مقال (2) لماذا لايكتب السودانيون مذكراتهم؟ بقلم:علي أبوزيد

مقال (2) لماذا لايكتب السودانيون مذكراتهم؟ بقلم:علي أبوزيد


11-02-2020, 05:10 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1604333403&rn=0


Post: #1
Title: مقال (2) لماذا لايكتب السودانيون مذكراتهم؟ بقلم:علي أبوزيد
Author: علي ابوزيد
Date: 11-02-2020, 05:10 PM

04:10 PM November, 02 2020

سودانيز اون لاين
علي ابوزيد-قطر
مكتبتى
رابط مختصر




الهمني الاستاذ محمد آدم فاشر بمقاله الراقي بعنوان :( لماذا يموت السودانيون بأسرارهم؟) ، لكتابة هذا المقال حيثُ ذكّرني مقال الاستاذ فاشر بثلاثة مواقف أحدهما مع البروفيسور عثمان سيد أحمد البيلي (طيب الله ثراه) وزير التربية الأسبق في حكومة الرئيس الأسبق جعفر النميري واستاذ التاريخ الاسلامي بنيجيريا وبجامعة قطر والذي قمت بعرض الموقف الذي حدث معه في المقال (1) ،والثاني مع العميد مهندس (معاش) بن عمر (سلاح المهندسين ) ومدير مكتب المشير عبدالرحمن سورالذهب الرئيس الأسبق أثناء الفترة الانتقالية (وكنت قد ذكرت ان اسمه ابومدين خطأً وهذه من سلبيات عدم كتابة الأحداث مباشرةً وتذكّرها بعد فترة من حدوثها ) ،والثالث مع الدكتور العالم عمر عبود أستشاري الباطنية وامراض الكُلى والرئيس السابق لقسم الباطنية بمؤسسة حمد الطبية بدولة قطر .وسأكتب عن المواقف الثلاثة تباعاً ان شاءالله .
في عام 2000م قمتُ بزيارة عادية لأحدى سكنات القوات المسلحة القطرية والتي يسكنها بعض الاصدقاء السودانيون.تجمّعنا نحن السودانيين الموجودين وبدأ التعارف والونسة، فتفاجأت بأن أحد الموجودين عرّف نفسه بأنّه كان ضابطاً كبيراً في سلاح المهندسين قبل 1985م ونال قسطاً وافراً من التدريب الهندسي في الولايات المتحدة الامريكية عندما كان مبعوثاً من القوات المسلحة السودانية وأنّه بعد ذلك أصبح مديراً لمكتب السيد رئيس المجلس الانتقالي في الفترة (1985-1986م) المشير عبدالرحمن سوار الذهب (رحمه الله) . الرئيس الذي سلّم امانة الحكم بعد انتخابات 1986م لحكومة سودانية ديمغراطية منتخبة خلّد بها ذكراه طول حياته .
سألت مضيّفي السيد بن عمر هل كتب مذكراته عن فترة حكم الرئيس عبدالرحمن سوار الذهب؟. وكعادتنا نحن السودانيين نستهين بمقدراتنا ونستقل معرفتنا للأمور ونبخس انجازاتنا بالرغم من عظمها. ردّ السيد بن عمر: (لا ، مذكرات شنو ياخ ؟) . باغته قائلاً:( الرئيس سوار الذهب هو الرئيس الوحيد الذي سلّم امانة الحكم في وقتها وتنازل عن سطوة السلطة وبهرجها دون منّ أو أذي ... فهو أجدر ان تكتب عنه الأقلام، لأننا في حاجة لابراز ثقافة الترجّل عن الحكم أو كراسي الوظيفة متي مارأينا أن هناك من هو أجدر منّا بذلك، وهذه معرفة نادراً ما نسمع عنها ، دعك عن ان نراها ونعيشها موقفاً نتعلّم منه الكثير).
ثم بدأ بن عمر في سرد بعض المواقف التي لم يشهدها غيره في فترة السنة التي كان فيها مديراً لمكتب السيد سوارالذهب. ففي زيارته الأولى للمملكة العربية السعودية وبينما السيد سوار الذهب جالساً مع الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمة الله عليهم)، سحب الملك فهد منديلاً ورقياً من صندوق المناديل والتفت للمشير قائلاً:( نحن والشعب السوداني نتقاسم النعمة بيننا هكذا، وقسّم المنديل الورقي لشطرين) .
امّا في يوم محكمة انقلابي مايو وكان يومها المشير مطلوباً لتقديم شهادته فيها ، ذكر السيد بن عمر بأنّ المشير تردّد في ذهابه للمحكمة ، ثم التفت لبن عمر يسأله إن كان عليه أن يذهب للمحكمة ؟ ، فقرأ عليه السيد بن عمر الآية :( ۞ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283). فطلب السيد سوارالذهب من مدير مكتبه احضار السيارة للذهاب للمحكمة والشهادة فكان الرئيس الوحيد-حسب علمي- الذي وقف شاهداً امام محكمة أثناء فترة حكمه.
هذه الونسة كانت عام 2000م وكنتُ قد بيّنت اهمية مثل هذه المذكرات المكتوبة ليعلم الناس قدر الرجال ولايتجرأوا عليهم بجهالة. وقد ذكرت ذلك للسيد بن عمر فإن كان المقدم يونس محمود يدري عن هذه الواقعة لما أساء للملك فهد ولم يتجرأ عليه لموقف السعودية من حرب الخليج الأولى، ويخرّب العلاقات السودانية السعودية بقلمه وصوته الذي لم يكن عليه رقيب، ويسيء للشعب السوداني الذي يعرف الوفاء ويقدّر الأوفياء ويجلّهم. وقد سمعتُ هذه الواقعة من السيد المشير عبدالرحمن سوار الذهب في احدى القنوات التلفزيونية الفضائية عندما تمّت استضافته ومعه البروفيسور جعفر شيخ ادريس لمهرجان الجنادرية واستضافتهم الجالية السودانية في لقاء للوقوف ضد مذكرة المحكمة الجنائية الدولية لايقاف المتهم عمر البشير بتهمة الابادة الجماعية لأهلنا في درافور.
لقد كان السيد بن عمر هو الشاهد الوحيد لهذين الموقفين ومواقف كثيرة مماثلة حدثت خلال 1985-1986م وهو اجدر الناس بكتابتها في مذكرة تحفظ تاريخ هذه الفترة من منظور مدير مكتب المشير سورالذهب حفظاً للأمانة ولحق الأمناء وحفظاً للوفاء وحق الأوفياء.
علي أبوزيد
2/11/2020