السماع أزمة الشعب السوداني بقلم: د.أمل الكردفاني

السماع أزمة الشعب السوداني بقلم: د.أمل الكردفاني


04-17-2021, 04:44 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1618674259&rn=0


Post: #1
Title: السماع أزمة الشعب السوداني بقلم: د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-17-2021, 04:44 PM

04:44 PM April, 17 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قرأت شروط مسابقة حول علم الفلك، أجرتها مؤسسة دولية مختصة بهذا العلم القديم.
من ضمن الشروط:
لا نريد ان نسمع:
- أي شيء سلبي عن علم الفلك..
فهم يشترطون أن يكون العمل المقدم للمسابقة متفقاً مع ما يريدون سماعه مسبقاً.
وباعتباري مهتم بما يريد الآخرون سماعه، بحكم أن هذا هو جوهر التفاعل البشري، علمياً وعملياً، استطعت الخروج بنتائج ليست بذات خطورة، فقد تكون مُدركة بشكل مُبهم، ولكنها غير مؤسسة بشكل منهجي.
لا اقترح هنا هذا الشكل المنهجي، ولكنني أقدم تصوري عن مسألة ما نود سماعه وما لا نود سماعه. فما نود سماعه هو آيدولوجيتنا، وما لا نود سماعه إما آيدولوجيا نقيضة أو مسالة لا نهتم بها ابتداءً.
إن أسوأ مرجعية هي المرجعية الواحدة، التي تضع المرجعيات الأخرى في خانة الرفض المطلق. إن هذا أول ما يهزم الآيدولوجيا. سنرى أن عدد الكتب التي صادرتها الأنظمة الشيوعية في العالم، لكي لا تسمع ما يخالف آيدولوجيتها بلغت عشرات الألوف من المؤلفات، لم تسلم من المصادرة حتى تلك المؤلفات العلمية، والروايات والقصص ودواوين الشعر،..الخ. وفي المقابل عمدت أمريكا إلى مصادرة كتب عديدة في بداية عهدها أو حظرها من الدخول، واستنت قوانين جرمت أي إعلان شيوعي، وانتظمت حملات إرهاب وتكميم أفواه واعتقالات بل وإعدامات في الفترة المكارثية. وسنجد أن الشرق عنده نصيب الأسد من أزمة السماع. فالاخوان المسلمون لا يقرأون إلا ما يتفق مع خطابات سيد قطب وحسن البنا، وكذلك الناصريون والبعثيون والطوائف الدينية (شيعية أو سنية). إنهم جميعاً يضعون ذات الشرط الذي وضعته تلك المؤسسة الفلكية:
- لا نريد أن نسمع....
إن الشعوب تمارس ذلك على مستويات عدة، فإبان الثورة المصرية انقسم الشعب لقسمين: قسم يتابع قناة الجزيرة، وقسم يتابع قناة العربية. وفي الثورة السودانية كان كل من يتهم القحاطة وتجمع المهنيين هو عدو للثورة. فالشعب لم يكن يريد أن يسمع، وفي عهد الكيزان، كانوا يحظرون المواقع المناهضة لحكمهم، بل وإحدى البرلمانيات دعت مراراً لحظر مواقع انترنت كسودانيز أون لاين التي ينشر فيها الجميع بمن فيهم إسحق فضل الله والطيب مصطفى، ونفس هؤلاء كانوا يمنعون مقالاتنا من النشر في الصحف الورقية، بل وتم طرد العديد من الصحفيين المناهضين لحكم الكيزان مثل زهير السراج وغيره.
-لا نريد أن نسمع..
واليوم هم أول من ينادي بحرية التعبير...
وهم لا يريدون أن يعرفوا أن رفضهم لسماع صوت الآخر هو ما أسقط حكمهم. واليوم ذات الأمر، فالشيوعيون (لبدوا) داخل جحورهم وتركوا لمن مكنوهم في الحكم وظيفة الدفاع عن التحرير الاقتصادي وتعويم العملة والتطبيع مع إسرائيل، كأنهم لم يكونوا من قبل من الشيوعيين فسمعوا ما كانوا يرفضون سماعه من قبل. (اسمعتهم مصالحهم).
وبهذه النقطة نستطيع أن نطوِّر وجهة نظرنا حول أزمة السماع هذه، فننتقل إلى ذلك الجانب الذي يتحول فيه رفض السماع إلى قبول. أي عندما تتغير مسارات مصالحنا.
لقد قام الكيزان بتسليم كل معلوماتهم عن الإرهابيين لأمريكا، (سلمها قوش بيده للمخابرات الأمريكية CIA)، تنازل الكيزان عن الشعارات الإسلامية شيئاً فشيئاً، قبلوا بالالتفاف حول أحكام الشريعة الإسلامية، ثم نفضوا أيديهم عنها تماماً بعد ذلك.
واليوم نفس البارحة، إصرار على رفض سماع الأصوات الأخرى، وفي النهاية سيفرض الواقع نفسه على حكومة القحاطة.
لماذا؟
لأن هذا العالم ليس مسطحاً سلسَ العبور، بل هو أرض وعرة، تتعاظم فيها الجبال والوديان، ولا أحد يستطيع أن يسير فوق هذه الأرض في خط مستقيم. فحتى في البحار والمحيطات تتجنب السفن المرور عبر مناطق معينة؛ جبال ثلجية، دوامات مائية،..الخ. هذه الوعورة هي المفاهيم البشرية، هي الآيدولوجيات، وهي (رفض السماع)؛ فهي إذاً التصلبات التي إما أن نتعامل معها بمرونة (الإلتفاف أو القفز)، أو نحاول زحزحتها وهذا هو المستحيل بعينه.
تظل الحكومات السودانية تجتر فشلها، لأن الإنسان السوداني بذاته فاشل، ويتقعر فشله في بؤرة رفضه للسماع:
- لا أريد أن أسمع...
فهذه الحكومات عندما ننزع عنها تلك الشخصية المعنوية المزيفة، سنجدها أفراداً سودانيين، ففي الأسرة الواحدة ستجد كوزاً وشيوعياً وبعثياً وختمياً وأنصارياً وملحداً ومؤمناً...الخ. وهم جميعا يرفضون السماع، وهم جميعا يبحثون عن السلطة والمال عبر اللهث وراء الأضواء، أو إدعاء الوطنية الزائفة. وهؤلاء هم من يشكلون الحكومات. ولو كنا أكثر صدقاً فإن من حكموا السودان لا يتجاوز عددهم خمس وسبعون أسرة شمالية، هم من ظلوا يحددون من يحصل على باقي الفتات من سواقط الطعام للآخرين. وظلوا يرفضون سماع صوت الآخر، في الشرق وفي دارفور وفي النيل الازرق وفي كردفان وجنوب السودان...الخ. واستمر رفضهم منذ الاستقلال، بل من قبله، واليوم ها هم يحاولون جمع أنفسهم بعد أن انقلب الواقع عليهم.
ما كان لجنوب السودان ان ينفصل لولا رفض السماع.
وما كان لدارفور أن تنفجر لولا رفض السماع.
وما كان للدموقراطية أن تتقوض لولا رفض السماع..
وما كان للعسكر أن يصلوا للسلطة لولا رفض السماع..
وما كان للإعدامات والتصفيات أن تحدث لولا رفض السماع..لقد ظلوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويقولون في آذاننا وقر..
إن ما يقلقني دوماً هو تلك العقول الحديَّة، التي تؤسس لفشلها، ولانهيارها المستقبلي (الحتمي)، ليس خوفاً عليها هي بذاتها، ولكن لأننا مرتبطون جميعاً برباط أورثنا له القدر اللئيم. ولذلك كان لا بد لنا أن نثير تلك المشكلة، وهي مشكلة السماع. أن نبحث عن جذورها، عن سايكولوجيتها، وعن غذائها السوسيولوجي وربما حتى التاريخي، علَّنا نجد العلاج لهذا المرض.