عالمنا الثري..ثراءٌ في قلب الفقر بقلم:د.أمل الكردفاني

عالمنا الثري..ثراءٌ في قلب الفقر بقلم:د.أمل الكردفاني


04-26-2021, 02:16 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1619442974&rn=0


Post: #1
Title: عالمنا الثري..ثراءٌ في قلب الفقر بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-26-2021, 02:16 PM

02:16 PM April, 26 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر







تلك الشعوب التي تضيِّع نفسها بسبب فقر وعيها، كما سيحدث لدولة جنوب السودان عما قريب، حين تندثر لغاتهم القديمة، وثقافاتهم وأعرافهم وتقاليديهم كلما اقتربوا من المدنية. لم يرث الجنوبيون من الشماليين إلا الفساد، فمن درسوا في الشمال، تعلموا الخبث والفساد، وللأسف أصبحوا هم قيادات ما بعد الاستقلال (الإنفصال). لقد أفسد الشماليون كل (ما) و(من) حولهم -حقيقة وليس نعرة عنصرية- إذ نقلوا إليهم أسلوب تفكيرهم المرتكز على مسألتين (جمع المال بأي طريقة، والجنس).. في هذا فقط ينحصر العقل الشمالي الذي أراه عقلاً زراعيا وليس رعوياً، وقد غزوا أهل الشرق والغرب بتلك الثقافة المريضة، فاستشرى الفساد فيهم كما استشرى هنا منذ نهاية دولة الفونج، وتبادل حكم الشمال عشرات من مدعي النبوة والمهدية كل بمنهجه وراتبه.
لقد طرحت على أحد الأصدقاء من دولة جنوب السودان فكرة توثيق ثقافات تلك القبائل، عبر مشروع قومي ضخم، تماماً كما رأيتهم في جوبا وولاية جونقلي، وباقي الولايات. فتلك الثقافات تستحق التوثيق، تستحق أن لا تموت بسبب صراع النخب الجنوبشمالية التي تتصارع اليوم على الحكم. فدولة الجنوب ليست ثرية اقتصادياً فقط، بل ثرية بالخصوصيات الثقافية المتنوعة والتي ستنقرض يوما بعد يوم بسبب المدنية. ونحن لسنا ضد انقراضها لحساب التمدين، ولكننا ضد أن تموت كلالة.
هذا العالم ثري جداً، ولا زال مجهولاً، لا زال يحتاج لاكتشاف أسراره. لقد سمعت قصة حدثت في السعودية، حيث تم اكتشاف قرى مختفية خلف الجبال، لا زال سكانها يعبدون الأصنام، فهم مجموعات لم تنخرط في الحضارة، بل عاشت خلف جدار التاريخ.
وهذا ليس بعيداً عنا، فقبل سنوات، قام شاب بتصوير مجموعة من النساء، لا يعرفن شيئا عن الإسلام ولا نبيه. فهم مجتمعات بعيدة عن حركتنا التاريخية الإنسانية. هؤلاء كان من المفترض أن نرحل إليهم لنعرف ثقافتهم ونوثقها، لنعرف كيف ابتعدت عنهم التصورات الميتافيزيقية كل هذا البعد، أو ما هي تصوراتهم إن كان لديهم تصورات. ربما نجد عندهم بعض الأسرار الكامنة في قلب الزمن الذي لم يتحرك بهم إلى الأمام.
هناك رجل عظيم جداً تجاهله الشعب لجهالة الشعب وهو الطيب محمد الطيب، ولا اعرف سر اسم الطيب (عبد الله الطيب، الطيب صالح، الطيب محمد الطيب..الخ). كان الطيب يقدم برنامجاً وثائقياً، ربما من أقدم البرامج الوثائقية في السودان، عن القبائل وثقافاتها، ولم يحظ باهتمام الحكومات لأنها حكومات تتكون من افراد جهلاء وانتهازيين ومحبي أضواء فارغة. فما قام به كان -بقليل من الدعم- يمكن أن يمثل مرتكزاً علمياً أكاديمياً عالمياً. فمن قلب الظلام يخرج قلة من الرجال أصحاب روح وثابة وعقول متقدة فطنة. ألا يؤسف له ان تاريخ السودان كتبه رجال أجانب عنه.، لأنهم كانوا اكثر تحضراً من شعب يقوده المستصرخون بتعظيم العجول والأبقار المقدسة ولا زال.
أعود واقول، بأن هذا العالم ثري، وفقير في نفس الوقت، فالفقر نفسه قد يخفي الثراء تحت رماده. هو عالم فقير على مستوى التفاعل الإنساني، فيبدو متباعداً أشد التباعد، بل ومتنافراً كقطبي مغنطيس واحد. لكن هذا ليس صحيحاً على إطلاقه. إن كل ما أخر تلك الشعوب هو حكوماتها، تلك الأنظمة القمعية (حتى في الدول الدموقراطية)، لأن القمع الأشد ليس قمعنا عن الحركة أو الحديث (الإرادة)، بل قمع وعينا (موضوع الإرادة). هذه نقلة كبرى في عمليات السيطرة والتحكم. أنتجت عالماً يبدو عجوزاً ومجعد الملامح. لكن ذلك العُجز، في جسده قلب نابض، تراه ظاهر الفتوة في عينين براقتين بالحياة. وهذا ما يمكننا أن نستثمره ولو بمجهوداتنا الفردية إن أبعدنا عن أنفسنا الشعور المزمن بالإحباط.