كلما كادت تتفتح زهور الأمل ، انبرى المحبطون وداسوا عليها بأحذية ثقيلة ، هذه الجملة القاسية داوم احد اصدقائي على ترديدها كلما سمع خبرا "يَسم" البدن و"يعكنن " المزاج . وما أكثر الأخبار هذه . وفي هذا الشهر - ولما يكتمل بعد - ما خرجنا من دائرة الاحباط قيد انملة . ولم نجد تفسيرا لما يجري حولنا فزادت حيرة المحتارين اصلا ، وإلا فمن يفسر لنا بقاء سليلة الحسب والنسب وزيرة المحاصصة مريم بنت الإمام في منصبها ، وكأنها لم تفعل شيئا في مصر . فلم تستقيل ولم يقلها رئيس الوزراء ولا سمعنا رئيس الوزراء يعلق بشيء ، أما وزارة الخارجية فليتها سكتت فقد حاولت أن تكحلها فعمتها . ولكن هل توقفت حيرتنا .. كيف يكون ذلك وهناك من أمثال محافظ بنك السودان يأبى إلا أن يزيد الطين بلة ، فيتحدى قرارات لجنة إزالة التمكين الأمل الباقي والرائحة الوحيدة من عطور الثورة فيعيد زمرة من أزالتهم اللجنة ، في تحد لم يكن يجرؤ عليه ولو كان محافظا للبنك الدولي لولا أن خلفه من يسنده ، وتتطاول الحيرة لتبلغ مداها فيلحس المحافظ قراراته ويسافر ضمن وفد رئيس الوزراء للسعودية ، معززا مكرما ، والله نحن فعلا في آخر الزمان . والله لو كنا في بلد يحترم عقول الناس لكان مصير هذا المحافظ المحكمة لتحديه قرارا سياديا واجب النفاذ . ولأن في ترك أمثال هذا المحافظ دعوة صريحة لتحدي السلطة القائمة ، والخروج عليها عيانا بيانا . وتستمر الحيرة ، وتأتي هذه المرة من معقل كيزاني كبير كنت اعتقد أن يد لجنة ازالة التمكين قد طالته ، ولكن للكيزان بؤر سرطانية كلما قضيت على احدها نبت غيرها . وشركة شيكان المتمددة كالوباء بمديرها وعضوها المنتدب دولة داخل دولة ، تفصل من تشاء من العاملين بها وتعين من تشاء دون ايضاح السبب ، فجأة يصل خطاب الفصل للموظف ومع السلامة بحقوق هزيلة . لو جاء أمر الفصل من لجنة ازالة التمكين لرجحنا أن للفصل أسباب تتصل بالتعينات بالمحسوبية أو الحزبية أو للفساد . أما أن يفصل موظف قضى أكثر من نصف عمره في الشركة ولأسباب مجهولة ، فهذا هو الظلم بعينه . لست مع فصل أي انسان وقطع عيشه وتشريد أسرته إلا بسبب يوجب الفصل ، وأن يكون هذا الفصل موضحا في خطاب للمعني ، وله حق الاستئناف لجهة ما والعودة معززا مكرما إذا ثبت أن فصله كيدي ودون وجه حق . مدير أحد البنوك غير سوداني يعرف كيف يسكت معارضيه بالتصديق للعربات اخر موديل ويستنكر مجرد الحديث عن زيادة مرتبات العاملين في البنك بينما يتقاضى اكثر من 40 ألف دولارا في الشهر كمرتب هذا غير الحوافذ التي يقررها لنفسه ولا أحد يسأله ما الذي قدمه هذا البنك للاقتصاد السوداني غير الاعمال الروتينية العادية . هل هذا المدير وحده الذي ينعم بثروة لا يحلم بها اي مغترب مهما بلغ من علم وتفرد في مجاله ؟. بالطبع لا فهناك المئات بل ربما بضع الوف من المسؤولين مرتباتهم ومخصصاتهم تكفي احتياجات البلد لمدة عام وهم يستحوزون عليها وليسوا في كفاءة نادرة او خبرة استثنائية . رؤوساء الشركات ومدراء البنوك والاعضاء المنتدبيين وثلة كبيرة من هنا وهناك ، يتقاضون مرتبات تفوق كثيرا ما يجب أن يعطى لهم ، بجانب الامتيازات والبدلات التي تفوق أحيانا المرتبات نفسها ، بينما العاملون معهم يلقى إليهم بالفتات ، ولا مانع من تكوين بطانة خاصة تتولى نقابة الشركة أو البنك مهمتها ليست الدفاع عن مصالح ممثليهم ولكن ، الدفاع عن الإدارة بعد أن اشترتهم وأغدقت عليهم شيئا من النعيم السايب . كما أسلفت لست مع الفصل التعسفي ، من أي جهة جاء فقطع الارزاق لمجرد التشفي او بسبب الاختلاف الفكري أو السياسي هو ما درجت عليه الانقاذ والكيزان ، وهو الظلم بعينه . في سودان الثورة يجب أن لا نفعل ما ظللنا نرفضه من مثل هذه الافعال ، فمن لم يثبت فساده أو تعييينه بالتمكين أو عدم استحقاقه لترقية أو منصب ناله دون جدارة ، يجب إلا يكون الفصل نصيبه لمجرد الاختلاف السياسي او الفكري . فكل ما هو مطلوب من أي موظف أو عامل أن يؤدي عمله بكفاءة ويخلص فيه وأن يكون فعلا مستحقا لما هو فيه من وظيفة . أما المفسدون من الذين أتت بهم إلى مناصبهم الإنقاذ وتمكنوا بحكم انتمائهم للمؤتمر الوطني بغير وجه حق ، فمصيرهم يجب أن يكون الفصل ، المسبب وليعلم أنه فعلا يستحق ما ناله من عقاب . وله مع كل ذلك الحق ان يستأنف ويقدم من الدفوعات ما يفند قرار فصله . هذه هي روح العدالة التي نادت بها الثورة ، وعلى الناس تطبيقها عمليا ، فلا مكان للظلم . ولكن الآن اختلط الحابل بالنابل ، والعاقلون أصبحوا في حيرة من أمرهم ، فالحق كما قال الشاعر في ساحة مجزرة .... والله المستعان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة