الانتقالية: الآفاق والتحديات بقلم:ناصر السيد النور

الانتقالية: الآفاق والتحديات بقلم:ناصر السيد النور


11-01-2020, 05:48 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1604249280&rn=0


Post: #1
Title: الانتقالية: الآفاق والتحديات بقلم:ناصر السيد النور
Author: ناصر السيد النور
Date: 11-01-2020, 05:48 PM

04:48 PM November, 01 2020

سودانيز اون لاين
ناصر السيد النور-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




إن ما يميز ثورة ديسمبر عن الثورتين العظميين أكتوبر 1964 وأبريل 1985 بأنها ثورة لم يزل يرى مفجروها يأن غاياتها لم تكتمل أو على دارج القول لم تحقق أهدافها بعد. فالأهداف هي ما تمثل الآفاق مقرونة بشعاراتها التي دافع عنها ثوارها بتضحيات جسيمة. وما يعد أهداف ثورية هي الدلالات الواضحة لمطالب واستبدال لنظم كانت قائمة بقوة القهر السياسي ومنطق السلاح. وبالتالي فإن وقائع والثورة وما تيرب عنها ما يطلق عليه استحقاقات الثورة، وهي بمفهوم الثورة رؤية أهدافها الحرية والعدالة والسلام متحققة. فالثورة تحدث اختراقاً مؤثراً في فيما يتجاوز أهدافها الرئيسة، فإذا كانت الثورة قد نجحت بأسقاطها لنظام استبدادي بوسائل سلمية لا يقارن بأي نظام ديكتاتوري في وحشيته في تاريخ السودان السياسي. وبلغت التضحيات أرتالاً من الشهداء ومنجزٍ ثوري مجيد.
وظل الفترات الانتقالية التي تعقب الثورات السودانية قابلة للاختراق والمزيدات السياسية بين صراعات الأحزاب ومرحلة اختبار لقوة القوى السياسية التي تنوي الانقضاض عسكرياً واختطاف السلطة، الأمر الذي مكن الجبهة الإسلامية عقب انتفاضة مارس/ابريل من اختراق من المجلس العسكري وتمكين حلفاؤها من العسكر بالانقلاب على حكومة منتخبة ديمقراطيا. ومما يلاحظه المراقب في هذه المرحلة بعد عام ونصف من عمر المرحلة الإنتقالية، أن حالات الاستقطاب السياسي بلغت حداً خرجت معه المظاهرات تدعو الجيش إلى التدخل وهي إحدى ظواهر الدولة العميقة التي لم تحسم بعد بفعل ثوري عنيف أو إنصاف قانوني وهو من موجبات ثورة كانت سلمية في أهدافها كما شعاراتها. وبدا واضحاً أن الردة أو عودة للنظم الاستبدادية لم يعد وارداً بتصميم الثوار أنفسهم استناداً إلى شرعية ثورية يصعب تجاوزها، وهذا أفق تترقب من خلاله القوى الثورية والديمقراطية صمود الفترة الانتقالية في وجه حالات الثورة المضادة المستهدفة داخلياً وخارجيا. وتكون الآفاق – بمنطق الثورة – هو ما يضمن استمرار ما قامت أجله وتطويعاً لواقع تتعذر استجابته لغالب شروط الدولة في الاقتصاد المتعافي والسلام في ظل واقع تتكاثر قواه المضادة للثورة، وامكانيات غير متاحة لضمان استمراريتها في الاستقرار والأمن والمعاش.
ولم يكن ما ينقص ويتحدى استكمال فرص نجاح الثورة خلال فترتها الانتقالية قيام مؤسسات تتأسس على توافقات دستورية ومكونات هيكلية للحكم والإدارة تمهيداً لحكومة انتقالية مُنتخبة، بل النوايا التي يستطبنها كل طرف تحيناً لفرص مواتية وخاصة الطرف الذي بيده مقاليد الأمور والقادر بالتالي على تنفيذ ما يخشاه الجميع. ويكاد تكرار المشاهد السياسية السودانية واستنساخها جزء من ملهاة تأريخيه لا يكاد يعرفها بلد غير السودان، فمنذ ما ينيف على ستة عقود من الدورة الخبيثة بين حكم عسكري استبدادي وآخر مدني منتخب ديمقراطياً قصير العمر تكرر الصور والمشاهدات لا يتغيب عنها حتى لاعبو ذات الأدوار، مما يشيء ليس فقط باحتكار تداول السلطة ولكن بنضوب التجربة السياسية السودانية وعجزها عن الابتكار. وهي ظاهرة بحاجة إلى تحليل لفهم جوانب القصور في التجربة والتراجع الحركي والعقلي لهذا الجسم المتكلس في هذه المرحلة الحساسة.
ربما تستبعد الضائقة المعيشية التي عصفت بسودان ما بعد الثورة وضغوط اقتصادية أورثتها وغذتها سياسات النظام البائد؛ أي حديث يبحث عن عوامل أخرى قد يعد مكابرة وتجاوز لحقائق في واقع تمس مساً مباشراً حياة الناس. ولكنها عوامل كانت أيضاً سبباً في الأزمة التي تتهدد الفترة الانتقالية وتبرر لأي فعل مضاد تواتر سيناريواته لمن يرى حتى كاد أن يقع ويصدقه الناس. ولكي تستقر أي أوضاع في مرحلة ما بعد الثورة لابد أن تصاحبها استثناءات تمثل مهددات ومن أهمها ما يعرف بالثورات المضادة، إنه الظرف الواقعي الذي يجب علينا التعامل معه بمنطقه وما ينتج عنه من حالات انقسام حاد وسط أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة. ولكن يجب ألا ننسى أن القوى الشعبية التي اطاحت بنظام مستبد كنظام الإنقاذ وخرجت من أجل الكرامة والعدالة والسلام لن تسمح بأي تحركات قد تعيدنا إلى المربع الأول، وإلا كان الثمن فادحاً يذهب بالوطن برمته إلى المجهول.
ومع أن تحديات المشهد السياسي الانتقالي الحالي تبدو عاصفة تنذر بخطر داهم تمثله جماعات النظام البائد التي لم تزل تتجذر في جهاز الدولة تخريباً، وغياب لأي رؤى سياسية للتعامل مع واقع سياسي جديد على مستوى السياسات الداخلية والخارجية وغيرها من عوامل القصور المعيقة لإنجاز أهداف الثورة والمرحلة الانتقالية؛ ستقف القوى التي فجرت الثورة من تصنيف سياسي في مواجهة أي محاولات تسعي إلى اجهاض الثورة أو حرفها عن مسارها.
لن تكون آفاق التغيير حركة ساكنة يتوقف عندها في المرحلة الإنتقالية، فالذي ينقصها ليس حصراً على إكمال جوانب سياسية وتشريعية في تكوين المجالس التشريعية على أهميتها في صنع القرارات وتنفيذها ولكن في استمرار الفترة الإنتقالية نفسها وفاءاً لتعهدات سياسية واستحقاقات ثورية ومواثيق وعهود كثيراً ما كانت محل نقض بتعبير السياسي الجنوبي أبيل ألير.
الأول من نوفمبر 2020
#ناصرالسيدالنور
#صحيفة_الديمقراطي