Post: #1
Title: نماذج من سوء الفهم في الفقه الاسلامي (1) بقلم محمد سمنّور
Author: محمد سمنّور
Date: 12-20-2020, 06:56 PM
05:56 PM December, 20 2020 سودانيز اون لاين محمد سمنّور-السودان مكتبتى رابط مختصر
يستند القائلون برجم الزاني علي روايات في السنة برجم بعض الزناة وعلي اية الرجم غير المثبتة في المصحف: (الشيخ والشيخ اذا زنيا فارجموهما) ومن اكثر ما يستندون عليه حديث عبادة بن الصامت: (البكر بالبكر والثيب بالثيب).
يقول محمد أبو زهرة في شرح الآية التي تبين عقوبة زنا الأَمَة المتزوجة: "(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)، وإن الرجم لا ينصف، وإذن يكون ما على المحصنات المتزوجات جلدا قابلا للتنصيف، وإن هذا يدل بدلالة الإشارة أو الاقتضاء على أنه لا رجم" (أبو زهرة: زهرة التفاسير).
اهم ما يجب التركيز عليه في القضية هو الترتيب الزمني لأدلّة عقوبة الزنا الواردة في الكتاب والسنة، فهناك خلاف في ترتيب حديث عبادة مع النصوص الأخرى، فبعضهم يري انه منسوخ وبعضهم يري انه ناسخ !!! ويزعم البعض انه خصّص آية الجلد !!! فهناك من يري عمومها بأنها لم تخصّ محصنا من غير محصن.
ومربط الفرس هو السؤال القديم الذي سأله احد التابعين لاحد الصحابة: هل رجم النبي (ص) قبل سورة النور ام بعدها؟ وفائدة هذا السؤال كما يقول ابن حجر في فتح الباري: "أن الرجم إن كان وقع قبلها فيمكن أن يُدّعى نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد"
ويقول: "واحتج بعضهم بأن حديث عبادة الذي فيه النفي منسوخ بآية النور لأن فيها الجلد بغير نفي وتعقب بأنه يحتاج إلى ثبوت التاريخ وبأن العكس أقرب فإن آية الجلد مطلقة في حق كل زان"
جاء في تفسير ابن عطية: "والألف واللام في قوله: الزانية والزاني للجنس وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة وهذه الآية باتفاق ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء، وجماعة العلماء على عموم هذه الآية" (ابن عطية: المحرر الوجيز).
في آية النساء: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا) أُختلف في المراد باللذين يأتيان الفاحشة على أقوال: 1- أنهما الرجل والمرأة البكران، وهو قول السدي وابن زيد. 2- أنهما الرجلان الزانيان، وهو قول مجاهد. 3- أنهما الرجل والمرأة لا فرق بين بكر وثيب.
يقول ابن العربي في احكام القرآن: "والصواب مع مجاهد؛ وبيانه أن الآية الأولى نص في النساء بمقتضى التأنيث والتصريح باسمهن المخصوص لهن، فلا سبيل لدخول الرجال فيه، ولفظ الثانية يحتمل الرجال والنساء، وكان يصح دخول النساء معهم فيها لولا أن حكم النساء تقدم، والآية الثانية لو استقلت لكانت حكما آخر معارضا له، فينظر فيه، ولكن لما جاءت منوطة بها، مرتبطة معها، محالة بالضمير عليها فقال: (يأتيانها منكم) علم أنه أراد الرجال ضرورةً."
ملاحظة مهمة عن اية النساء وحديث عبادة: لقد حار العلماء في تفسير (الأذي) حتي قال الطبري انه لا فائدة ولا مضرة من معرفة ذلك وانه ليس في القران ولا في السنة ما يدل عليه: "وأهل التأويل في ذلك مختلفون، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد، وجائز أن يكون كان أذى بهما. وليس في العلم بأي ذلك كان من أي نفع في دين ولا دنيا، ولا في الجهل به مضرة" (الطبري: جامع البيان).
وفي نفس الوقت لم تفهم عبارة الحديث: (البكر بالبكر والثيب بالثيب) التي قيل ان صياغتها تشبه آية القصاص: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)، ولم يجدوا لها تفسيرا محددا !!!
ولكننا لاحظنا ان هذه العبارات التي تحدد عقوبة البكر والثيب هي بيان للفظ (الاذي) الذي ذكرته الاية: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)
وعلي ذلك يكون المقصودون بالعقوبة في الحديث هم الرجال فقط، فنحن قد أخذنا قول مجاهد: بان الرجلين الزانييْن في قوله تعالي (واللذان يأتيانها) هما الرجل البكر والرجل الثيب. فالتثنية جاءت لان عقوبتهما مختلفتين فهذا يُجلد وهذا يُرجم.
فالحديث يقول: (الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة والرجم، والبكر جلد مائة ونفي سنة). وهذا الجزء الثاني من الحديث تكفي ألفاظه لبيان العقوبة، وتبقي عبارة (الثيب بالثيب، والبكر بالبكر) كأنها زائدة بلا معني!!! فلم يستطيعوا تفسيرها تفسيرا مقنعا!! كل ما ذكروه هو انها مثل قوله ( السن بالسن)!! والعبارة لا يمكن لا يمكن بالطبع ان تكون زائدة!! لما عرف عن بلاغة الرسول (ص) وانه افصح العرب قد أُعطي جوامع الكلم فلا يسهب.
نلاحظ انه لا يوجد الا حالين فقط للزاني الثيب: فاما ان يكون هذا الثيب -الرجل- ارتكب جريمته مع امرأة ثيب - وهذا معني عبارة (الثيب بالثيب)- او انه ارتكبها مع امرأة بكر؛ ومثله البكر الزاني -الرجل- : اما انه زَنا بامراة بكر -وهذا معني عبارة: (البكر بالبكر)- او انه زنا بامرأة ثيب.
اذن فللزاني -الرجل- اربع حالات، لكن المذكور في الحديث حالان فقط وهما (الثيب بالثيب) و(البكر بالبكر) ولم يذكر الحالين الآخرَيْن وهما: (الثيب بالبكر) و(البكر بالثيب)، ولكن الاساليب البيانية للغة العربية تطيق.. ان يكون هذان الحالان مضمرين يدل عليهما السياق بما يعرف باسلوب "الطي والنشر"، وهو كثير في اللغة ومن امثلته في القرآن: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) فهو مطويّ وتقديره –نشره-: "وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا"
وقد اشار الملا علي القاري لما يقرب من ذلك: "اللاتي يأتين الفاحشة لا تخلو إما أن تكون بكرا، أو ثيبا، والأولى إما زنت بالبكر، أو بالثيب، والثانية أيضا كذلك فبين في الحديث ما حد البكر بالبكر، والثيب بالثيب، وترك ذكر الثيب مع البكر لظهوره" (القاري: مرقاة المفاتيح).
إذن فأحوال الزناة أربعة وهي: الرجل البكر مع المرأة البكر، والرجل البكر مع المرأة الثيب، والرجل الثيب مع المرأة البكر، والرجل الثيب مع المرأة الثيب.
وكذلك قوله (ص) الذي فصّل فيه العقوبة: (الثيب جلد مائة والرجم، والبكر جلد مائة ونفي سنة)
فالحديث يُقرأ هكذا: (علي الرجل) الثيب جلد مائة والرجم، و(علي الرجل) البكر جلد مائة ونفي سنة) وقد ذكرنا ان الكلام فيه طيّ (لفّ)، ونشره يعطي المعني التالي: (علي الرجل الثيب الرجم، أو جلد مائة والرجم؛ وعلي الرجل البكر جلد مائة، أو جلد مائة والنفي)، وهي اربع حالات من العقوبة؛ وبتوزيعها علي حالات الزناة الاربع تصبح النتيجة كالتالي: عقوبة زنا الرجل البكر بامرأة بكر الجلد فقط، وعقوبة زنا الرجل البكر بامرأة ثيب الجلد والنفي ؛ وعقوبة زنا الرجل الثيب بامرأة بكر الرجم فقط؛ وعقوبة زنا الرجل الثيب بامرأة ثيب الرجم والجلد،
اذن فاختلاف العقوبة من رجل بكر الي رجل بكر، او من رجل ثيب الي رجل ثيب هو علي حسب من زُنِي بها، فالرجل الذي يزني بالمرأة الثيب ان كان بكرا زيد له مع الجلد النفي، وان كان ثيبا زيد له مع الرجم الجلد؛
حديث عبادة حديثان وليس حديث واحد: ورد الحديث في مسند الامام احمد وبعض كتب السنة باللفظ التالي: عن عبادة بن الصامت أن النبي (ص) كان إذا نزل عليه الوحي كرب له، وتربد وجهه، وإذا سري عنه قال: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة والرجم، والبكر جلد مائة ونفي سنة).
ربما يقول قائل: أنّ كون حديث عبادة بيانا "للاذي" المذكور في آية النساء يمتنع بكونه بيانا للسبيل الذي تحدثت عنه الآيتان والذي يفترض ان ياتي فيما بعد؛ ولكن شدة انطباق معني (البكر بالبكر والثيب بالثيب) علي لفظ (فآذوهما) تجعلنا نستنتج ان بداية الحديث - اي قوله (ص): (قد جعل الله لهن سبيلا)- مُدرج من حديث آخر، لا سيما وان قوله: (قد جعل الله لهن سبيلا) سبقه الحديث عن وصف حال الرسول (ص) عندما ينزل عليه الوحي فنستنتج ان الرسول (ص) لابد انه ذكر حينئذ الاية التي انزلت، ولابد انها آية الجلد في سورة النور؛ وعلي هذا يكون حديث عبادة هو في الحقيقة عبارة عن حديثين اولهما هو اول الحديث المعروف ومعه ذكر آية الجلد، والثاني يبدأ بعبارة (الثيب بالثيب، والبكر بالبكر) فالحديثان هما: 1- (أن النبي (ص) كان إذا نزل عليه الوحي كرب له، وتربد وجهه، وإذا سري عنه قال: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). وهذا الحديث كان بالطبع عند نزول آية الجلد في سورة النور.
2- (الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة والرجم، والبكر جلد مائة ونفي سنة.) وهذا الحديث ليس الا بيانا لمعني (فَآذُوهُمَا) في سورة النساء والذي نُسخ باية الجلد.
فالرجم كان مشروعا فى التوراة كما قال ابن حجر: "أول دخول النبي (ص) المدينة وكان مأمورا باتباع حكم التوراة والعمل بها حتى ينسخ ذلك في شرعه فرجم اليهوديين على ذلك الحكم ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم)"(ابن حجر: فتح الباري).
اذن فقد جعل الله السبيل للنساء فخفّف عنهن الحبس الي الجلد، كما خفّف عن الرجال ايضاً من النفي والرجم الي الجلد، فصار الحد الجلد في جميع الأحوال؛ ولا شك ان التخفيف مما بُنيت عليه شريعة الاسلام: (يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا)(28) النساء. وإذن فلم يكن هنالك رجم للنساء بعد سورة النساء، ولم يكن هنالك رجم للذكور بعد سورة النور.
علي ذلك فان الروايات المذكورة عن رجم النساء كانت قبل سورة النساء، والتي رجم فيها رجال كانت قبل سورة النور، وبهذا تكون قد اتضحت اجابة السؤال الذي سئل لابن ابي أوفي بأنّ الرسول (ص) لم يرجم بعد سورة النور. فيسقط بذلك الاستدلال بالسنة الفعلية.
سبب تقديم الزانية علي الزاني: قبل نزول آية الجلد -علي حسب ما استنتجنا- فقد كان الجلد احدي العقوبات المطبقة علي الرجال فقد كانوا يجلدون ويرجمون واما النساء فقد كنّ يُحبسن فقط ولذلك عندما اريد نقل النساء من عقوبة الحبس الي الجلد بدأت الآية بهنّ: (الزانية والزاني فاجلدوا) أي "اجلدوا الزانية كما الزاني"، بمعني اجلدوا الزاني كما تجلدون الزاني؛ وليس كما زعم المفسرون من ان تقديم الزانية كان بسبب ان المرأة هي التي تدعو الرجل للزنا أو تعرض نفسها عليه.
خاتمة: لقد كان الرجم في اول الامر اتباعا لحكم التوراة؛ لكن شريعة الاسلام سرعان ما منعت قتل النساء والصبيان لذا أمر الشارع بعدم رجم النساء وبدلا من ذلك امر بحبسهنّ حتي اشعار اخر، واما الرجال فاستمر حكم الرجم عليهم، وهو ما عبر عنه القرآن بلفظ (فآذوهما) أي بمثل ما كان عليه الامر في السابق ولذا ربما لم يفصّل ذلك الأذى لكونه معروفا.
إنّه لمن المؤسف أن يُلصق الرجم بالإسلام بتلك الطريقة الساذجة، بسبب ان احد الرواة وَهِم فقطع قوله (ص): (قد جعل الله لهن سبيلا) عن آية النور، ووصله بقوله (ص): (الثيب بالثيب والبكر بالبكر) فصار السبيل الرجم بدل الجلد!
|
|