تاريخ المسمى كوش بقلم:الطيب احمد محي الدين

06:30 PM April, 18 2021

سودانيز اون لاين
الطيب احمد محي الدين-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

يعود اول ذكر لاسم “كوش” الى اللوح (فلورنسا 2540) في الدولة الوسطي (2050-1786 ق.م) خلال عهد الملك سنوسرت الأول حوالى 1971 قبل الميلاد السنة العاشرة من حكم امنحات. انظر (سامية بشير 1999،149).
سجل هذا النقش ضابط اسمه " منوتحب " في بوهين. في مناظر هذا النقش يظهر اله الحرب الطيبي " منتو " وهو يقدم للملك امنحات (سنوسرت) عدداً من الاسرى المكبلين A.j.Arkel. 1961. Pp.59—60) و( G.posener. 1958.p.47.).اظهرت مناظر النقش عشرة اسرى يمثلون عشر امارات، الا ان بوسنر يرى ان قائمة هذه الاماراتا تضم 29 امارة وليس عشرة.
في النقش فلورنسا جرى تسجيل أسم كل امارة داخل اطار بيضاوي تحت رأس وكتفي الاسير. بينما ظهر المسمى (كوش) مسجلاً تحت صيغة (كاس). بجان أسماء كل من امارات الواوات ومدجا وكاعو ويام ..الخ الملاحظة التي تجلب الاهتمام هي ان اسم (حاكم كوش) تصدر دوماً اسماء حكام الامارات الأخرى.: (سامية بشير : تاريخ الحضارات 134). بقية الامارات في النقش شملت " شعات " في صاي جنوبي بوهين، وأمارة " شميك " وحسب نقش تم اكتشافه حديثاً بات من المعروف ان " شميك " هي شلال " دال " شمال صاي J.vrcoutter.1958.pp.147 -148
وبالتالي نطمئن الى ان " كوش " كانت في البداية تقع في مكان محصور بين " شلال دال " و " سمنة " في الجندل الثاني . G.posener. 1958.p.50

نقش أخر من مقبرة الضابط " اميني " في موقع بني حسن يقدم اشارة ثانية عن المسمى كوش خلال غزوة " سنوسرت الاول " حيث يتحدث " اميني " عن ابحاره جنوباً في معية الملك سنوسرت الاول وانه : (اجتاز الى ماوراء كوش ووصل الى أخر الارض) . ( (A.Gardiner.1961.p.134في النقش فلورنسا وغيره استخدم الفراعنة مسمى كوش " للدلالة على منطقة واسعة، رغم انها كانت قبل هذا في اطار جغرافي ضيق وان كانت وثيقة بوهين (نفس النقش) تبين اسماء المناطق من الشمال للجنوب جرياً وراء تقليد اتبعته وثائق اخرى معروفة من نفس الفترة ، فان موقع كوش عندئذا لا يكون شمال " شعات " وحسب ، بل وشمال " شميك " أيضاً . G.posener. 1958.p.60

يمكن القول بأن كوش ظهرت للمرة الأولى على مسرح السياسة الدولية تحديداً تحت هذا الاسم منذ نهاية النصف الأول للألفية الثانية قبل الميلاد. وقد أطلق ملوك نبتة ومروى على بلادهم اسم كوش وهو ما فعله كل من أسبالتا، وهورسيوتف، ونستاسن. ورغم أن اسم كوش قد استخدمه المصريون الى جانب أسماء أخرى منذ عهد المملكة الوسطى، وعنهم استخدمه الآشوريون والفرس فى مدوناتهم،
بل وبهذا الاسم ذكرت البلاد فى الكتاب المقدس، فانه وفى أزمان لاحقة صارت الكتابات المتخصصة، بفعل تقليد يعود الى الإغريق والرومان بداية والى الكتاب العرب فى القرون الوسطى لاحقاً، تلجأ الى استخدام تسمية إثيوبيا أوالنوبة للدلالة على كوش.(اسامة عبد الرحمن النور: مقالة اشكالية التسمية . مجلة الاثار السودانية . اركماني).
ورد المسمى (كوش) تحت صيغة (كاس) ايضا في وثائق عصور الإضمحلال التي تلتها، كإشارة إلي مملكة كرمة الكوشية، عندما استحوذت كوش على كرمة خلال مرحلتها الكلاسيكية، حسب الوثائق الفرعونية فان كل من كوش وكرمة ويام ذكرت كممالك منفصلة قبيل استحواذ كوش ان على كرمة لتتخذها قاعدتها الاساسية ما ان ازدهرت ثروة وقوة الزعماء المحليين الذين تمكنوا من اجلاء اسقاط القلاع المصرية في بوهين ومريقسا وغيرها لتدار لصالح النخبة الكوشية الجديدة في كرمة.

حينها ظهر وثائق المرحلة الجديدة المسمى كوش كاشارة الى كرمة عند مستخدمين فرعونيين عملوا لصالح الملك الكوشي. واحد من هؤلاء الموظفين أسمه سبدهر. أشار سبدهر في احد النقوش الى المسمى كوش بقوله :( لقد كنت حاكماً جيداً لبوهين. انا بنيت معبد حورس رب بوهين ارضاء ملك كوش). (أدمز : رواق افريقيا. 190). بينات المدافن في كرمة كشفت عن وثائق أخرى لموظفين اجانب أشاروا ايضاً الى المسمى (كوش) ابان عملهم تحت خدمة الملك الكرمي ندح.
في تلك الازمان كانت مصر الشمالية في الدلتا ترزح تحت نير احتلال الهكسوس، وهم أقوام اسيوية تسللت لمصر ومكنها تفوقها التسليحي ـ جلبوا لاول مرة العربة المجرورة بواسطة الخيل والتي عدت بمثابة مدرعة ـ ليتمكنوا من اجتياح نصف مصر. وصف أحد المؤرخين أزمان الهكسوس بانه عهد الاذلال العظيم. وخلال هذه الحقبة في القرن السادس عشر قبل الميلاد كانت (كوش الجديدة) في عاصمتها كرمة قد بلغت الأوج في عظمتها. مددت كوش الجديدة نفوذها بالتدريج حتى تخوم اسوان الجنوبية عند مدينة الالفنتين (ادمز: الرواق. 208)
القوة والمنعة التي تمتعت بها كوش أشار اليها الفرعون كامس في طيبة في نقشه متذمراً: (كيف لي ان أجلس على عرش مصر في طيبة مطمئناً، ما دام هنالك ملك كوشي في كرمة ينازعني، وأخر من الهكسوس يسيطر على شمال مصر هذه). (الواح كاموسي: سميث 1906) و (بوسنر: 1906 نصوص الابعاد)

يستطرد كامس في الحديث عن خطاب ضبطته استخباراته غرب الواحات مرسلاً من قبل ملك الهكسوس " ابوفيس اوزير رع ابو فيس " من عاصمته افاريس في الدلتا الى ملك كوش في كرمة : ( ابن الملك في كوش، كيف لم تخبرني باعتلائك العرش ... ان الفرعون كامس في طيبة يعد العدة للقضاء علينا معاً .. انه الان يوجد بعيداً في الدلتا. عليك ان تتقدم نحو عاصمته وساحرص على تأخيره أقصى ما يمكن.. وعندئذاً يمكننا اقتسام مصر معاً ) يرى كل من (امري ، 165) و (اكونور، 41) (تريقر، 65) ان المملكة الوحيدة بالاقليم كانت هي كرمة " كوش الثانية " يتفق مع هذا كل من بوسنر، وسميث 1906 وهينتزا. وكذلك برستد في كتاب Ancient Records of Egypt (vol 1 and2 ) 1906
مهما يكن فان الملك احمس بمجرد أكمال حربه التحريرية واجلاء الهكسوس، فانه تفرغ لمسألة كرمة. وفي حوالى العام 1450 أو 1500 قبل الميلاد سقطت كوش في كرمة خلال ازمان الدولة المصرية الحديثة (1850 ـ 1100 ف.م) ومنذ ذلك الوقت تواتر المسمى (كوش) باستمرار في الوثائق المصرية باعتبارها أحدى ولايات امبراطورية طيبة الجديدة. وقد برز المسمى كوش مرتبطاً مع القاب نواب الفرعون هنالك عندما اسبغ فراعنة طيبة على نوابه الجدد في كرمة لقب (ابن الملك في كوش) احد هولاء الموظفين هو (وسر ـ ساتت) كان الصديق الشخصي للفرعون امنحتب الاول.. في موضع اخر أشار فرعون اخر هو رعمسيس سبتاح الى المسمى (كوش) في سياق حديثه عن رحلة قام بها الى كوش لينصب الحاكم الجديد، رغم انه كما يبدو لم يصل الى العاصمة كرمة نفسها واكتفى بالوصول الى بوهين.

من الاسماء المعروفة التي تولت ادارة كوش شخصية نعرف ان اسمها " با نحسي " الذي تسلم ادارة الاقليم في عهد الملك رمسيس الحادي عشر ولكن هذا اللقب اختفى فيما بعد بعد ان ظل مفوضاً لمدة اربعة قرون (سليم حسن : موسوعة تاريخ مصر. الجزء العاشر 14 ، 15 ، 16).

تظهر وثائق متفرقة أخرى الاهمية الكبيرة لمنصب نائب الملك في كوش من خلال التأثير الكبير لكوش في القصر الملكي في طيبة للدرجة التي جعلت الكاهن حريحور يعتمد على قوة كوش لدعم وصوله الى العرش في العاصمة وقد سارع لضم لقب ابن الملك في كوش تمهيداً للوصول للعرش. لم ينقطع تواتر المسمى (كوش) خلال أزمان الدولة الوسطى مثلما نلاحظ في حوليات الملك تحتومس من خلال وثائق الضرائب حيث أشير الى ذهب كوش ضمن كميات الذهب المجلوب من السودان القديم. هنالك احصاءات تبين ان كوش قدمت للخزينة الملكية ذهباً بلغت زنته 595( دبناً أي 120 رطلاً) مقابل ذهب الووات والذي بلغ. 710 دبناً. (سامية بشير : تأريخ الحضارات السودانية 2011، ).
لم ينقطع اسم كوش من الوثائق التاريخية بعد سقوط مملكة كرمة في ايدي المصريين حوالي عام 1450 ق.م. بل استمر يرد في وثائق الدولة الحديثة حيث أطلقه المصريون علي المنطقة الممتدة بين الشلالين الثالث والخامس ( أو ما يعرف بالنوبة العليا) . وارتبط الاسم منذ ذلك الوقت بلقب الحاكم المصري المكلف بإدارة هذا الجزء من السودان وهو " ابن الملك في كوش" . ووجد ذات اللقب بعد انهيار الدولة الحديثة يحمله بعض وجهاء المصريين وأمراؤهم علي ايام الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين. (عايدة محمد على : الزينة والكياج . الموسوعة السودانية).ww.sudapedia.sd/ar/content/438
مع ضعف النفوذ الفرعوني في مصر فاننا نمر بما يسميه العلماء بالحقبة الكوشية المظلمة نتيجة لقلة الوثائق التي تبين الوضع السياسي في شمال السودان. ويبدو ان الزعماء المحليون ـ ربما تعود اصولهم الى كرمة ـ تقاسمواسلطة الاقليم. مهما يكن فاننا ومنذ القرن العاشر قبل الميلاد نشهد بروز زعامة جديدة يبدو انها سيطرت على الاقليم متخذة من الكرو ـ مدينة محصنة بسور ـ قاعدة لها. ومع ان العلماء عثروا على مقابر الجيل الاول من اسلاف النبتيين، الا انه لا توجد أية وثائق تحدد طبيعة الانتقال السياسي الجديد. ان أسماء السلف الستة عشر الاوائل في امارة الكرو لا تزال مجهولة وبالتالي ومع الاستيقان بداهة ان المسمى كوش لابد انه ظل حياً في الذاكرة.

ابتداء من ملوك الاسرة 25 احفاد الزعيم الارا في الكرو فان المسمى كوش يعود للظهور مرة أخرى في الوثائق الملكية ابتداء من كاشتا أو كوشتو أو كاشتو وهوأسم مقطعي مكون من لفظتين هما ( كاش ــ تو) وتعني حرفيا الكوشي والذي يعني ــ الذي من كوش ــ إن كوشتو ليس هو الوحيد المنسوب لكوش باسمه. فان كثير من الرجال والنساء الذين عاشوا بمصر نسبوا إلى كوش تحت اسم ( الكوشي أو الكوشية ) في باللغة المصرية القديمة (عبد القادر محمود : مقالة ).
في وقت لاحق، ستخدم ابناء واحفاد هذا الملك نفس المسمى ، حيث يذكر كل من بيا " بعانخي" وتهارقا واسبلتا باستمرار المسمى كوش في حولياتهم. نقش بعانخي ( Piye) من معبد أمون في نبته ( ٧٤٧قبل الميلاد) ففي نص نقش تتويج الملك بيا في معبد الكبير معبد امون البركل يشير بيا (بياعنخي) في السطر الثالث تحديداً : (ان معبودهـ امون اختارهـ ملكاً منذ تكوينه في رحم أمه)، قبل ان يستطرد بأنه قد وسع ملك كوش وصنع الخوف في حكام كل المناطق المجاوره لكوش. ويذكر كذلك ان (الإله ديدون، في المقام الأول في أرض الأقواس، هو إله كوش." وفي العمود الأول من نص الملكه يذكر النقش ويعرف خطاب أخت الملك وأم الملك ونبيله كوش , ناسالا

يشير الملك تهارقا صراحة الى المسمى كوش في نقش المتن الخامس الذي امر بنقشه لتخليد مراسم تتويجه ملكاً في منف : (ارسلت الى والدتي أبار حلوة الحب. ليتها تعيش، لتحضر من كوش وترى بهاء ابنها الجالس على العرش).
وفي جدارية تهارقا في معبد الكرنك(بيريستايل شمال بايلون 6) ، يستهل تهارقا كلامه بوجهه نظره متضرعاً لآمون الذي أعطاه المُلك، حيث استطرد الملك تهارقو في السطر رقم الثامن : (إسمح لي بأن أحضر لك من تانحسي.. كوش) وفي هذا السطر يبدوا جلياً إستدلال تهارقا بموطنه تحت أسمين من أشهر الاسماء (تانحسي و كوش). (عمر الحاج : مجلة تاسيتي. والموقع .sudanlc.com/كوش-السودان-القديم-مقتطفات-من-تاريخ-ال/).
ثم يعاود المسمى كوش الظهور ـ على الأقل في الوثائق التي وصلتنا ـ مع الملك النبتي اسبلتا، في اللوح المعروف بلوح الانتخاب أكثر من مرة ففي السطر 12 يصف أسبلتا آمون بأنه " إله ملوك كوش منذ أيام رع " . وفي السطر 22 يشير إلي " تيجان ملوك كوش وصولجاناتهم" كذلك يظهر المسمى كوش في لوح أخر لنفس الملك هو نقش الوقف، أو ما يدعى أيضاً بـ ( لوح الأميرة ماديقان . في سطر 7 أشار الملك لشخصية منحها لقب " كاتب كوش الرئيس" (عايدة محمد على : الزينة والكياج . الموسوعة السودانية ww.sudapedia.sd/ar/content/438

لم يتوقف دلالة المسمى عند ذكره في النقوش فحسب بل اخذ عدد من ملوك كوش اسماؤهم نسبةً للاسم الاصلي للبلد كوش فنجد راس الدولة النبتية ووالد بعانخي (شقيقه الاكبر) الملك) وكذلك الملك المروي تكريد اماني يلقب بافئدة كوش (اسامه عبدالرحمن النور).) وحتى الملك الكوشي الشهير كان يحمل لقب (الكوشي الذي أتى مع الإلوهية)

ترد في وصفيات النبتي اسبلتا (593-568 ق.م) في نقش لوح الإنتخاب الشهير السطر الثاني عشر أبان توليه العرش في نبتة معبوده امون بإنه (إله كوش منذ عهد رع) ويذكر كذلك في السطر 22 (تيجان وصولوجانات ملوك كوش) ..!! ويشير تسبلتا كذلك في لوح الوقف “نقش الاميرة مايقان” في السطر 7 عن (كاتب كوش ..) الخ . راجع ايدي
241and237k1994 Eide,hov,k

في مروي، ظل المسمى كوش متواتراً في عدد كبير من النقوش والوثائق المروية. يشير قريفث الى احتمال وجود اشارة في الحائط الشمالي لقصر الملك في مروي الى محل اقامة الملك امنحات مقرونا بسكان كرمة ( قريفث : في كتاب ماكادم معابد الكوة مجلد 2. ص 9) لهذا اقترح دنهام العودة الى المسمى كوش بدلا من (اثيوبيا ) التي تمثل مفهوما فضفاضا يطلق على سكان شرق افريقيا والهنود وغيرهم دونما تحديد (دنهام : السودان في رسائل ومدونات عدد 28 ص.1 ).

مثلما تفاخر اسلافهم في نبتة القديمة بالمسمى كوش ـ بجانب أسماء ناستت و الخاستاينو ــ فان الملوك في مروي كذلك كانوا شديدوا الاعتزاز بالمسمى كوش. واحد من اولئك الملوك هو اركماني تضمنت القابه لفب الكوشي. (Fontes Historiae Nubiorum الجزء الأول والثاني).وكذلك الملك اماني نتي يركي. وتكرر كذلك اسم “كوش” بإعتبارها المسمي الاصلي عند الملك حارسيوتف في نقشه السطر الاول (أخت الملك .. ام الملك سيدة كوش، تسما نفر ) بينما يشير الملك نستاسن في نقشه الى عن الام الملكية “بلخا” باعتبارها (سيدة كوش) ، أيدي وأخرون 1966 ص 439, 472

وفي السطور 20 ، 22 ، 26 ، 32 . يذكر نستاسن من خلال وصفيات تتويجه ملكاً في المعابد الثلاثة التي زارها في الحج " مراسم التتويج " كيف ان الكهنة سلموه تيجان وصولجانات كوش فأخذها بيده اليمنى
يقول نستاسن انه استلم بيدهـ اليسرى عصا " الواس" التي هي على شكل علامة عنخ " مفتاح الحياة " ويستطرد في سياق حديثه، انه طلب من معبودهـ ان يمنحه الهه تيجان كوش، وكيف ان امون أجابه : (لقد منحتك تيجان وصولجانات كوش) او (تيجان تاسيتت) او (تيجان تاـ نحسي) وفي سياق اخر قد تكون الاجابة (منحتك تاج أخوك فلان) ان امون يجيب نستاسن (منحتك تيجان أخيك انلماني). (سامية : كوش، 186). ويشير الملك نستاسن في نقشه أيضاً الى انه استلم تيجان سلفه حارسيوتف (عمر الزاكي: مروي . 53).
ومن المواضع الهامة في نقش نستاسن التي ورد فيها المسمى كوش باعتبارها بلاده أشارة الى الام الملكية " بلخا " حيث أسبغ عليها الملك لقب (سيدة كوش ). ( أيدي وأخرون 1966 ص 439 في سامية بشير، مملكة كوش) هذا الاجلال لسيدات كوش الملكيات ( نقش ناستاسن :Nastasenمن القرن الرابع قبل الميلاد الموجود في متحف بيرلن). وكما ذكرنا انفاً، فان المسمى كوش شكل جزء من القاب الملوك مثلما يظهر كذلك في لقب الملك تكريد اماني الذي أتخذ لقب لقب ( باو- ن – كاش) والتي تعني (أفئدة كوش) . sudanlc.com/اسماء-السودان-في-التاريخ-القديم/الطيب عبد العال اركاماني كان يلقب (الذي أتى مع الألوهية ) كذلك ورد المسمى كوش في نقش بمعبد الكوة لملك مجهول وجد اسمه منقوشاً على الذهب كان جزء من اسمه المسمى كوش.: “1917, 161and ايدي واخرون 1996 , 72Girffith. كذلك فانه في نقش الحماداب الذي يعود الى الأمير اكينداد بن الملك تريتقاس والكنداكة اماني ريناس يظهر المسمى كوش بذات اللفظة وليس غيره. ايضا ظهر إستخدام المسمي “كوش” في نقوش متعددة في الدكة والفيلة يشير أصحابها بانهم يعملون في “خدمة ملك كوش” أنظر (ايدي واخرون فيلة 41, 421 , 1998م).)

استحدم المسمى كوش كذلك في عديد النقوش المروية التي تتحدث عن سيدات القصر. وردت أسماء ستة من نساء العائلة المالكة من الاخوات الملكيات، والامهات الملكيات وزوجات الملوك الكوسيين تحت صفة " سيدات كوش" المصدر (عبد القادر محمود: السودان المجني علي).

أظهرت لوحات المناظر الملكية اسماء عدد كبير من سيدات العائلة المالكة وبالذات في مناظر تتويج الملوك. حيث حظين دوماً بمواقع بارزة في لوحات التتويج خلف الملك مباشرة بما يؤكد ضرورة وجودهن لاسباغ الشرعية على حكم الملك الجديد اثناء تتويجه ملكاً.عديد المناظر هذه ظهرت في نقوش تهراقا (690 ـ 664 ق. م ) وكذلك عند الملك انلماني (623 ـ 593 ق.م ) واماني نيتي يركي (31 ـ 05 ق. م) وعند الملك نستاسن نفسه. ان هؤلاء السيدات الملكيات حملن دائماً القاباً مهيبة ترتبط بالدولة والاقليم ومن أهم هذه الالقاب لقب ( سيدة كوش ) بجانب الالقاب الاخرى مثل (سيدة تاسيتي) و (سيدة مصر) و (سيدة الخاساتيانو). (عمر الزاكي: مروي ، 47 ، 48).startimes.com/؟t=29841065( عبد القادر محمود . ://aboaagla.blogspot.com/2010/12/blog-post_19.htmlsudanile.com أصول السودان رقم 22).

يتواتر ذكر المسمى " كوش " في الوثائق الخارجية الاشورية. ان كل من الملكين الاشوريين أسرحدون وابنه أشور بانيبال، وصفا تهارقو بأنه "ملك مصر وقوس" ( كوش )
ويشير الملك الاشوري اسارحادون في حولياته 680 ــ 669 ق. م الى اسم كوش في قوله " تارقو ملك كوش " (ريتشارد Pritchard 1955 – 292 وكذلك W.Budge. the Egyptian Sudan 11.p. 39.)) .) وقد سمى الآشوريون مملكة كوش التى خاضوا ضدها حرباً ضروساً "مانتو كوشي" لكل هذا اقترح دنهام منذ عام 1946 الرجوع الى استخدام تسمية كوش للدلالة على إثيوبيا النيلية وذلك استبعادا لسؤ الفهم والبلبلة. وكانت شعوب الشرق الأوسط قد أخذت التسمية عن المصريين كما ألمحنا. ففى مكاتبات تل العمارنة ورد الاسم كاشي وكاشا وفى حالات كوش. (اسامة عبد الرحمن النور : اشكالية التسمية. مجلة الاثار السودانية . اركماني). أما في الاسفار المقدسة وبالذات كتاب العهد القديم (التوراة وبقية الاسفار) فان المسمى كوش يتردد أكثر من خمسة وعشرين مرة في عدة مواضع. وقد حددت التوارة حدود السودان القديم بانها البلاد الواقعة جنوب اسوان مباشرة ـ حوالى ثمانين كيلومتراً ـ وهي الحدود القديمة للسودان، قبل ان تنتزع بريطانيا من بادية حلفا الشمالية حوالى 200 كم وتضيفها لمصر وفق اتفاقية 1902م .
تعود اسباب بروز المسمى كوش بهذه الكثافة في التوراة وباقي اسفار العهد القديم الى الظروف السياسية التي مر ت بها مصر واقاليم الشرق الادنى القديم عندما انطلقت كتائب الاشوريين الفظيعة لتكتسح ممالك الشرق كلها. وبما ان الكوشيون " الاسرة الخامسة والعشرين" قد ساروا على سنة الفراعنة الاخرين في النظر الى اقليم سوريا الكبرى " فلسطين ولبنان وسوريا الحالية " كجزء أصيل من الامبراطورية الفرعونية، فان كل من شبتاكا وترهاقا وخليفته تانوت امون خاضوا صراعاً مريراً ضد أشور خلال عهدي سرجون واشور بانبيبال.

لهذا فان ممالك اسرائيل وفينيقيا استنجدت بالفرعون الكوشي القابع في العاصمة طيبة. عدت اسرائيل القديمة بالتالي ملوك كوش كمنقذين وحلفاء. مما جعل صدى العمليات العسكرية بين شور وكوش يتكرر في كتاب العهد القديم المسمى ايضاً بالتوراة من قبيل اطلاق الجزء على الكل. مهما يكن فان الاشوريون تمكنوا من اجلاء الكوشيون من مناطق نفوذهم في الشرق الادنى بسبب تفوق اسور التسليحي حيث استخدم الاشوريون اسلحة حديدية مقابل سيوف ورماح الفيالق الكوشية المصنوعة من البرونز وهو سبيكة لينة من القصدير والنحاس.
ومن أشهر الواضع التي أشارت للمسمى كوش سفر النبي اشعيا الاصحاح الثامن عشر : (1يَا أَرْضَ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ، 2الْمُرْسِلَةَ رُسُلاً فِي الْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ الْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. اذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا. 7فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ الْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيل وَأَجْرَدَ، وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا) وفي موضع أخر من سفر النبي حزيقال في كتاب العهد القديم يرد المسمى كوش " وأجعل أرض مصر خرابا مفقرة من مجدل إلى اسوان إلى تخم كوش" (سفر حزيقال – الاصحاح 29)
وفي نفس سفر النبي أشعيا، الاصحاح 37 يرد المسمى كوش في سياق قوله "ووصلت رسالة الى الاشوريين بان ترهاقا ملك كوش جاء يقود جيوش المصريين لمهاجمهتم " اما سفر العدد الاصحاح الثاني عشر فيشير الى امرأة كوشية هي زوجة النبي موسى "وتزوج موسى بامرأة كوشية وقد عنفه كل من مريم وهارون على ذلك .. الخ " . اما سفر الملوك الثاني19 ، 9 فقد اورد المسمى كوش صراحة " وَسَمِعَ عَنْ تُرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشٍ قَوْلاً: قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ»

وفي المصادر الابسينية (الحبشية القديمة) ظهر المسمى كوش في نقش الملك عيزانا ملك اكسوم والذي سير حملة نحو النيل ربما انهت الوجود الاخير للملكة كوش. أشار عيزانا " ايزانياس" الى اهدافه التي لخصها في تأديب قبائل النوبة الزرق التي هاجمت العديد من المناطق حيث أشار الى المسمى كوش تحت لفظة " كاس" و " كاسيو" Arell. Op. cit. pp. 82 – 171,3. وبالطبع فان هذا هو النطق السليم للمسمى كوش. والملاحظ ان تحريف المسمى الاصلي " كاس " قد جرى على يد احبار الاسرائليين حيث ابدلوا حرف الشين بالسين. كوش بهذه الكيفية لفظ اشوري جاء في نقش اشوري يشير الى الملك الكوشي تهارقا " ... تاركو ملك كوش" وقد أخذ كتاب العهد القديم هذا المسمى بشكله الاشوري من الاشوريين ومن ثم تبناه العلماء لوصف حضارة وادي النيل الأوسط (السودان). الا ان هذا المسمى باقدمية واصل لغوي هو في أصله ( كاس/كاش / كش). الا الإسم (كوش) الشائع حالياً ثبته طريقتهم المعروفة علماء المصريات القديمة بنطق السين شين (س = ش) إتساقاً مع القراءة التوراتية القديمة للإسم التي تنطق حرف السين شين وحرف الألف حرف واو (أ = و) فيصبح (كوش).(عماد حرزاوي: فيس بوك).

كما أنها تتسق مع بعض كتابات الإسم بخط مدو نتر (هيروغليف) ذاتها حيث ترد مرة بعلامة الـ(شن) التي تقرأ حرف شين (ش) فيقرأ (كاش) ومرة بعلامة الـ(منديل مطوي) التي تقرأ حرف سين (س) في العربية وحرف (S) في اللغة الإنجليزية فيقرأ (كاس) كذلك نشير الي أن الإسم يكتب مرات بعلامة الـ(مزلاج) وتقرأ حرف (ز) فيصبح (كاز) وقد ذكرنا من قبل أن اللغوي البارع أحمد كمال باشا قد قرأه (كوز) وخرَّجناه نحن من وجهة نظرنا اللغوية بـ(قوز) في إشارة للتسميات المعروفة لدينا لأسماء البلدات مثل القوز، قوز المطرق، قوز بدر، قوز العلم، قوز ود دراشة، قوز بُرَّة(عماد جرزاوي: مصدرية المسمى كوش. فيس)ttps://web.facebook.com/groups/ku####epro/permalink/401236173631161/؟_rdc=1and_rdr(

هكذا فان المسمى كوش هو واحد من أهم المسميات التي يمكن اطلاقها على السودان القديم، رغم ان هذا المسمى سبقته اسماء أخرى أهمها تا ـ سيتي " ارض الاقواس " وتا ـ نحسي " ارض السمر" واسماء اقاليم اخرى مثل الواوات. الا اننا لا نعلم متى بالضبط ظهر المسمى كوش الى حيز الوجود طالما اننا لا نزال حتى الان نتعامل مع شح كبير في المصادر الاثارية. من جهة فان بروز امارة كوش الاولى كان في نطاق جغرافي محدود قد عاصرتها مملكتان ـ على الاقل مما نعرف حتى الان ـ هما كرمة ويام . ويبدو ان تطورات الاحداث قادت لهيمنة كوش على يام وعلى كرمة ومن ثم فان كرمة صارت هي كوش. ولاليس من المستبعد ان هنالك علاقات قربى بين اصحاب كرمة الاولى ربما " المجموعة الحضارية الثالثة حسب بعض التوافقات " وبين اصحاب كوش.

مهما يكن فان كوش الفتية منذ بروزها شكلت عنصراً سياسياً وثقلاً عسكرياً وحضارياً منذ ازمان ما الدولة الوسطى (2050-1786 ق.م) مروراً بمراحل كرمة الكوشية 2500 ق. م ثم مملكة الكرو الكوشية فمملكة نبتة واخيراً مملكة مروي. كل هذه الكيانات مثلت المراحل الاربع التي صنعتها كوش على امتداد زماني ينوف عن 2800 سنة كاملة ، مما يجعل من المسمى كوش الحقبة الاطول زمانياً والاكثر انجازاً حضارياً والاشهر عالمياً. (تم النتقيح : الطيب احمد محي الدين: الخرطوم7/ 4 / 2018م) والله الموفق.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأريخ المسمى تا ــ سيتي
الطيب احمد محي الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مع المسمى كوش الذي أشار به الملوك الى انفسهم وبلادهم، فانهم اسماء سودانية شديدة القدم . ابرز تلك الاسماء كان المسمى تاسيتي والذي ظهر منذ الالفية الرابعة قبل الميلاد في مملكة القسطل، الملكية الاولى في كامل وادي النيل والتي سبقت ظهور ملكية عصر الاسرات بمصر بمئات السنين. ظل المسمي " تا ـ سيتي " قائماً معروفاً منذ ازمان الكرو السابقة لبروز مملكة جديدة في نبتة وشكل استمراريته كذلك طوال العهودالكوشية في مروي، وبمعنى أخر فان المسمى تاسيتي ظل متواتراً في النقوش بعد اكثر من الفي سنة على اختفاء مملكة تاسيتي حوالى 2900 ق.م ، واستمر مستخدما طوال حقب مملكتي نبتة ومروي مما دل على ان الكوشيون لم ينسوهـ ابداً.

تجادل سامية بشير ( سامية: نوبة النيل ، 16) بان أسم تاسيتي في نظرية حديثة ربما يعاصر عهد نقادة الثانية حسب التقويم المصري. الا انها تشير الى ان اقدم ظهور لهذا المسمى يظهر مابين3100 الى 2980 قبل الميلاد، في اللوح العاجي لثاني ملوك الاسرة الاولى الملك حور عحا. اشتملت مناظر لوح الملك عحا على أسرى تم وصفهم عبر اللغة الرمزية باعتبارهم أسرى من بلاد القوس . وقد تكون هذا الاسم المقطعي من كلمتين هما " تا" والتي تعني الارض وسيتي وتعني القوس (تا ـ سيتي) ارض الاقواس (اركل، 1961، 40 في سامية بشير 2017).

الاشارة الثانية للمسمى تاسيتي) تظهر في نقش جبل سليمان بالقرب من حلفا. صورت مناظر نقش جبل سليمان أسرى يطفون بالقرب من سفينة. وظهر في طرف السفينة أسير مقيد بجبل متين مربوط بمقدمة السفينة . وعلى يسار الجثث الغارقة يظهر أسير أخر واقف على رجليه ومقيد اليدين من الخلف في شكل قوس (سامية : 2011، 118).
الاشارة الثالثة للمسمى (تا ـ سيتي) ظهرت من خلال عمل أدبي يدعى (نبؤة نفرتي) يعود الى أزمان الملك امنحات مؤسس الاسرة الثانية عشر. تقول تلك النبؤة والتي حدثت في زمن الملك سنفرو أول ملوك الاسرة المصرية الرابعة : انه سيظهر بمصر بعد فترة الاضطرابات والنزاعات السياسية رجل قادم من جهة الجنوب أمه من (تا ـ سيتي) وان هذا الرجل هو من سيوحد مصر ويعيد اليها الامن والسلام (سامية : 2017، 17).

كان اركل قد فسر نقش جبل سليمان وأرجعه الى الملك (جر) وقال ان اسم الملك مكتوب على واجهة القصر اقصى يسار النحت، وان شكل القوس الذي جرى تقييد الاسير به يشير الى أسم الارض (تا ـ سيتي (اركل1961، 39) ولكن تفسير اركل لنقش جبل سليمان تعرض لانتقادات من كثير من العلماء والذين رفضوا القول بان اسم الملك منحوت على اللوح.
يعتقد بروس وليامز ان مناظر نقش جبل سليمان تعبر عن وقوع الاسير في يد ملك تاسيتي وان هذا النقش يجب ارجاعه الى ازمان تسبق عهد الملك جر باجيال طويلة . ويرى بروس ان هذا النقش يجب ان يضاف الى اثار المجموعة الحضارية السودانية الاولى في حقبتها الكلاسيكية خلال مملكتها تاسيتي( وليامز، 1980، 19).

ومع اننا لم نتعرف على نصوص كوشية كافية من مرحلة كرمة تشير للمسمى تا ـ سيتي ، الا ان هنالك أشارة لأسم احد الموظفين الذين حملوا لقب ( نائب الملك في كوش ). هذا المسئول كما ورد اسمه في الوثائق المصرية هو " اوسر ساتت " والذي كان هو الصديق الشخصي للفرعون امنحتب الاول. نحاول هنا طرح فرضية حول تفسير اسم هذا الموظف من خلال تفكيك الاسم المقطعي لهذا المسئول وسر ـ ساتت. باعتبار ان اسم اوسر مستل من اوزريس مثلما جرت العادة في اسماء كثير من الناس انذاك بقرن اسمائهم مع اسماء الالهة كان كثير من الاسماء القديمة يضاف اليه اللقب " اوسر " كبادئة لغوية مثال " اوزير ـ فلان الفلاني" بمعني " عبد اوزريس او عابد اوزريس" ومايهمنا في هذا السياق هو المقطع الاخير من أسم ذلك الموظف وهو " ساتت " اعتقد ان ساتت تشير الى اقليم تا ـ سيتي" والتي تأتي كاشارة للارض والمملكة والسكان " ستيو " حسب هذه الفرضية التي نتقدم بها في معالجة تفسير اسم الموظف يصبح الاسم كالاتي (فلان عابد اوزير .. التاسيتي) حيث ترد دوماً البادئة " اوزير " في عدد كبير من الاسماء الكوشية والفرعونية أشارة الى اجلال معبودهم اوزريس فيقال كمثال " فلان اوزير" وقد ظلت البادئة اوزير تظهر في كثير من الاسماء الكوشية حتى خلال حقبة مملكة مروي المرحلة الكوشية الرابعة الاخيرة.


الوثائق النبتية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ذلك لم نعد نطالع في الوثائق ظهور مسمى تاسيتي. ولكن الاسم عاد للظهور من خلال المدونات الهيروغلافية في وثائق مملكة نبتة السودانية. ظهر الاسم تاسيتي مستخدماً للاشارة الى كامل شمال السودان.. ظهر المسمى (تا ـ سيتي) في نقوش الاسرة الخامسة والعشرين في النصوص النبتية وغيرها بشكل مختلف قليلاً في شكل (تا ــ ستيت). مثلما يرد بهذا الشكل في الواح تهارقا. بشكل يتطابق مع صيغة تا ـ سيتي في المعنى. ومن المعروف ان ازمان صعود مملكة نبتة الكوشية برزت بعد وقت طويل جدا من اختفاء مملكة تاسيتي.

وقد ظهر المسمى تاسيتي جنباً لجنب مع أسم كوش الشهير ومع اسماء الخاستايانو وتا ـ نحسي كمصدر لتسمية البلاد ونسب اسكان وملوك الاقليم. ففي نقش الملك تهارقا (الكوة 5) أو ما يدعي ايضاً بـ (المتن الخامس) أو (نقش الفيضان) يسجل تهارقا: (... السماء أمطرت في تاسيتي) ويعود الملك تهارقا نفسه ليكرر المسمى تا ـ في ( النقش كوة 4 ) بالقول: ( انه كان يقيم مع إخوته في تاسيتي) ويشير تهارقا في موضع اخر في سياق التعريف بنفسه " انا كوشي من تا ي سيتي" (ماكادم: معابد الكوة)

كذلك اشار تهارقو الى المسمى تاسيتي في نقش (كوة 5) او ما يدعي بلوح الفيضان: ( لقد أمطرت السماءفي تاسيتي وعم الرخاء ..الخ) ويلاحظ ان الاسم تاسيتي تمت كتابته بصيغة محورة ( تا ـ ستت.

الوثائق المروية
ــــــــــــــــــــ
فيما بعد وعندما انتقل ثقل كوش السياسي الى العاصمة الجنوبية مروي شمال شندي الحالية فان المسمى تاسيتي حياً بشكل متواتر في عدد كبير من النقوش المروية مما دل على اعتزاز الكوشيون بهذا المسمى العريق القديم. يذكر الملك أماني نتي يركي أنه إستلم تاج تاسيتيو ورد المسمى تاسيتت صراحة في نقش تتويج الملك اماني نتي يريكي ( النقش كوة 9) والذي اشار الى تاسيتي أكثر من مرة في سياق رحلة التتويج من مروي العاصمة الى نبتة البركل. حيث تحدث عن استلامه تيجان تاسيتي (ماكادم اعلاه نفسه . في سامية 2011) ثم يرد الاسم ايضاً في نقش الملك نستاسن والذي تحدث عن معبوده امون الذي منحه السيادة على تاسيتي ارض الاقواس (بدج: 1912، 146) و (ايدي واخرون 1996، 478)..

يشير الملك نستاسن صراحة إن امون أعطاه السيادة على أرض القوس (المسمى تا أ سيتي) للاشارة الى مملكته في سياق نقش تتويجه ملكاً بينما هو يصف المراحل التي قطعها خلال الرحلة من مروي الى المعبد الكبير في نبتة معبد امون البركل : ( .. ان كهنة معبد امون المدينة استقبلوهـ بحفاوة واخبروهـ بان الاله منحه عرش تا ستجي ارض الاقواس) (سامية بشير دفع الله . مملكة كوش 2005. 129. 131) والملاحظ ان النصوص المروية تجر على نفس نسق النصوص النبتية في تحوير تاسيتي الى تاستت بحذف الياء وابدالها بحرف التاء.

استحدم المسمى تاسيتي تحت نفس الصيغة النبتية المحورة " تاستت " بدلاً من " تاسيتي" في عديد النقوش المروية التي تتحدث عن سيدات العائلة المالكة. ففي عدد مقدر من مناظر التتويج حظيت اولئك السيدات ، الزوجات ، الامهات ، الاخوات الملكيات دوماً بمواقع بارزة في لوحات التتويج وظهرن وهن يقفن خلف الملك مباشرة بما يؤكد ضرورة وجودهن لاسباغ الشرعية على حكم الملك الجديد اثناء تتويجه ملكاً.

عديد المناظر هذه ظهرت في نقوش تهراقا (690 ـ 664 ق. م ) وكذلك عند الملك انلماني (623 ـ 593 ق.م ) واماني نيتي يركي (31 ـ 05 ق. م) وعند الملك نستاسن نفسه. ارتبطت اسماء والقاب هؤلاء السيدات الملكيات بالمسمى " تا ـ ستت " مثلما ارتبطن بالمسمى كوش . ان هؤلاء السيدات الملكيات حملن دائماً القاباً مهيبة ترتبط بالدولة والاقليم ومن أهم هذه الالقاب لقب ( سيدة تاسيتت ) بجانب الالقاب الاخرى مثل (سيدة كوش) و (سيدة مصر) و (سيدة الخاساتيانو). (عمر الزاكي: مروي ، 47 ، 48).startimes.com/؟t=29841065( عبد القادر محمود . ://aboaagla.blogspot.com/2010/12/blog-post_19.htmlsudanile.com أصول السودان رقم 22).