( لحم راس ) ..! بقلم:هيثم الفضل

( لحم راس ) ..! بقلم:هيثم الفضل


06-27-2021, 03:46 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1624762015&rn=0


Post: #1
Title: ( لحم راس ) ..! بقلم:هيثم الفضل
Author: هيثم الفضل
Date: 06-27-2021, 03:46 AM

03:46 AM June, 26 2021

سودانيز اون لاين
هيثم الفضل-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر



صحيفة الديموقراطي
سَفينـة بَـــوحْ -


كلما تعقَّدت سبل العيش وإكتظت ساحة الذهن بالهموم اليومية المتواترة لإنسان الحواضر والمدن ، كلما ضاقت أواصر الرباط الإجتماعي الأسري والعام ، فما عادت علاقات الجيرة داخل الحيّْ الواحد كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين عاماً ، حيث كان الناس يتداخلون تداخلاً لصيقاً حميماً ، لو حدث الآن لم يجد مدلولاً يبرِّرهُ أو مفهوماً مستساغاً يُعبِّر عنه غير ( التدخل في الشئون الخاصة) أو ما يُسمى بالعامية (الحِشريه) ، وللحقيقة فإن ما يمكن أن يُعد اليوم حشرية وتدَّخلاً للغرباء فيما لا يعنيهم كان في الماضي يٌدعى حميميه وشهامة وهِمة في تفقُّد أحوال الأقرباء والجيران ، قبل ثلاثون عاماً من الآن إن إضئت مصباحاً في ليلٍ متأخِّر لا يُستغرب أن يطرق جارك بابك ليقول لك (خير إن شاء الله مافي عوجه) ، أما جيرة اليوم بعد أن أصبحت المدينة (لحم راس) ، إن فعلها جارك فستتهمه بالجنون ، ويكون لك أجر حسن التقدير ، فغيرك ربما أسمعهُ ما لا يطيق ، مجتمع المدينة اليوم أصبح بلا دليل من حيث التوجُّهات الفكرية والثقافية والإجتماعية والسلوكية ، ففي الماضي كان هناك رجالاً في الأحياء والفرقان هم بمثابة عُمد وقيادات ، يقومون بأدوار تربوية وإجتماعية وثقافية ويتحدثون بإسم الجماعة ، وينافحون عن حقوق ومكتسبات المناطق ، هكذا بلا مناصب هيكلية ولا إنتخاب إنما بالإتفاق وبإجماع كلمة الناس على إعلائهم وتقديمهم بضمانات كانت تتعلق بسلوكهم الشخصي المُشرِّف وفاعليتهم عند الأحداث وقوة شخصياتهم وقُدرتها الواسعة على التأثير ، بالإضافة إلى مواهب أخرى تساند هذه الصفات كالمقدرة الجيدة على التعبير عن الأفكار والشجاعة الأدبية والإرتجال والمواجهة ، كانوا أي هؤلاء الرجال الذين يمثِّلون قيادات الأحياء والحواري هم المسئولين عن إدارة الجمعيات التعاونية فيها وهم الذين كانوا يستقبلون السكان الجُدد وربما كانت لهم كلمتهم عند مالك العقار المزمع تأجيره ، وكانوا في مقدمة صفوف اللِّجان التي تدعم المدارس والمراكز الصحية في الحي وكانوا هم القائمين على أمر الأفراح والمآتم و شق الطرق ونظافة الخيران إذا أتى الخريف ، هكذا بلا تكليف رسمي ولا شعبي ، يدفعهم في هذا الإتجاه الشعور بالواجب تجاه الحي والعشيرة والجيران ، وبذلك كان مفهوم الإخاء قديماً قي ذلك الزمان يُعبِّر عن مباديء القناعة بالإخوة والجيرة ، وبذلك كان نفس أولئك الرجال لا يتورَّعون عن الدخول في حل كثيرٍ من المشكلات الزوجية والأسرية قبل تدَّخُل الأقارب ، وقبل لجوء المتخاصمين إلى المحاكم ، أما الآن وقد تم سلب الإنسان السوداني الوجيع وقته وقوته وفكره ، فأصبح لا يجد وقتاً ليعرف إسم جاره اللصيق ناهيك عن أحواله ومشكلاته ، وبعد أن تمت (فلسفة الأمور) ، ودعم التعقيد بالتعقيد وأصبحت قيادات الأحياء مؤسسات مُنتخبة وهي بالتأكيد لا تخلو من التوجُّه السياسي والفكري ، بات جلياً أن أمر الحميمية القديمة لن يعود مرةً أخرى ، ولكننا نطمح الآن فقط أن يتوقف إنفراط العقد الإجتماعي بالمدينة عند ما وصلنا إليه الآن ولا يزيد ، ذلك لن يكون إلا ببذل المزيد من الوقت في تغذية الروابط الإجتماعية البينية والدعوة إلى عودة مؤسسات الأندية الرياضية والإجتماعية والثقافية بالأحياء وإختيار قيادات الأحياء السكنيه عبر تاريخ رجالاتها وكفاءتهم لا عبر الإنتخاب التكتيكي والستار السياسي والفكري .