ستات الشاي .. من لهن بقلم:عواطف عبداللطيف

ستات الشاي .. من لهن بقلم:عواطف عبداللطيف


05-30-2021, 05:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1622393142&rn=1


Post: #1
Title: ستات الشاي .. من لهن بقلم:عواطف عبداللطيف
Author: عواطف عبداللطيف
Date: 05-30-2021, 05:45 PM
Parent: #0

05:45 PM May, 30 2021

سودانيز اون لاين
عواطف عبداللطيف-قطر
مكتبتى
رابط مختصر




حين تجالسهن قرب موقدها الدافيء وكاسات الشاي وفناجين القهوة المعتقة بالمستكة والزنجبل واوراق النعاع ونكهات منتقاءة بعناية مثلها مثل اطراف ثوبها القطني المتسربل يغطي اطراف ساقها واياديها المسخنة برحلة الكفاح لتربية العيال لابد ان تحترمها .. وربما تدمن الجلوس بجوارها ..
ما تدفعه ثمنا للمشروب لن يخرج عن كونه مساهمة متواضعة لاعاشة اسرة من قبيلة الفقراء في جوفها الايتام والقاصرين والعاطلين وطلبة العلم والمرضى العاجزين .
انها " ست الشاي" تجدها في محطات الباصات وقرب دواويين الحكومة والجامعات وفي زوايا الشوارع المكتظة بالبشر تحت أشجار النيم والتبلدي.. انهن أحدى الايقونات التي لم تكتب في اسطر فن الحداثة " هن حديث الشفاهة فقبل ان يعرف السودان الراديو والتلفاز كانت الاخبار تاتيه عبر " مخبر القرية " و بالنقارة وضرب الطار والنحاس للملمات وللفزعة والنفير وللولائم و الان الخبر اليقين ياتيك من عند ستات الشاي بالخرطوم المتخمة بالاوجاع .
تحدثك عن الايتام وعن ثمن الحقنة و تفشي العطالة والسويكة والمخدرات و عن طلبة العلم ونجاح البنات و تغيير الوزراء و الرشاوي والمحسوبيات ولا يخلوا حديثهن عن المعاناة ووجع الرأس الذي تداويه أمهات الارض بالمسكنات والتغافل عن ذاتها لانها انسانه مسكونة بالمسؤولية الاسرية والوطنية .. قبل سنوات ضاقت بهن الامكنة وكسرت ادواتهن وقطعت ارزاقهن ولكنها المرأة " جمل الشيل " صمدت وأوصلت صوت احتجاجها .. احداهن كانت تجلس في ركن قصي بجوار مبنى للجوازات قالت احضر وصلاة الفجر ولا اغادر إلا والشمس غابت بين طيات السحاب ولله الحمد تخرجت بنيتي من الجامعة من تعبي وشقاي واليوم وعدني مدير مشيرة بسبابتها للابواب المغلقة بانه سيسعى لتوظيفها وإن عدمت الحيلة ستخرج لرحلة العمل كست شاي اخرى..
كاس الشاي بجنيهات وزبائني ما بقصروا بعضهم يدفع بدون عدد وآخرين ببلاش .. وناس البلدية اخوانا لكن ناس الشرطة وعيال الامن يهجموا علينا ويبقوا زي الثعالب غدارين .. ما "بندور" غير ستر الحال و المال الحلال وتربية العيال مسؤولية الخضار غالي والسكر عدمان في دكاكين الحلة و "الراكوبة " مخلعة لا تسترهم من المطر وهجير صيف النهار الكاوي..
صورة مكررة لنساء ارهقتهن المسؤوليات كن المادة الدسمة لبرامح شهر رمضان المبارك هن لا يردن ان تكون اياديهن ذليلة تتمدد " لله يا محسنين " لذلك يفترشن الطرقات الكالحة انها نماذج للكفاح المضني ... لتراب الارض وملحه ورائحة الانسان الاصيل الذي يحفر باظافره لاجل لقمة العيش الكريمة التي تزدهر في قاع المدن أبناء وبنات وترجعهم لنفس محطات الشقاء والرهق حينما لا تكون هناك وظايف ولا حواشات و مزارع ولا صليل لمصانع تدور الياتها للغزل و النسيج وتصنيع السكر وتغلف السمسم والكركدي ولا حفارات تفتح البيارات وتسقي الزرع ولا ابقار تدر الحليب وفقاسات للفراخ وتعليب الفاكهة والطماطم والتعدين بدون تهريب .
" ستات الشاي بائعات الخضار " نماذج مهملة في رزنامة الحكومات فهامش الحياة تتقاطر لسجلاته مئات الكادحين اللذين خرجوا من مصفوفة الحياة .. كثير منهم اكمل تعليمه وحصد شهادات لكن الشارع احتضنه لا وظيفة ولا مشروع منتج لا مزارع ولا مؤسسات تدريب مهني تصقل قدراتهم لسوق العمل وتنوعاته المعدمة في برامج النخب السياسية التي يجيد رجالاتها اختيار أربطة العنق الحريرية وامتطاء فارهات السيارات والتدافع للجلوس علي مقاعد القيادة بالقصر الجمهوري الذي صنع من عرق الشعب ولكنه يمدد لسانه للمطحونين من الغلابة طالما لا يجد لهم حلول لمعاشهم لا غاز .. لا كهرباء.. لا دواء.. ولا ماء عذب .. او رغيف حاف ... لا وظيفة ميري ..
على الطرف الاخر من المعمورة ببلاد الملح والتراب خرج " محمد يونس " نال ارفع جائزة عالمية " نوبل " حين حول نظرياته الاقتصادية التي كان يلقنها لطلبته في الهواء الطلق لبرامج عمل يستهدف الفقراء استمداها من مناقشته مع " ست شاي " اخرى كانت تنسج كراسي من الخيزران وسيقان الاشجار لتبيع حصاد جهدها وتدفق عرقها لتسدد القرض الشحيح بالفائدة الكبيرة لتاجر تتمدد اياديه لخنق الفقراء وأكل جهدهم والويل والثبور حينما لا يوردون حصاد عرقهم لخزانته ليخرجوا بثيابهم البالية ودموعهم تتصبب لجولة اخرى من المعاناة ..
"بنك الفقراء " الذي نال عليه العبقري الانسان محمد يونس البنجلاديشى الجنسية صديق المعدمين ونصيرهم... فقط هو نموذج حيوي لمن يتلاحم مع اصحاب الحاجة يحاورهم ويلامس همومهم ويأتي لهم بالحلول الجذرية ..
ولا نقول للسياسيين غادروا قصوركم الموبوءة بالتخمة والمحسوبية .. ولكن نقول لهم خذوا الدروس والعبر من ثورة ديسمبر المبللة بدماء الشهداء.. تفقدوا النازحين واهل الهوامش..والمشردين المتزايدة اعدادهم بالعاصمة وضواحيها .. ونقول حاصروا مسلسل حرق الاجساد التي اصلا محروقة من الجوع والعطش ومهانة العوز والفاقة .. انزلوا للشوارع حضوا الشباب ليعبدوا الطرقات ويشقوا الترع للزراعة واقيموا المصانع حولوا القري لمدن للانتاج تحترم ادمية الانسان وعنفوانه لكي لا تهبط طائراتكم في مطارات المنافي الابدية حالكة السواد التي جيتوا منها.
عواطف عبداللطيف
[email protected]

همسة : صحيح ان الثورة نجحت ولكن الخوف من المماحكات و المجادلات السياسية التي تدمر الاوطان وتنتج كيزان اخرين ..