الدرديري محمد أحمد: كيف أخطأ الاستدلال؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم

الدرديري محمد أحمد: كيف أخطأ الاستدلال؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم


12-16-2020, 12:21 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1608117671&rn=0


Post: #1
Title: الدرديري محمد أحمد: كيف أخطأ الاستدلال؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 12-16-2020, 12:21 PM

11:21 AM December, 16 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




جلست بين يدي شيخي بجامعة أفريقيا العالمية أتلقى أول دروسي في الفقه. وكنت جئت الجامعة في إجازة دراسية من جامعتي الأمريكية تسمى "ترقية القدرات" لأحسن تدريس منهاج لي اسمه "الإسلام والغرب". فقرأ عليّ الآية:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"
وسألني هل الواو هنا للنسق أو الرتبة: أي أن تغسل وجهك ويديك من بعده وهكذا دواليك أم أنها للجمع مطلقاً. فبوسعك أن تغسل اليدين ثم الوجه إلى آخره لا تتقيد بترتيب. وأجابني إنها للجمع المطلق لقول العلماء لو أراد الله الرتبة لجاءت "ثم" بدلاً عن الواو. وجاء عن "ثم" الترتيب بحديث للمصطفى قال:
إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت".
وكان درساً في حسن الاستدلال لم أنسه.
خاض الناس في العوار السياسي لكلمة الدكتور الدرديري محمد أحمد الأخيرة التي علق فيها على قانون "التحول الديمقراطي والشفافية المالية في السودان" الأمريكي. فاستغرب الناس لقوله إن القانون قصد التمكين للحزب الشيوعي والمنظومة اليسارية في الفترة الانتقالية. فلم يعقل الناس منه ذلك بغير تدقيق منهم في منشأ مثل هذا العوار في سائر خطابنا السياسي. وهو خطاب يخوض فيه الخائضون بغير آلة تضبط الاستدلال. وهو إِقَامَة الدَّلِيل. فلا صبر لصفوتنا على إقامة الدليل على ما تقول. ولا ترى ذلك فرضاً عليها في السياسة خاصة طالما كان الواحد منهم مصدقاً من جمهور "طائفي" حتى بين العقائديين لا يسألون أخاهم حين يندبهم على ما قال برهانا. واشتهرت عبارة طريفة على منابر السودان عن كاتبة قالت يوما إنها ممن لا يسأل عن مصادره فصارت مثلا.
سأتجاوز عوار استدلال الدرديري عن التحالف الأمريكي الشيوعي الذي شغل الناس إلى غيره. فوجدته قال في موضع آخر إن "الخلية الشيوعية" في مكتب السيد حمدوك، رئيس الوزراء، برمجت الغرب على عقيدة أن أزمة البلد االمعاشية راجعة إلى تغول الجيش على الاقتصاد. واستدل على ذلك مما رآه من فشل هذه الخلية في تسويق عقيدتها الأولى وهي أن أموال الإسلاميين هي سبب الأزمة الاقتصادية. وهذا شطط في الاستدلال. فإزالة التمكين ما تزال تتعقب أموال الإسلاميين بأكثر من تعقب الشيوعيين أو غيرهم منشآت الجيش والدعم والأمن. ولا تفرق الثورة بين كسبيّ الدنيا للإسلاميين والجيش ولا ينبغي لها.

أسوأ ما تكون صفوتنا استدلالاً حين تعقد المقارنة ما بين حالنا وحال غيرنا. فمعرفتها بحالنا (أو ما بدا لها منه) يسوغ لها مقارنته جزافاً بما لا تعرف عن غيرنا. فقال الدرديري أن لا شيء يمنع الجيش، أي جيش، من الاستثمار في المجالات الحربية ولا مشاحة من الرقابة عليه برلمانياً. واستنكر على قانون التحول الديمقراطي الأمريكي منع جيشنا من الاستثمار بينما للجيش الأمريكي استثماراته المهولة في صناعة الحرب. وهو قول غير صحيح. فليس للجيش الأمريكي استثمارات في الصناعة الحربية التي تقوم بها شركات شكا الرئيس الأمريكي أيزنهاور من نفوذها المؤجج للحرب لفائدتها في الكونغرس والجيش بما عُرف ب"التركيبة العسكرية الصناعية" (Military Industrial Complex). وزاد الدرديري بأن أمريكا لم تفرض على جيوش الجوار التحلل من الاستثمار. وقصد مصر بالطبع. ولا أعتقد أن أمريكا خرجت "مداعي" للغرض. فلكل حالة لبوسها. فليستثمر جيش مصر ما شاء طالما كف عن عداء إسرائيل حبيبة أمريكا. وهو الجيش الوحيد القادر على ذلك. علاوة على أن جيشنا لفت النظر لاستثماراته من باب تكففنا أمريكا والمؤسسات المالية العالمية إنقاذنا والماء فوق ظهورنا محمول. وأمريكا وهذه المؤسسات تعرف أن سبيل بلدنا للخروج من مأزقها الاقتصادي يمر عبر اقتصاد الجيش الموازي الذي يستأثر بثمانين في المائة من مواردنا.
لماذا لم يحل تدريب الدرديري الأكاديمي العالي دون فساد الاستدلال؟ قال أستاذنا عبد الخالق محجوب مرة أنه يخشى أن نجعل من الماركسية تميمة لأنها نزلت بأرض لم يسبق لها تنشئة تقاليد نقدية تلجمها. فنتملكها بنقدها فتخدم غرضنا ولا نكون لها خُداما. وهذا ما حدث للأكاديمية عندنا. نزلت بأرض في مكان قفر من التقاليد الفلسفية النقدية تلجمها دون العوار وبخاصة حين تتسيس للنخاع كما رأيناها عند الدرديري.
وما حجبنا دون الانتفاع من مورد نقدي قريب منا هو الفقه إلا اشمئزازنا منه بمسمي "الكتب الصفراء" والاستدلال في جوف فراه. هذا ما تعلمته من شيخي في جامعة أفريقيا العالمية.