الحنين الوهمي بقلم:د.أمل الكردفاني

الحنين الوهمي بقلم:د.أمل الكردفاني


01-17-2021, 03:43 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1610851388&rn=1


Post: #1
Title: الحنين الوهمي بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 01-17-2021, 03:43 AM
Parent: #0

02:43 AM January, 16 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




يحيا البشر داخل غيتو من المشاعر المتضاربة بشكل عام. سنلاحظ مثلاً، أن بعض المستائين قد يرفضون هوية معينة، لكنهم لا يكتفون بذلك الرفض، بل يوجهون مشاعرهم دون وعي تجاه هوية بديلة.
وجدت العديد من الشاميين يرفضون العروبة ويقولون بحنين ما: نحن سومريون..
وغيرهم:
نحن امازيغ..
وغيرهم
نحن افارقة..
وغيرهم
نحن فولاني..
وغيرهم
نحن فراعنة..
بغض النظر عن صحة أم عدم صحة تلك الانتماءات، فإنهم غالباً ما يبحثون عن انتماء داخل اقرب مفهوم موازٍ..، سنجد أن المسلم في بلاد فارس عندما يترك الإسلام متحولاً لملحد، سيحاول بقدر الإمكان تمجيد الزرادتشية، ليس كمقدس ولكن كحنين مُبهم. والآن وجدنا البعض يخلدون أباداماك في السودان وآمون رع في مصر. رغم انهم لا يعبدونه ولكنهم يؤمنون به كإله موازٍ، كدين موازي للإسلام لأنه يرتبط تاريخيا بثقافة ما (فارسية، كوشية، مصرية، سومرية..الخ).. يتحول التاريخ برمته إلى جبهة تحدي لإحداث قطيعة مستحيلة بين الحاضر والوعي.
وجدت نساء كثيرات لا ينجبن، لديهن قناعة بأن أبناء آخرين كأشقائهن مثلاً هم ابناؤهن. وقد تراها تدافع عن ذلك الإبن الوهمي دفاعا يتجاوز دفاع الأم البيولوجية نفسها.
يعمل الدماغ على رمي المحنة إلى جانب من الحلول المتوهمة. ويتم توجيه تلك المشاعر نحو كتلة من المفاهيم الاعتباطية كحقيقة منضبطة. فيحدث تعظيم وتقييم للبديل الموازي على نحو أعلى من الواقع..إثر هزائم متتالية لفريق الهلال فإن المشجع يترك الدوري المحلي وينتقل للدوري الإسباني لتشجيع البارسا..فهو يخلق بديل أكثر توهماً من الأصل.. فتشجيع فريق كرة قدم في الأساس لا معنى له، إذ أن ارتداء شعار ازرق او احمر لن يغير من قوانين فيزياء الكون شيئاً. غير أننا يجب أن نلاحظ أن تشجيع فريق كرة قدم قد يرتبط برواسب تاريخية كما في إسبانيا وبريطانيا.. ففرق كرو القدم قد تمثل اقليماً ما لدى شعبه رفض للانتماء للأقاليم الاخرى كالكاتالونيين والإيرلنديين مثلاً. هنا يكون تشجيع فرق كرة قدم معينة له تبرير منطقي وقد يكون حرب صغرى، ولكن شخص في إحدى قرى السودان النائية يسرح بالغنم ثم يذرف الدموع عند خسارة ريال مدريد من اتلاتيكو فهذا هو الحنين الوهمي بعينه. اي التوجيه غير المنطقي للعاطفة البشرية. فليس السودانيون وحدهم من يحبون اثيوبيا او مصر او خلافه ويسرح احدهم ببصره ويمصمص شفتيه وابتسامة ترف على شفتيه ثم يقول: الاثيوبيين ديل حبايبنا ياخ. لا.. فاثناء مشاهدتي لكأس العالم اكتشفت أن المصريين يشجعون فرنسا ضد ألمانيا، لأنها استعمرت مصر..وهذه كارثة اكبر من كارثة الراعي مشجع ريال مدريد.
مع ذلك، فالمسألة ليست شديدة السوء، فهناك إيجابيات كثيرة لذلك الحنين الوهمي، من ضمنها:
- تسلية الإنسان.
- خلق رابطة تشغل فراغ الإنسان وتجعل لحياته معنى (رغم أنها بلا معنى في الواقع).
- تعينه على مواجهة اعدائه بإرادة أكبر.
- إيجاد حاضن بديل لحاضن قديم مرفوض أو مختلف حوله.
عندما حدث الانفجار في لبنان، زار الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان، فتهافتت جموع اللبنانيين للسقوط في أحضانه والبكاء في صدره الحنون. هذه شكوى ضمنية من بعض الطوائف المقهورة لفرنسي يتوهمون انه أحد اقاربهم. لذلك أيضاً سنجد أن دولة جنوب السودان تبنت اللغة الإنجليزية وليس اي لغة افريقية اخرى كبديل لسياسات التعريب في جنوب السودان. رغم أن الانجليزية نفسها لغة مستعمر.
في جبال النوبة ودارفور وإثر القصف الوحشي والإبادات الجماعية، وفي معسكرات النازحين غير العديد من الضحايا اسماءهم، فأصبح هناك (بوش، أوباما، شارون..الخ). كنوع من استذكار قوة أمريكا واسرائيل الضاربة التي هزمت العرب..وهذا الحنين لا يختلف عن حنين اللبنانيين لماكرون الفرنسي، فأحد السودانين (قصة حصلت لي حكاها لي واحد) لديه حنين ضخم وحب بل عشق لأمريكا، فذهب طالباً التأشيرة وعزف بالناي الخشبي نشيد العلم الامريكي للقنصل فتم منحه التأشيرة..لا اعرف مصداقية القصة لأنه لا يسمح بدخول شخص إلى القنصل وهو يحمل اي آلة ولو خشبية. لكنها قد تكون صحيحة وتخدم غرضنا الكلي وهو توضيح فكرة الحنين الوهمي.
أنا مثلاً لدي حلم بالعيش في الريف السويسري، مع ذلك فهذا ليس حنيناً ولا وهمياً، فلدي مبررات وقبلها لا أعتقد نفسي منتمياً للريف ولا لسويسرا، فالمسألة كلها ذات دافع جمالي. كما أنني متأكد من ان هذا مستحيل، وحتى إن حدث فربما خلال اسبوعين أشعر بالملل..، فلا يوجد اي توجيه وهمي للعاطفة. لكنك ستجد ذلك عند الأشخاص المهجورين، فلقد لاحظت أن أغلب العجائز الذين يهجرهم أولادهم يقومون بتربية القطط وإطعامها، بل وإطعام حتى قطط الشوارع. وجدت هذا كثيراً عند المصريين، فكثيراً ما تجد امرأة او رجل يعيشون وحدهم ويربون مئات القطط داخل شققهم الصغيرة، ويشفقون عليهم ويعاملونهم كأبنائهم وهذا نوع من تعويض النقص.
الحنين الوهمي هو إذاً ملء جانب ناقص عند الإنسان. سواء كان النقص معنوياً أم مادياً، وسواء كان حقيقة أم توهماً. وهو ما يمنح الإنسان إنسانية أعلى أو وحشية أكبر..بحسب الأحوال..