* يزعم المدير العام للشرطة أن ظاهرة التفلتات الأمنية الخطيرة المقلقة في الخرطوم وعموم السودان وتناميها هي نتيجة " إحساس الشعب السوداني بالحرية الزائدة بعد الثورة.." مترادفة مع تجريد الشرطة من الحصانة شبه المطلقة..
* يعلم سعادة المدير العام أن الحرية كلمة صماء لا تقبل الزيادة أو النقصان.. فهي الفوضى إذا زادت.. وهي الاستعباد إذا نقصت.. لكن المدير العام أراد أن يقول أن الشعب السوداني صار فوضوياً بعد الثورة لأن الثورة كبّلت يد الشرطة عن قمع المواطنين وإذلالهم بقوانين منحلة ومثل وقيم لا دينية ولا صلة لها بالمدنية والتمدن..
* إن نوستالجيا حادة (تتاور) هذا المدير العام.. وحنيناً طاغٍ للعودة إلى قوانين القهر والإذلال يكمن في عقيدته المتوحشة التي غرسها النظام المنحل في كيان القوات النظامية كلها لثلاث عقود.. وكان النظام يستمد أسباب بقائه من سلب الحريات والترويع والتعذيب البدني والنفسي واقتحام خصوصيات المواطنين دون وازع قانوني ولا رادع أخلاقي..
* ولا شك عندي أن المدير العام هذا واحد من أولئك الذين يمكنك وضعهم في قائمة أشرس بني كوز، على الاطلاق، وأنت مرتاح الضمير..
* وما يثير العجب أن تصريح هذا المدير العام جاء بعد أن أعلن السودان في يوم الأربعاء 25 فبراير 2021 عن الانضمام ل(إتفاقية مناهضة التعذيب).. تلك الاتفاقية التي تحظر على الدول الموقعة عليها أي مساس بإنسانية المتهم قبل وأثناء وبعد التحقيق معه داخل وخارج الحراسات .. وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أمام المحاكم الطبيعية- لاالتفتيش ولا محاكم الجنجويد ولا محاكم النظام العام ولا بيوت الأشباح..
* وتقرأ المادة الأولى من (اتفاقية مناهضة التعذيب):
"الجزء الأول
المادة 1 1. لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد "بالتعذيب" أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها. 2. لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل."
* إن مدير عام الشرطة يرهن القضاء على التفلتات الأمنية بالنكوص عن الاتفاقية وإعطاء الشرطة حصانات شبه مطلقة تمارس بمقتضاها كل ما تناهضه تلك الاتفاقية..
* إن العقيدة الأمنية (الانقاذية) لا تزال تعشعش في كيان هذا المدير العام..
* يقول الأستاذ عزت الشريف، عضو المؤتمر السوداني، لـ(موقع الحرة) " إن تجربة التعذيب التي شهدها السودان طوال الثلاثين عاما في عهد الجبهة الإسلامية القومية لم تكن وليدة انحراف في المنهج، وإنما مرتبطة بعقل أصولي يعتقد أن أفعاله مقدسة، لغايات مقدسة، وهنا تكمن خطورة العقل المغلق للأنظمة الأيدولوجية التي ترى أن انتهاكاتها، مهما كانت، مبررة"!
* بما يعني أن المدير العام هذا يعتبر (اتفاقية مناهضة التعذيب) التي وقّعَت عليها الحكومة الانتقالية، رجسٌ من عمل الشيطان.. وأن على الحكومة أن تتجنبها وتتراجع عنها..
* وعن مطالبة المدير العام بالمزيد من الحصانة للشرطة، يقول الخبير الأمني وضابط المباحث السابق، عمر عثمان، أن قانون 2008 و1991 الخاص بالشرطة منحا حصانات موضوعية وإجرائية للشرطة بالشكل الذي يساعدها على أداء المهمة في حفظ الأمن ومنع وقوع الجريمة.. أي أن الحصانة الموجودة تكفي لأداء الشرطة واجبهم على الوجه الأكمل ودون أي حصانات إضافية..
* * ونستشف من حديث ضابط المباحث السابق هذا أن السبب في تنامي الانفلات الأمني هو تقاعس الشرطة والجهات الأمنية الأخرى عن واجبها احتجاجاً على فطَام الثورة لها من الحصانات المطلقة..
* أما عن أداء الشرطة، فيقول والي جنوب دارفور، موسى مهدي، أن الشرطة في ولايته تفتقر إلى العقيدة الشرطية (السليمة) وأن عدداً كبيراً من أفراد شرطة المحليات يتسترون على أهلهم وينحازون لمكونهم القبلي..
* سبق وكتبنا في 23 مايو 2019 "...... واصلوا ثورتكم! حكومة البشير سقطت شعبياً .. ولم تسقط رسمياً.. و لازم تسقط رسمياً!" واليوم يظهر لنا وجه البشير الكالح في شخص هذا المدير العام المتطلع للانتقام من الثوار الذين اقتلعوا حريتهم من براثن مجموعته الارهابية..
* أيها الناس، إن دولة بني كوز سقطت ولكنها لم تسقط بما يجعلنا نحتفي بالنصر.. فلا تزال دعاماتها قائمة، وسعادة المدير العام للشرطة واحد من تلك الدعامات التي تقف بصلابة ضد شعار "حرية وسلام وعدالة.. والثورة خيار الشعب!".. ويشوب اكتمال تحقيق ما يرمي إليه ذلك الشعار بطء سلحفائي شديد.. لأن حكومة البشير لم تسقط رسمياً، بالرغم من سقوطها شعبياً..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة