إدريس دبي: يوم فوزكم يوم نحركم بقلم:عبد الله على إبراهيم

إدريس دبي: يوم فوزكم يوم نحركم بقلم:عبد الله على إبراهيم


04-25-2021, 05:09 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1619323790&rn=0


Post: #1
Title: إدريس دبي: يوم فوزكم يوم نحركم بقلم:عبد الله على إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 04-25-2021, 05:09 AM

05:09 AM April, 24 2021

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




حين سمعت بمقتل إدريس دبي قلت: "يوم فوزكم يوم نحركم". وكان الديكتاتور القتيل قد فاز في انتخابات في مطلع إبريل لم يمدد آجاله لها فحسب، بل منع، في رواية، رجلاً من خاصة أهله من خوضها. وانطلقت من غبين قريب من المرشح المستبعد رصاصة زغاوية أنهت شره الرجل للحكم وطمعه. وكان ظن أنه مكن للزغاوة من تشاد. ومن مأمنه يأتي الخطر. ولا أعرف لحظة اجتمعت فيها المأساة والسخرية مثل اجتماعها في مصرع دبي: زور نصراً ومات قبل أن ينعم به.

وحين سمعت بتولية ولده من بعده قلت: "يموت الديكتاتور وصوابعه بتلعب".

من جانب آخر جدد قتل دبي الحديث عن مترتبات ما يقع في دول الجوار علينا. ويغلب ثوران المفازع ونظريات التآمر في هذا الحديث. وكأننا نتمنى ألا يكون لنا جيرة، أو أن يكونوا من "خيار الناس" طيبي المعشر أن لولا بد.

نقول الكذب قلة أكيدة. ونظرية المؤامرة كذلك وأكثر. إنها الخبط في الظلام. فلم نتدبج لحادثات الجيران بفكر استراتيجي يحتويها نظراً وخططاً حتى لا ينفرط جأشنا، أو نتجرس الضحى الأعلى. ومرتكز هذه الاستراتيجية أن نقبل بحقيقة الجوار الذي يتداخل معنا مصالحاً وديمغرافيا فلا تروعنا حادثاته متى حدثت فحسب، بل أن نكون على أتم استعداد لاحتوائها وتسخيرها لصالحنا.

وعن حقيقة التصالح مع الجوار النكد وغير النكد اتفق لي منذ زمن أننا لا نملك "علاقة أزلية" واحدة كما بدا لي من قولنا إن علاقاتنا بمصر أزلية. كانت تلك العقيدة بنت وقتها حين كان الشمال بؤرة السياسة. وما جاءت أجزاء السودان تباعاً إلى دائرة السياسة المركزية حتى تعددت علاقاتنا الأزلية. فجاءت كينيا وأوغندا بل وأثيوبيا مع استفحال السياسة الجنوبية. وجاءت أثيوبيا وأرتيريا مع دخول الشرق مسرح السياسة الوطنية. وجاءت دارفور بأزلية العلاقة مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى.

وساق عدم التصالح مع الجوار الأزلي سوى مصر (وبعسر كما نرى منذ وقت غير قصير) مركز الحكم عندنا إلى اتهام ما يأتي منها بالمؤامرة. فحجبت عنا هذه الهواجس أن نرى الصراع في الشرق مؤخراً في ذاته لنتعامل معه بالنتيجة كدس إرتري. وكأن بوسع أريتريا ألا يكون لها بعض الدس. فلن يخلو جار من ديك يذرع الحائط بينكما كما تقول الحاجة الوالدة، أو غنماية تنكرش على حائطكم في قول شوقي بدري.

كيف لنا نحتوي إزعاج ديك الجيران؟ بالبحث والبحث والبحث. وأقول قولي هذا وفي ذهني مشروع للبحث كنت طرفاً شاباً فيه. وهو ما قام به معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية (منذ كان شعبة أبحاث السودان في ١٩٦٣) بقيادة أستاذنا يوسف فضل حسن من مسح لمنزلة السودان في أفريقيا. فانعقد في ١٩٦٨ مؤتمر "السودان في أفريقيا" الذي أنشأنا على محبة المعرفة في الإعداد له، ومتابعة دعوات العلماء له، واطلاعنا على أوراقهم طازجة، وطبعها بالرونيو، واستقبالهم في المطار، والتحلق حولهم نسمع عجبا: التجاني الماحي، روبرت كولنز، سيرجي سميرنوف، هودجكن النبيل الماركسي. وهو المؤتمر الذي أذاع مصطلح على مزروعي "الهامشية المركبة للسودان". وكان لي فضل تعريب العنوان للترويج للمؤتمر. ولربما حدست الآن ما يفعله مثل ذلك الفعل الموجز الناجح في شاب ذي تطلع. وهذا الاستثمار في شباب الباحثين بركة جانبية ذات أثر باق.

ثم توالت مؤتمرات نظرت في "السودان ودول حوض النيل" و "السودان وبلاد السودان" وربما آخر عن السودان والبحر الأحمر. ثم قطت موارد المعهد فانقطع هذا التقليد. وتجدد ولكن في المكان الخطأ. فأنشأت الإنقاذ معهد الدراسات الاستراتيجية بموارد باذخة وانتخبت له خيارها. وشهدته وأملت منه أن يعين الدولة على تدبيج نفسها بالنظر الاستراتيجي. ولكن يا حسرة. تركته يصطلي في عزلته. ثم دلق جهاز الأمن مالاً لبدا في معاهد للبحث باسم أفريقيا أو العرب في كل حارة. ولا جدوى. كانت لتأليف قلوب وتسكين معاشيين منه. طرقتها كلها بدعوات منها في هوشة التأسيس ثم تتعطل بئرها ويبقى قصرها المشيد وسياراتها البيضاء تسر الناظرين.

لم أكف أخالي رفاقي في المعهد ألا يقبلوا بدور الضحية صاغرين. وميزت صراعهم لإبقاء كيان المعهد حين كادت الجامعة أن تحله في معاهد أخرى ليست من سنخه أو خطره. ودعوتهم ليخرجوا لتمويله بصورة مستقلة وقد انفتحنا على العالم بعد انغلاق. وكان أكثر مالنا أصلاً من هبات مؤسسة فورد والمركزين البريطاني والياباني. وكنا نحسن عرض مسألتنا لهم. واقترحت عليهم أن يكون بدء انطلاقتهم يوماً مفتوحاً (أو أيام) يرى فيها الناس وأهل الإحسان للثقافة أرشيفهم في خدمة المأثور السوداني بأكاديمية وطنية لم تترك فرضاً في تدوينه من كل صوب وصقع.

البحث أكيدة. والتهتهة بنظرية التآمر، كلما ذرع ديك الجيران حائطنا، قلة أكيدة كالكذب.