفاءة مع توفيرالحماية لدولتي المصب من أخطار هذا السد. كما أبت إثيوبيا الموافقة على أية حلول أو مقترحات توافقية قدمها شركاؤنا الدوليون، واستمرت في تبني مواقف صِيغت بغرض تفادي وتجنبتحملها لأي التزام لحماية حقوق مصر والسودان أو حتى توفير الحد الأدنى من الضمانات لهما. وقد باءت كافة محاولاتنا لرأب الصدع وبناء الثقة بين دولنا بالفشل؛ فقد وقعنا على اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 للتأكيد على التزامنابالتوصل إلى اتفاق عادل ومنصف هذا الخصوص. كما قدمنا خطة لإنشاء صندوق مشترك لتمويل مشروعات البنية التحتية بهدف توسيعآفاق التعاون بين بلادنا، بل أننا اقترحنا المساهمة في تمويل هذا السد الإثيوبي بغية تحويل هذا المشروع إلى رمز للصداقة والأخوة بينشعوبنا، كما اقترحنا مد خطوط الكهرباء المصرية للمساهمة في إمداد إثيوبيا بالطاقة لدعمها في مسعاها لتحقيق التنمية. ورغم كل ذلك، تظل إثيوبيا على تعنتها وصلفها. ولذلك أضحت دولتا المصب أكثر عرضة الآن لمخاطر هذا السد، حيث انه لا يوجد لدينا أية ضمانات مؤكدة بشأن أمان هذا السد وسلامتهالإنشائية، وهو ما يعد حكماً فرضته علينا إثيوبيا بأن يعيش أكثر من 150 مليون من السودانيين والمصريين تحت تهديد محدق نتيجة لهذاالسد الضخم وبحيرته العملاقة التي ستخزن 74 مليار متر مكعب من المياه دون وجود ما يطمئننا اتصالاً بسلامة السد وأمانه. كما لا توجد لدينا أية ضمانات ضد الأضرار التي لا يمكن حصرها التي قد تنجم عن ملء وتشغيل السد أثناء فترات الجفاف التي قد تقعمستقبلاً. فعندما تأتي السنوات العجاف وينضب النهر ... وتتشقق الأرض تحت الشمس الحارقة ... وتتعرض حياة الملايين من المصريين للخطر ... تتنعت إثيوبيا وتصر على احتباس النهر ومنع تدفقه لتروي ظمئ دول وشعوب المصب. وهنا يكمن لب المشكلة التي نواجهها اليوم. إن كل ما طالبت به مصر وسعت إليه هو اتفاق ملزم يتضمن وسيلة للتأمين ضد الآثار الضارة هذا السد الإثيوبي على أمن مصر المائي، وقدسعينا لتحقيق ذلك من خلال وضع آلية تستطيع الدول الثلاث بموجبها التعاون سوياً لتحمل مسئولية التبعات التي قد تسببها فترات الجفاففي المستقبل. وللأسف، فلا تزال إثيوبيا مصممة على رفض أي اتفاق يمكن أن يوفر وسيلة مجدية لحماية مصالح دول المصب. ومن هذا المنطلق، السيد الرئيس، فإنه ليس من قبيل المبالغة أو التهويل أن أؤكد أن سد إثيوبيا يمثل تهديداً وجودياً حقيقياً لمصر؛ فدراساتناالعلمية تؤكد أن هذا السد العملاق قد يتسبب في أضرار لا تعد ولا تحصى بالنسبة لمصر. وعلى الرغم من كافة الإجراءات الوقائية التياتخذناها تحسباً للملء الأحادي لهذا السد ورغم كافة جهودنا المضنية لحفظ مياهنا وإعادة تدوريها واستخدامها؛ فإن الضرر الذي قد ينتجعنه سوف يستشري كطاعون مزمن في شتى مناحي حياة الشعب المصري دونما استثناء. ففي غياب اتفاق ينظم قواعد ملء وتشغيل السد، فإن هذا المشروع قد يؤدي إلى عجز متراكم للمياه بمصر يبلغ نحو 120 مليار متر مكعب،مما سيساهم بدوره في تقليل سبل الحصول على مياه الشرب النظيفة، ويحرم ملايين العاملين في قطاع الزراعة من المياه اللازمة لريأراضيهم، ومما سيؤثر سلباً على مستوى دخولهم ومعيشتهم، ويدمر آلاف الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويساهم في زيادة ظاهرةالتصحر وتدهور النظم البيئية في دول المصب، فضلاً عن زيادة فرص تعرضها للآثار السلبية ذات الصلة بتغير المناخ. وهو الوضع الذي لا يمكنُ لمصرَ أن تتحمله، بل لن تتقبله أو تتسامح معه. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن يبذل المجتمع الدولي كل جهدٍ ممكن، بما في ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال مجلس الأمن، لاستباقهذه الاحتمالية ومنع تحول السد الإثيوبي إلى تهديد وجودي لمصر. ويتطلب ذلك قيام المجلس بمطالبة الأطراف – وبشكل لا لبس فيه – للعمل على الوصول إلى اتفاق منصف، وفي إطار زمني محدد،وتشجيعها على العمل الصادق ودون مواربة لتحقيق هذا الهدف المنشود. وإذا لم تتحقق هذا الغاية ... وإذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقائها للخطر ... فلا يوجد أمام مصر بديل إلى أن تحمي وتصونحقها الأصيل في الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين والأعراف السائدة بين الأمم ومقتضيات البقاء. السيد الرئيس، إن قيام مصر بطرح هذا الأمر، والذي له أهمية قصوى بالنسبة لها، أمام مجلس الأمن إنما يعد بمثابة شهادة على إيماننا الراسخ غيرالمتزعزع بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والواردة في ديباجته والتي تؤكد على التزامنا المشترك "بممارسة التسامح والعيش معاً في سلاموحسن الجوار" وكذا "أن نوحد قوانا لصون السلم والأمن الدوليين". وها نحن نأتي هنا بحثاً عن طريق مُجدي نحو حل سلمي وودي عن طريق التفاوض للأزمة التي أمامنا اليوم، ولدرء العواقب الوخيمة التي قدتنتج حال لم نستطع التوصل إلى تسوية لهذه القضية. إن أملنا أن يدرك مجلس الأمن مدى خطورة الموقف وأن يضطلع بمسئوليته لصونالسلم والأمن الدوليين. ونتطلع لأن يتخذ هذا المجلس الإجراءات اللازمة لضمان قيام الأطراف المعنية بالانخراط في مسار تفاوضي فعاليفضي إلى التوصل إلى اتفاق يخدم مصالحنا المشتركة. وبالفعل، فإن شعب مصر – وشعوب المنطقة بأسرها – تتابع مداولات مجلس الأمن اليوم باهتمام شديد وآمال كبيرة، وينظرون إلى الأممالمتحدة، وإلى هذا المجلس، باعتبارهما ضامنين للسلام وحارسيْن على الإرادة المشتركة للإنسانية، وهم على ثقة في أنكم لن تخفقوا في أداءمهامكم في هذا الخصوص. وبهذه الروح، أود أن أشدد على أهمية قيام مجلس الأمن، أثناء الاضطلاع بمهمته الأساسية لصون السلم والأمن الدوليين، الالتزام بالمادةالرابعة والعشرين لميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على ضرورة عمل أعضائ المجلس كممثلية لأعضاء الأمم المتحدة لتعزيز الأهدافالسامية والنبيلة التي أنشئت من أجلها هذه المنظمة والتقيد بالمبادئ التي تقود وتلهم عملها. وعليه، فإننا نهيب بأعضاء هذا المجلس الموقرينأن ينظروا في هذه القضية الحيوية التي نحن بصددها اليوم، ليس من خلال منظور ضيق يرتبط بمصالحهم الوطنية، ولكن من منظورالمسئولية الجماعية للتحرك بالنيابة عن المجتمع الدولى ككل لحفظ السلم ودعم مبادئ العدالة والإنصاف. وبناء عليه، تطالب مصر مجلس الأمن بتبني مشروع القرار الخاص بمسألة سد النهضة الأثيوبي والتي تم تعميمها من قِبل جمهورية تونسالشقيقة. وكما هو واضح من نص هذا المشروع، فإننا لا نتوقع قيام المجلس بصياغة حلول للمسائل القانونية والفنية العالقة، كما أننا لا نطالب المجلسبفرض تسوية ما على الأطراف بشأن هذا الخلاف. بل على العكس؛ فإن هذا القرار سياسيٌ الطابع وهدفه متوازن وبناء ويتمثل في إعادة إطلاق المفاوضات وفقاً لصيغة معززة تحافظ علىقيادة رئيس الاتحاد الأفريقي لعملية التفاوض وتدعمها، وتمكن شركاءنا الدوليين، بما فيهم الأمم المتحدة، من استغلال خبراتهم في هذاالمجال من أجل مساعدة دولنا الثلاث في سعيها لإبرام اتفاق عادل وفق إطار زمني مناسب. وإن كان ثمة شيء أكيد؛ فإن هذا القرار يهدف إلى تنفيذ وتفعيل مخرجات اجتماعيّ هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي اللذين عُقدا حول هذاالموضوع، واللذيْن وجها الأطراف أن تنجز في أقرب وقت، وبمساعدة شركائنا الحاضرين لتلك المحادثات كمراقبين، صياغة اتفاق قانونىملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي، كما ناشدت مخرجات تلك الاجتماعات الأطراف بعدم اتخاذ إجراءات أحادية يمكن لها أنتعرض العملية للخطر. إن تبني هذا القرار من شأنه أن يؤكد مجدداً عزم مجلس الأمن على الاضطلاع بمسئوليته لحفظ السلم والأمن الدوليين، كما سيبعث رسالةواضحة مفادها أن المجلس سيظل ملتزماً بسلام ورخاء قارتنا الإفريقية. وفي المقابل؛ فإن الإخفاق في اتخاذ إجراء فعال إزاء مسألة السدالإثيوبي سيُعد تقصيراً مخيباً للآمال بشأن اضطلاع المجلس بمهامه ومسئولياته. أخيراً، فإنني أؤكد لكم سيادة الرئيس ولأعضاء المجلس، أن مصر سوف تبذل كل اجهد للتوصل إلى اتفاق يدعم رابطة الأخوة بين دولناووشائج القرابة بين الشعوب التي تعيش على ضفاف نهر النيل. وأهيب بزملائي، وأشقائي، وشقيقاتي في السودان وأثيوبيا لاغتنام هذه الروح ومضاعفة جهودنا من أجل ضمان مستقبل من السلاموالرخاء لبلادنا وشعوبنا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة