الأبعاد الدولية والعربية لغياب المهدي بقلم:د. ياسر محجوب الحسين

الأبعاد الدولية والعربية لغياب المهدي بقلم:د. ياسر محجوب الحسين


11-28-2020, 03:23 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1606573423&rn=0


Post: #1
Title: الأبعاد الدولية والعربية لغياب المهدي بقلم:د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 11-28-2020, 03:23 PM

02:23 PM November, 28 2020

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة

اختطف الموت فجر الخميس أمس الأول الزعيم السوداني الصادق المهدي إمام طائفة الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي وآخر رئيس وزراء منتخب ما قبل حقبة نظام الرئيس عمر البشير، ولعل الموت في كل الأحوال أصعب تحدٍ يواجهه الأحباء الأحياء، فهم لا يتخيلون الحياة بدون أحبائهم الذين اختارهم الموت، بيد أن الموت حق على كل حيِّ وهو كالشمس لا يستطيع أحد التحديق به، كما أنه لا يأتي متأخرا أبداً، ولا يختبئ وراء الجبال، بل وراء الأكتاف، ولعل وفاة الرجل الذي ملأ فضاءات أبعد من الفضاء السوداني حظي بإحدى علامات حسن الخاتمة والتي منها الموت بسبب مرض كداء الطاعون، فالكورونا قد تتفوق في خطورتها على الطاعون، ومن أبدع في حياته يموت مبتسماً، ويموت الحصان ويبقى سرجه ينتفع به من بعده.
إن القضايا الدولية والعربية التي ظل المهدي يتصدى لها بفكر ثاقب وفهم عميق ستفتقد بدون شك مساهماته في إطار البحث عن حلول لإشكالياتها في الراهن والمستقبل المنظور، ولعل القضية الفلسطينية وجدت منه اهتماماً وفهماً وعصفاً خلاّقاً، فمع تزايد إيقاع الهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أعلن المهدي معارضة جهيرة لمساعي السلطات السودانية للتطبيع مع الغاصبين، وكان ذلك الموقف أقوى محاولة لكسر جدار الصمت الذي ظل يلف القوى السياسية السودانية، لقد أعاد هذا الموقف شيئاً من التوازن للحالة السياسية السودانية التي أربكها إقدام الحاكمين الانتقاليين على اتخاذ قرار خطير لا يقع بأي حال ضمن اختصاصاتها ولا من صلاحياتها.
وكان المهدي يرى أن الأزمة في فلسطين نتجت عن غرس شعب وافد بوقاحة في أرض شعب مقيم دون رضائه ورغم أنف شعوب مجاورة تشترك مع ذلك الشعب المحروم في الهوية الإثنية الثقافية والدينية، وقال فيما قال ضمن تناوله للقضية الفلسطينية: إن المنطقة العربية شهدت حركات يقظة باسم القومية والاشتراكية ثم باسم الإسلام، وكان المهدي يعتقد أنه حتى لو أُجبرت الدول العربية بحكم المصالح الذاتية على قبول الأمر الواقع، فإن المنطقة ستشهد حركات شعبية غير حكومية أقدمت على تنظيم المعارضة وتحدت إسرائيل بنجاح، ورأى أنه حتى الأساس البنيوي للأيديولوجية الصهيونية لإقامة دولة يهودية تجمع كل اليهود قد تبخر فأغلبية اليهود الآن خارج إسرائيل وسيظلون كذلك.
ومن ضمن إسهامات المهدي في إطار القضية الإسلامية في عمومها أنه كان يرى أن للإسلام حيوية ذاتية، إذ إنه من بين الملل التي تعترف للإنسان بكرامته الإنسانية، لعدة أسباب منها أن القرآن من بين الكتب المقدسة هو المحفوظ بنصه الأصلي، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم كان قد أصاب نجاحاً باهراً كنبي ورجل دولة، بحيث صار الأول نفوذاً في تاريخ الإنسانية، كما أن رسالته ربطت ربطاً فريداً بين الإيمان بالله والعدل الاجتماعي، فضلا عن أن الإسلام دين انفرد بالدعوة لحقيقته والاعتراف بتعدد الأديان والثقافات الإنسانية.
وكان المهدي يعتبر أن مجلس التعاون الخليجي قبل الأزمة كان أنجح المحاولات الوحدوية العربية بيد أن الحرب في اليمن أثرت عليه سلباً التي وصلت إلى طريق مسدود بعد عامها الخامس، وقال إن الخيار هو النأي عن هذه الحرائق، وبذل كل جهد لإطفائها لمصلحة أهلها ولمصلحتنا كأشقاء وجيران، ورأى أن الحرب في اليمن لن يكون لها حسم، فأطراف النزاع سوف تستمد بإمكانات خارجية، وكان يدعو الحادبين للسعي لوقف هذه الحروب بحلول سلمية عادلة.
وفي شأن المنظومة الأممية ظل المهدي يردد أنها تكونت في غياب أغلبية أعضائها الحاليين، كانت العضوية عندما تكونت 51 دولة وهي الآن 193 دولة، ودعا لإصلاح نظام الأمم المتحدة عدالياً وديمقراطياً.
وفي دعوته إلى تفاوض عربي أوروبي، قال إن ذلك سيثمر تفاهماً استراتيجياً يكون أساسا للقاء القلوب والعقول ويكون تحديدا للشروط المثلى للعلاقات الأوروبية العربية، وقال إن افتراض تدني أهمية الدين نتيجة لسيادة العلمانية إنما هو لغو، فالهوية الدينية لها تأثير ضخم على أفكار العالم وفي تشكيل الهويات والتأثير على التشريعات وفي تحديد القيم الأخلاقية، داعياً أوروبا والغرب عموما إلى الاعتراف المتبادل بالقيمة الروحية والأخلاقية، وتبادل الاحترام للهويات الدينية، وكذلك حرية الاعتقاد الديني.
وظل المهدي يؤكد أن التوزيع الحالي للدخل العالمي غير منطقي، ولابد أن يقود بهشاشته المتأصلة هذه لكل أنواع السلوك غير المقبول مثل: الإرهاب، الهجرة غير الشرعية وغيرهما، ودعا الشمال لأن يقر بأن هناك حاجة لشراكة تنموية عالمية.
لقد تمتع الراحل الإمام الصادق المهدي بحيوية فكرية وسطية جعلته رئيساً للمنتدى العالمي للوسطية، وسبق أن فاز بجائزة قوسي للسلام للعام 2013، كما يتمتع بعضوية المنظمة العربية لحقوق الإنسان ونادي مدريد للحكماء الديمقراطيين الذي يُعتبر أكبر ملتقى لرؤساء حكومات سابقين، كذلك تمتع بعضوية كل من المجلس العربي للمياه، والمؤتمر القومي الإسلامي ببيروت، والمجلس الإسلامي الأوروبي في لندن، ومجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
لقد ترك المهدي رصيداً ضخماً من المؤلفات والكتابات الفكرية في مجالات السياسة والاجتماع والفكر الإسلامي قدر بمئات المؤلفات الرصينة، وكانت من ضمن إسهاماته الأخيرة ورقة علمية ضافية في المؤتمر الدولي الذي نظمه المنتدى العالمي للوسطية بالتعاون مع منتدى الفكر العربي بالأردن بعنوان (التصوف الراشد: الجذور والآفاق ودوره في بناء الحضارة الإنسانية) وذلك في سبتمبر 2019م.
لا شك أن غياب الرجل سيترك أثراً عميقا في الداخل السوداني الذي بدا في الفترة المضطربة أكثر حاجة لفكره ولخبرته السياسية لا سيما حزب الأمة الذي يعتبر من أكبر الأحزاب السودانية، لقد رحل الأفذاذ عن السودان فمن بعد الطيب صالح رحل الدكتور حسن الترابي واليوم موت المهدي يطوي صفحة من صفحات الأبداع والنبوغ السوداني.