الجزيرة والكنابى و جدليّة التعايش .. بقلم: الياس الغائب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2025, 09:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2020, 03:48 PM

الياس الغائب
<aالياس الغائب
تاريخ التسجيل: 03-11-2016
مجموع المشاركات: 23

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الجزيرة والكنابى و جدليّة التعايش .. بقلم: الياس الغائب

    02:48 PM November, 02 2020

    سودانيز اون لاين
    الياس الغائب-كوبنهاجن
    مكتبتى
    رابط مختصر





     
    تعرفت على مشروع الجزيرة كموقع جغرافى فى بداية ثمانينيات القرن الماضى ، على يد إنسانٍ أجنبى غريب الوجه و اليد واللسان. أخذنى ذات صباح باكر ـ تحديداً فى السادسة صباحًا ـ من أمام البركس بجامعة الخرطوم عند كبرى النيل الأزرق، فى سيارة لاندروفر يقودها بنفسه، وانطلق بى لا يلوى على شىء ولم يتوقف إلا بضع دقائق فى مدينة الحصاحيصا عند مكتب يتبع لصحة البيئة، إلتقينا فيه مفتش الصحة، ثم واصل حتى تفتيش ودسلفاب. لم أكن أعرف يومئذٍ المنطقة ولا معنى تفتيش ولكن هكذا قيل لى وهناك عرفت " أبوسته و أبوعشرين " وهذه الجداول المائية التى تستخدم لرى المحاصيل الزراعية.
     
    يعتمد مشروع الجزيرة بصفة أساسية على الرّي الصناعي و على الأمطار. و يعرف هذا النوع من الرى بالرّي الإنسيابي ويعتمد علي مدى استواء سطح الأرض وانسيابها، وذلك من خلال شبكة من القنوات تتكوّن من ترعة رئيسة تتفرع منها جداول تعرف " بأبوعشرين ثم أبوستة " و قد تم تصميم هذا النظام ليعمل بنظام التخزين نهاراً. و يتم التحكم في حجم المياه وتوزيعها لمقابلة الإحتياجات المائية لمحاصيل الدورة الزراعية بواسطة عمال وأجهزة تشغيل مختلفة موزعة على طول هذه القنوات ..
    معظم هذه الترع التى تروى الحواشات تتوقف عن الجريان و تجف بعد إنتهاء فترة الرى عدا قليل منها يعرف بالترع الصيفية لأنها توفر مياه الشرب لسكان القرى وهكذا أصبح لكل قرية فى الجزيرة ترعة صيفية تعتمد عليها كمصدر من مصادر المياه  فى حياتها اليومية، تستخلص للشرب بعد معالجتها معالجة خاصة وترفع فى صهاريج عالية حتى أصبح لكل قرية صهريج و صار الصهريج معلماً من معالم القرية .
     
    تم تخطيط القرى فى مشروع الجزيرة على مسافات متباعدة وعلى نسق نموذجى بحيث تكون البيوت على مسافة معقولة من الترع الصيفية حفاظاً عليها من التلوث بفعل الأنشطة  الحياتية المختلفة من إنسان و حيوان. و فى كل قرية، تجد الصهريج والمدرسة الإبتدائية والشفخانة والمسجد والبنيّة "القبة". و بنمو القرى ونمو سكانها تمددت حتى تداخلت مع الترع الصيفية .. و لكن ... من هم سكان القرى الحقيقيين ؟  هم المزارعون أصحاب الحواشات و ملّاك الأراضى الذين يمتلكون الأرض و المحصول .
     
    فى مواسم الحصاد يحتاج أصحاب الحواشات هؤلاء إلى أيدى عاملة مساعدة لمجابهة أعباء الحصاد الكثيرة المختلفة المنظور منها و غير المنظور، و لمّا كان ما يطلبونه من عمالة متوفراً فى غرب السودان عمدوا إليها؛ لاستجلابها - أى العمالة - من هناك، استجلاباً مؤقتاً ينتهى بنهاية الموسم المعنى و من ثمّ تعود إلى ديارها و قراها، هكذا تبدو الصورة جميلة ومشرقة، ملّاك أرض يبحثون عن عمالة،  وعمالة تبحث عن عمل وكل يذهب فى طريقه بعد نهاية الموسم. وهكذا فى كل موسم. أخلص العمال فى عملهم و أجادوه مهنة وتجردا وكان له مردود بالغ الأثر فى الإنتاج وفى أنفس أصحاب الحواشات حتى نشأت بينهم الإلفة و المودة. واستمر الحال حتى رأى بعض العمال البقاء بالمشروع  بقاءً دائماً و أن لا معنى لرجوعهم لديارهم ثم العودة مرة أخرى فى موسم الحصاد خاصة وأن العمل فى الجزيرة متوفر وأن الجزيرة فى حاجة ملحة إليهم .

    وجد هذا الرأي قبولاً لدى بعض أصحاب الحواشات خاصة أولائك الذين ليس لهم خيار آخر ورحبوا بالفكرة ورحبوا بهم سكاناَ بينهم واستضافوهم، ولكن أين ؟  لم يفسحوا لهم مكاناً فى القرية معهم كما يقتضى الحال وإنما بحثوا لهم عن مكان آخر خارج حدود القرية ولكن على مرأى منها وسط ترع المياه الصغيرة، مكاناً عشوائياً لا يصلح للسكن ومخالفاً للصحة و القانون، فأسكنوهم . كما أقامت السلطات البريطانية مساكناً مؤقتة للعمالة التى جلبتها، وهي على ثلاثة أنواع : كنابي قريبة من القرى، وأخرى بالقرب من وحدات التفتيش الزراعي، وثالثة بالقرب من قنوات المياه .. ومع الزمن تمددت تلكم المساحة العشوائية خارج القرية حين تكالب عليها الوافدون وتكاثروا بفعل الحياة والطبيعة، تلك كانت البداية ولكن حين جئت إلى المنطقة وتعرفت عليها وجدت أن النسيج الإجتماعى فى كل قرية من قرى الجزيرة يتكوّن من مجتمعين مختلفين، مجتمع المزارعين أصحاب الحواشات سكان القرية النموذجية ومجتمع العمال الوافدين  سكان القرية العشوائية التى صارت تعرف باسمها الأجنبى Camp ثم كمبو، ثم كنبو، و تجمع كنابى . لا توجد فى الكنابى مياه  صالحة للشرب. توجد مياه الترع و لكنها ملوثة وقذرة ومرتعاً  لتوالد الآفات و الأمراض بأنواعها مما يصيب الإنسان كالبلهارسيا و الملاريا و الإسهالات المعوية .. لا توجد مراحيض ولا تجد موقع قدم فى محيط الترعة نظيفاً؛ لأنها أصبحت مكاناً و مسرحاً للغسيل والإغتسال وقضاء الحاجة وكل ما يخطر  بالبال وما لا يخطر.

    نصحني أستاذى الأجنبى ونحن نعمل معاً لإجراء بعض الدراسات الميدانية عن البلهارسيا فى بعض الكنابى حين إقتربنا من إحداها و قبل أن ندخله .. أن نشرب حتى الرواء من الماء النظيف البارد الذى نحمله معنا فى حافظة المياه المعدة لذلك و ذلك تفادياً لتناول ما يقدّم لنا أثناء الضيافة حين يستقبلوننا بالشربات وعصائرالليمون ونحن "عارفين البير وغطاها" ..
     
    أستاذى هذا هو بروفسور أَلَان فِنِك Alan Fenwick أستاذ علم الطفيليات الذى إستعاره بروفسور معتمد أحمد أمين من بريطانيا العظمى فى سبعينيات القرن الماضى؛  للإستفادة من تجاربه فى مجال مكافحة البلهارسيا .. بروفسور فنك هذا عمل لأكثر من ثلاثين عامًا فى أفريقيا ثم عاد إلى بلده وأسس مؤسسة مبادرة مكافحة  البلهارسيا بالإمبريال كلودج ..
     
    (The Schistosomiasis Control Initiative (SCI), Department of Infectious Disease Epidemiology, Imperial College, London)
    بدعم من مؤسسة بيل وميليندا قيتس  (Bill and Melinda Gates Foundation)
     
    كان يقول لى:  "لا يمكن أن نرجو تعاونهم ونحن لا نتقبل ما يقدمونه لنا من ضيافة. لأننا برفضنا لطعامهم و شرابهم سوف نجعلهم يشكون فينا ومن ثمّ نفقد تعاونهم...". سألته : " ما الحل ؟؟" قال:  حرصاً على مشاعرهم و تقديراً لضيافتهم و كرمهم و كسباً لودهم سوف أقول لهم بمجرد أن يستقبلوننا ونسلم عليهم بٌن بٌن " يقولها بلكنة محببة "ما دايرين موية دايرين بن أو شاى" "لأن عمل القهوة أو الشاى كما تعلم يتطلب غلى الماء، وغلى الماء يقضى على كل الميكروبات ...".

    لا توجد فى الكنابى مدارس و لا رياض أطفال ، والأطفال لايجدون حظاً من التعليم المنظم ولكن هناك بعض الخلاوي كما أن عدد المواليد فى إزدياد بحكم الخصوبة العالية والتوالد الذى يأتى على فترات متقاربة و المفهوم السائد بأن الأطفال قوة إقتصادية وقتالية لا يستهان بها. وقد كان نشاطهم واضحًا للعيان .كانوا يكدحون ويعملون ويساعدون وينشطون فى كل شئ، حتى أصبح الكمبو خلية نحل من النشاط بالمقارنة بالقرية .. و طغت حركة الحياة فى الكمبو على القرية و أصبح الكمبو جاذباً لبعض مقدّر من شباب القرية و متنفساً إحتماعياً و وجهة للترويح والترفيه وقضاء الأمسيات ... حديثى هذا ينطبق على بداية الثمانينيات كما سبق ذكره و قبل مجيء الإنقاذ.

    بدأ أهل القرى ينفرون من أهل الكنابى و يتهمونهم ببعض الإتهامات وينظرون إليهم نظرة دونية ويخشون على أولادهم من أن يتشبهوا بهم ويتمنون بل يطالبون بطردهم هذا من جانب ومن الجانب الآخر يرفض أهل الكنابى هذه النظرة الدونية و يستاؤون من التهم الباطلة وينكرونها جملة و تفصيلا ويتمسكون بأرضهم ومنهم من ولد فيها. وبدأت بعض الأصوات تنادى بالإنصاف وترفض الظلم وتطالب بحقوقها الإنسانية من صحة وتعليم وحياة كريمة ...  و هكذا أصبحت الفوارق  الإجتماعية تكبر بين المجتمعين و تكبر، و الهوة تتسع بمرور الزمن وتتسع حتى وصلت ما وصلت إليه.

    و لكن ... ما المشكل ؟؟؟  جاء فى تأريخ الجزيرة ... أن جـزءاً كبـير مـن الأراضي التى أُنشأ عليهـا مـشروع الجزيـرة كان مملوكاً ملـكاً حـراً للمواطنـين، حيـث بلغـت مسـاحة تلـك أراضى بمشروع الجزيـرة وامتـداد المناقـل 40% مـن جملـة مسـاحة المشروع البالغـة (2.200.000) فـدان، في حين بلغـت مسـاحة الأراضى الحكوميـة 60%، لذا لجـأت السلطات البريطانية حينذاك إلى اسـتئجار الأراضى المملوكـة ملكاً حـراً ، ايجـاراً قسريـاً مـن ملاكهـا و ضمهـا إلى الأراضى الحكوميـة حتـى تتمكـن مـن إقامة المشروع دون أن تلجـأ إلى نزعهـا منهـم، و ذلك لتخوفهـا مـن أن يـؤدى ذلـك الإجـراء إلى ثـورات و إضطرابات مـن قبـل الأهالى، بالإضافة إلى تخوفهـا مـن فشـل زراعـة القطـن، عـلاوة عـلى التكلفـة العاليـة للتعويضـات الماليـة التـي كانـت سـتدفعها لمـلاك الأراضى في حالـة نزعهـا، و حٌددت الأجرة بواقـع عـشرة قـروش (ريـال) للفـدان الواحـد، وعلى هـذا الأساس صـدر قانـون أراضى مـشروع الجزيـرة لسـنة 1927م . إنتهى عقـد الإيجار القـسري هذا في مـارس مـن العـام 1967م ، وفشـلت جميع الحكومـات المتعاقبـة منـذ ذلـك التاريـخ في معالجـة قضيـة مـلاك الأراضي بمـشروع الجزيـرة على الرغم من اللجـان العديـدة التـي أُنشِأت لذلـك الغـرض .

    و قد مرت علاقـة الإنتاج التـي تربـط المزارعين أصحـاب الأرض والعـمال بعدة مراحل : بدأت على أساس العمــل بالأجرة فى مقابــل القيــام بالعمليــات الزراعيــة "عمال يوميـة"، ثــم تطــورت علاقــات الإنتــاج لاحقــاً و أصبحــت شراكــة بين الطرفـيـن، يســاهم فيهــا المــزارع صاحـب الأرض بتوفيـر الأرض، بينمـا يلتـزم العمـال بـكل العمليـات الزراعيـة كزراعـة المحاصيــل ونظافــة الحشــائش والإشراف عــى عمليــات الــري وحصــاد المحاصيــل، و مــن ثــم يتـم تقاسـم الأرباح وفـق نسـبة يُتفـق عليهـا، والتـي غالبًا مـا تكـون مناصفـة بـين الطرفين كما يتقاسـمان تكلفـة تحضيـر الأرض والضرائـب والرسـوم المفروضـة مـن الدولـة. ثـم لاحقـاً تطـورت هـذه العلاقـة الى قيـام العمال بتأجير الحواشـات مـن أصحابهـا وزراعتهـا لمصلحتهـم الخاصـة خاصـة بعـد تدهـور المـشروع خــلال حقبــة الانقــاذ، وهجــر الكثـيـر مــن مــلاك الأرض بالمـشـروع للزراعــة، وقيامهــم بتأجير حواشاتهم إلى العمال مـن سـكان الكنـابي، بـل أن بعضهـم قـام ببيـع الحواشـات إلى العـمال فامتلـك بذلـك بعـض العمـال حواشات بمـشروع الجزيـرة .

    هذا الإشكال ذو أصل سياسى، نشأ فى ظل تصور سياسى خاطئ، و لابد له من حل سياسى، بإيجاد صيغة تعايش سلمى بين المجتمعين فى قرية واحدة؛ و ذلك بدمج الكنابى فى المجتمع المحلى للقرى و إلغاء التمييز الواقع بينهم و بإعادة تخطيط القرى وإقامة مجمعات سكنية نموذجية بديلة تستوعبهم كلّهم.  ويمكن تقليل العدد بتخيير بعض الأهالي إلى نقلهم إلى أقرب مدينة وتمليكهم مساكن فى مجمعات سكنية تقام فى تلك المدن .
     
    [email protected]
    الياس الغائب ... كوبنهاجن

     























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de